محمد قمر... سائق حافلة يتحدّى شلل قدميه في تعز اليمنية

محمد قمر... جريح حرب يمني يقود حافلة رغم شلل قدميه

تعز

هشام سرحان

avata
هشام سرحان
25 فبراير 2022
+ الخط -

يقود الشاب اليمني محمد عبده قمر (25 عاماً)، والمصاب بشلل نصفي، الباص الذي اشتراه في مايو/أيار الماضي، بشكل يدوي فقط، وينقل به الركاب إلى وجهاتهم بين شوارع مدينة تعز وسط اليمن، من دون أن يستخدم قدميه المشلولتين.

ومحمد عبده قمر واحد من معطوبي الحرب، فهو من بين الشباب الذي انخرطوا مبكراً في صفوف الجيش الوطني، وشاركوا في القتال ضد الحوثيين في مختلف جبهات مدينة تعز، وقد أصيب أثناء مشاركته في المواجهات المسلحة التي شهدها جبل جرة وسط المدينة مطلع فبراير/شباط من العام 2016 بعيار ناري في عموده الفقري، ما تسبب بإعاقة دائمة في جسده.

غير أنه لم يستسلم لواقعه، وخاض تحديا كبيرا لوضعه وسعيه أن يكون فرداً منتجاً. يقول محمد قمر لـ"العربي الجديد": "دفعني إهمال الحكومة والسلطات المحلية للجرحى، وتدهور أوضاعي المادية والمعيشية، للبحث عن وسيلة لكسب الرزق، فاشتريت الباص وأضفت إليه في إحدى الورش قطعاً حديدية متصلة بدواساته حتى يسهل عليّ التحكم به وأتمكن من قيادته ونقل الركاب".

وفيما تعجز ساقاه عن الحركة، يوضح قمر أنّه يستخدم يديه في التحكم بالمقود وعصا القيادة والضغط بهما على قضبان حديدية متصلة بدواسة البنزين والسرعة والفرامل، ويطوف مع ركابه شوارع المدينة في مسعى منه لكسب الرزق ولقمة العيش والتغلب على الإعاقة وآثارها النفسية والبدنية، ومواجهة الفقر وشدة الحاجة والصعوبات الاقتصادية المتعددة وانقطاع الرواتب، وندرة المساعدات وغياب مصادر الدخل، فضلاً عن تجاوز تداعيات الحرب والحصار المطبق على المدينة من قبل جماعة الحوثيين منذ العام 2015.

ويضيف: "أعمل بشكل يومي وأقود الباص باستخدام يديّ فقط لعدة ساعات، مقابل عائدات متواضعة أعول منها أسرتي وألبي بها احتياجاتها، وأساهم في تحسين وضعي المادي والمعيشي".

ويتراوح دخله اليومي من 3 إلى 4 آلاف ريال (4 دولارات)، وهي عائدات يوزعها على إيجار الشقة التي يسكن فيها ومصاريف أسرته، إلى جانب نفقات صيانة الباص.

راودته فكرة شراء الباص من الكشك الذي أنشأه في وقت سابق، ووجد أن العمل فيه مرهق ويتطلب وجوده فيه بشكل مستمر، مضيفا: "جمعت ثمنه من مساعدة مالية لأحد المؤسسات الخيرية وقدرها 300 ألف ريال (300 دولار)، كما بعت مدخرات زوجتي واستلفت مبالغ مالية من بعض الأشخاص، ورغم ذلك لم أتمكن من سداد قيمة الباص كاملة، إذ تبقى عليّ مبلغ قدره 3 آلاف ريال سعودي (1000 دولار تقريباً).

يغادر قمر كل صباح بيته إلى عربة يدوية، ومنها إلى كرسي قيادة باصه الذي يشكل بالنسبة له ولعائلته مصدر دخل وحيد ومتواضع بالنظر لغلاء المعيشة والأسعار، وأزمات الوقود المتواترة، وانهيار قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.

كما فاقم إهمال الحكومة الشرعية والسلطات المحلية ولجنة الجرحى في المحافظة معاناة قمر، وأجبره على العمل رغم ظروفه الصحية الصعبة، وجعله يقود كفاحاً مريراً من أجل توفير قوت أسرته الضروري والوفاء بالتزاماته المختلفة نحوها.

ورغم كل هذا، فإن الشاب يرفض أن يجعل المشهد مأساوياً ومظلماً، ويبدي رضى بالوضع الذي وصل إليه، إذ يعمل ويمارس حياته بشكل طبيعي ويتنقل بباصه بين الشوارع ويحمل الركاب الذين يُدهشون من طريقة قيادته وصلابة عزيمته.

وتشير تقارير رسمية وحقوقية إلى أن الحرب الدائرة في مدينة تعز وسط اليمن للعام السابع على التوالي خلّفت قرابة 20 ألف جريح، بينهم أكثر من ألفي جريح يعانون من إعاقات دائمة، ويعيش معظمهم أوضاعاً مأساوية ويفتقرون للغذاء والدواء والرواتب والعلاوات، ويشكون من التجاهل والخذلان والتنكر الحكومي لتضحياتهم، وعدم وفاء الجهات المختصة بالتزاماتها نحو الجرحى الذين شاركوا في التظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها المدينة منذ عدة أشهر، وطالبوا بعلاجهم ودفع رواتبهم وعلاواتهم وصرف الميزانية المخصصة لهم.

ويقول الجريح معتز الراشدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ إهمال الحكومة الشرعية وعدم التفاتها لهم وإحجامها عن صرف الموازنة المخصصة لعلاجهم فاقم معاناة الجرحى في مدينة تعز وزاد من تدهور أوضاعهم الصحية والنفسية والمعيشية والإنسانية، وسط مطالباتهم المستمرة بمعالجة أوضاعهم والتحرك الجاد لإنقاذهم، والنظر بعين الاعتبار لملفهم الذي يثير جدلاً واسعاً في أوساط الناشطين والمهتمين.

ذات صلة

الصورة
11 فبراير

سياسة

تحيي مدينة تعز وسط اليمن، منذ مساء أمس السبت، الذكرى الثالثة عشرة لثورة 11 فبراير بمظاهر احتفالية متعددة تضمنت مهرجانات كرنفالية واحتفالات شعبية.
الصورة
معين عبد الملك رئيس الحكومة اليمنية/حسين بيضون

سياسة

قال رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك في حوار مع "العربي الجديد"، إن خريطة طريق يتم بحثها للحل في اليمن قد تستمر عامين، لافتاً إلى أن الزخم الدبلوماسي المتصاعد حالياً يضع الحوثيين مجدداً أمام استحقاقات السلام.
الصورة
عراقي يتحدى إعاقته (العربي الجديد)

مجتمع

لم يستسلم الشاب العراقي مصطفى إسماعيل (30 عاماً) المصاب بالشلل الرباعي لإعاقته، ولا للظروف المعيشية الصعبة المحيطة به، وتمكّن متسلحاً بالإرادة الصلبة من تحقيق حلمه في افتتاح مكتبته الخاصة، أخيراً، في شارع النجفي بمدينة الموصل.
الصورة

مجتمع

تمكّن جيرت جان أوسكام (40 عاماً) من الوقوف والمشي بعد سنوات من العجز، إثر نجاح عملية زرع جهاز يقرأ موجات الدماغ ويرسل الإشارات إلى العمود الفقري لتحريك العضلات.

المساهمون