استمع إلى الملخص
- التحديات والمخاوف: يواجه النازحون استهدافاً من طائرات الدرون ومنعاً لدخول الإسعاف، مع مخاوف من تدمير المخيم بالكامل كما حدث في 2002، مما يثير قلق الأهالي بشأن العودة.
- الوضع الإنساني والجهود المبذولة: يعيش النازحون في ظروف صعبة، مع صعوبة تنقل كبار السن وذوي الإعاقة، وتعمل المؤسسات على تقديم المساعدات، بينما تم اعتقال عشرات المواطنين دون معرفة مصيرهم.
يشهد مخيم جنين شمالي الضفة الغربية، سيناريو التهجير القسري الجماعي الذي عاشه فلسطينيو قطاع غزة، ويخشى أهله ألا يتمكنوا من العودة إليه، أو أن يتم تدميره بالكامل كما حصل سابقاً
لليوم الثاني على التوالي، يشهد مخيم جنين شمالي الضفة الغربية، نزوحاً قسرياً جماعياً لأهله في ظل عملية "الجدار الحديدي" المتواصلة على المخيم. وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن النزوح سيكون مسموحاً به من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، وقد بات المخيم شبه فارغ باستثناء بعض العائلات التي لم تتمكن من المغادرة.
واضطر الناشط الحقوقي أحمد حواشين، أمس الأربعاء، إلى النزوح قسراً مع عائلته من حارة الحواشين إلى إحدى القرى المجاورة. يوضح لـ "العربي الجديد" أنه سار مع نحو 150 من الأهالي مسافة كيلومتر باتجاه دوار العودة غرب مخيم جنين، حيث واجهوا نقطة تفتيش إسرائيلية مزودة بآليات عسكرية وجنود مشاة.
وبحسب حواشين، تم تقسيم الأهالي إلى مجموعات مكونة من خمسة أشخاص، وتم تصوير كل مجموعة من النازحين بكاميرات مثبتة على دوريات الاحتلال. ويُعتقد أن العملية تهدف إلى أخذ بصمة العين. ومن يتم اختياره يُعتقل ويُلبس ملابس بيضاء أو زرقاء، ثم يُنقل إلى مراكز التحقيق بعدما يتعرض للضرب.
أما من لا يتم اعتقاله، بحسب حواشين، فيُسمح له بمواصلة النزوح إلى القرى المجاورة. ونقلت الحالات المرضية والنساء بواسطة سيارات الإسعاف، بينما حمل البعض الآخر على الكراسي البلاستيكية أو الأكتاف. ويؤكد حواشين أن من يغادر مخيم جنين يُمنع من العودة إليه، فيما بدأ جيش الاحتلال بالتوغل في أطراف المخيم، الذي أصبح منطقة عسكرية مغلقة، في وقت تحلق فيه طائرات مسيرة من نوع "كواد كابتر" في السماء.
من جهته، يؤكد المسعف صلاح منصور من مخيم جنين، في حديث لـ "العربي الجديد"، أنه خلال عمله في منطقة جورة الذهب داخل المخيم، تعرض برفقة طاقم الإسعاف لاستهداف من قبل طائرات الدرون (المسيّرات) بقنبلتين يدويتين، وبعدها اضطر للنزوح بعدما أدى انقطاع التيار الكهربائي إلى تعطيل مركبات الإسعاف صغيرة الحجم "توك توك"، والتي تعمل على الكهرباء.
نزح منصور قسراً مع نحو 200 شخص، بعد مطالبة قوات الاحتلال عبر طائرات الدرون الأهالي بالخروج من منازلهم باتجاه دوار شيرين أبو عاقلة (دوار العودة) غرب المخيم. ويؤكد أيضاً على تقسيم النازحين إلى مجموعات من خمسة أشخاص، وتصوير كل مجموعة بكاميرات مثبتة على الآليات العسكرية، يُعتقد أنها لأخذ بصمة العين أو الوجه.
بعد ذلك، وبحسب منصور، نقل كبار السن بواسطة الكراسي المتحركة وسيارات الإسعاف، بينما تم اعتقال البعض وجعلهم يرتدون ملابس بيضاء قبل نقلهم إلى مراكز التحقيق التابعة لجيش الاحتلال. ومن لم يعتقل، واصل النزوح إلى مدينة جنين والقرى المحيطة. اضطر منصور للنزوح إلى أقاربه في بلدة برقين غربي جنين، مشيراً إلى وجود مركزي نزوح حالياً هما قاعة بلدية برقين وجمعية جنين الخيرية في مدينة جنين. ويشير إلى منع طواقم الإسعاف من دخول المخيم لإخراج كبار السن بحجة وجود عملية عسكرية.
مخاوف من تدمير المخيم
يقول الصحافي عصري فياض، الذي نزح من منزله في شارع مهيوب جنوب مخيم جنين، لـ"العربي الجديد"، إنّ قوات الاحتلال أعادت بعض النازحين (إلى المخيم) الأربعاء بعد انتهاء الوقت المحدد للنزوح. لكن منذ صباح اليوم، توجه الأهالي إلى نقطة النزوح في دوار العودة غرب المخيم، حيث تم استدعاء مجموعات من خمسة أشخاص وربما تصويرهم، فيما دُقّق في هويات آخرين.
ويشير فياض إلى أنه بعد اجتياز النقطة العسكرية، ينقل الأهالي بواسطة سيارات إلى أقاربهم في مدينة جنين أو القرى المجاورة، موضحاً أنه اضطر للنزوح إلى منزل ابنته في مدينة جنين. ويخشى الأهالي، بحسب فياض، تدمير مخيم جنين بالكامل، خصوصاً بعد نزوح غالبية سكانه، ولم يتبق سوى عدد قليل من العائلات. ويلفت إلى أن الخطورة تزداد بعدما بدأت الجرافات الإسرائيلية بهدم وحرق منازل، بينما ينتشر جيش الاحتلال في عدة مناطق داخل المخيم ويحتل بعض المنازل، ما يعيد إلى الأذهان تدمير المخيم عام 2002 في إطار عملية "السور الواقي".
اجتياح
يروي أحمد ذيب، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إجباره وأسرته على الخروج من مخيم جنين مساء أمس، قائلاً: "في الصباح الباكر، أدخل جيش الاحتلال الإسرائيلي طائرة مسيّرة مزوّدة بمكبرات صوت إلى الحي الغربي للمخيم. سمعنا التسجيل الصوتي يقول: من يريد النجاة بأمن وسلام، عليه مغادرة المخيم وإخلاء المنزل. هذا الإعلان كان بمثابة أمر إخلاء لا يحتمل التأجيل. لم يكن أمامنا من خيار سوى الامتثال للقرار خشية القصف الإسرائيلي وإطلاق النار. اضطررنا وجميع سكّان الحي الغربي إلى المغادرة ومعنا سكّان حارتي السمران وجورة الذهب. لم نتمكن من حمل أي شيء معنا من مقتنيات المنزل والحاجات اللازمة من أغطية أو ملابس إضافية. نقيم الآن في منزل فارغ حديث البناء يملكه أحد أقاربنا، ولكن لا نعلم إلى متى سنبقى في هذا الوضع".
يعيل ذيب تسعة أفراد، بينهم أطفال ونساء وكبار سن تتراوح أعمارهم ما بين الستين والسبعين عاماً، يعانون من أمراض مزمنة وصعوبة في التنقل على الكراسي المتحرّكة، ويحتاجون إلى أدوية غير متوفرة بسهولة. لهذا، كان من الصعب البقاء في ظل استحالة الوصول إلى مستشفى جنين الحكومي المحاصر بعد تجريف الاحتلال مداخله والشوارع المحيطة، وفي ظل عدم وصول سيارات الإسعاف إلى المخيم.
وفرض جيش الاحتلال، بحسب ذيب، على النازحين طريقاً محدداً للوصول إلى حي الجابريات جنوب المخيم، بالتزامن مع تحليق الطائرات المسيّرة. ومن يخرج عن المسار المحدد يتعرض لإطلاق نار مباشر، حيث أصيب عدد منهم. ويشير إلى أن قوات الاحتلال نصبت كاميرات مراقبة تتابع حركة النازحين المجبرين على سلوك هذا المسار المحدد، وفي حال كان أحد النازحين مطلوباً للاحتلال يتم كشفه عبر الكاميرات، واعتقاله على الفور. ما يجري يذكّر ذيب بما شهده قطاع غزة، حيث يتكرر النزوح الجماعي فيما تترك المنازل خاوية، وسط مخاوف من عدم تمكن الناس من العودة إلى المنازل، أو العودة إلى منازل مدمرة.
مشاهد صعبة
أما المواطن زياد عبد اللطيف وزوجته وعائلته المكوّنة من ستة أفراد، فقد اضطروا إلى مغادرة منزلهم في حي الهدف، منذ اللحظات الأولى للاجتياح العسكري الإسرائيلي الذي بدأ بتجريف الطرقات فور بدء العملية، وإلقاء منشورات تحذّر السكان من البقاء في المخيم، تزامناً مع بدء قصف الطائرات الحربية.
ويقول عبد اللطيف لـ"العربي الجديد": "حاولنا مغادرة المخيم سريعاً عبر مركبتنا الخاصّة، لكننا تعرضنا لإطلاق نار كثيف من جيش الاحتلال، استهدف عجلات المركبة ما أعاق حركة نزوحنا وهدد حياتنا بالخطر". ويوضح أن "إطلاق النار في لحظات النزوح كان عشوائياً يستهدف الجميع بلا استثناء للصغار أو الكبار، وكان معنا جيران أصيبوا برصاص الاحتلال، وتعاونا للفرار سوياً من الموت ونقل أحد المصابين عبر مركبة الإسعاف، تزامناً مع قصف طائرات الاحتلال المخيم بعشوائية. وبعد معاناة طويلة، تمكنّا من الوصول إلى منزل في منطقة حرش السعادة المحاذية للمخيم".
ويلفت عبد اللطيف إلى أن "القوات الخاصة الإسرائيلية تنتشر بكثافة في جميع أحياء المخيّم وتدفع السكان للنزوح عبر شارع وادي برقين ودوار العودة، غرب المخيم. ورغم تحديد هذا المسار إلا أنه معرض للخطر طوال الوقت من قنّاصة الاحتلال والقوات الخاصة المتمركزة هناك".
إلى ذلك، يوضّح رئيس المبادرات المجتمعيّة في مخيم جنين، محمد أبو الهيجاء، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن حوالي 80% من سكان المخيّم اضطروا إلى النزوح قسراً، ولم يتبقّ سوى حوالي 20% منهم، ويواجه غالبيتهم صعوبة في الخروج نظراً لانتشار قوات الاحتلال والطيران الحربي في سماء المخيم. ويلفت إلى أنهم على تواصل مستمر مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجمعية الهلال الأحمر بالتنسيق مع مؤسسات المخيم لتوفير كراسي متحركة تساعد العشرات من الذين بقوا في المخيم ولم يستطيعوا مغادرته، وخصوصاً من كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة. يضيف أن الواقع في المخيم يعكس نزوحاً إجبارياً للعائلات.
بدوره، يقول مدير عام هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، سياف أبو سيف، لـ "العربي الجديد"، إنه تم إبلاغ الهيئة عن اعتقال عشرات المواطنين في مخيم جنين من دون معرفة مصيرهم حتى الآن، ولم يتم تحديد العدد النهائي للمعتقلين. ويشير إلى أن المعلومات الواردة تفيد بأن المعتقلين يجبرون على ارتداء لباس أبيض بالكامل، وهي ممارسة يبدو أنها تهدف إلى ترويع المواطنين والإيحاء بأنهم سيتعرضون لمعاملة مشابهة لتلك التي تعرض لها المعتقلون الفلسطينيون في قطاع غزة.
ويبلغ عدد سكان مخيم جنين حوالي 14 ألف نسمة، واضطرت نحو ألفي عائلة للنزوح إثر العملية العسكرية للأجهزة الأمنية الفلسطينية التي شهدت أحداثاً دامية قتل فيها 15 فلسطينياً، بينهم ستة من الأمن، واستمرت تلك الحملة 47 يوماً قبل اقتحام جيش الاحتلال للمخيم في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، وبدء عمليته العسكرية "الجدار الحديدي".