محاولة ترامب إنهاء حق الجنسية بالولادة يسقط سوابق قانونية مضى عليها أكثر من قرن

26 يناير 2025
ترامب عند توقيعه أمراً تنفيذياً بمنع حق الجنسية بالولادة، 20 يناير 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلن الرئيس ترامب عن رغبته في إنهاء "حق الجنسية بالولادة" وأصدر أمراً تنفيذياً لتحقيق ذلك، لكن قاضٍ فيدرالي جمد التنفيذ بعد طعن قانوني من 22 ولاية، مما أثار جدلاً قانونياً وسياسياً.
- تاريخياً، حصلت جماعات مضطهدة على حق الجنسية بعد معارك قانونية، مثل الأميركيين الأصليين في 1924، وأكدت قضية وونغ كيم أرك في 1898 على منح الجنسية تلقائياً للمولودين في الولايات المتحدة.
- أثار الأمر التنفيذي قلقاً بين المهاجرين، حيث يُنظر إليه كجزء من حركة سياسية متجذرة في التحيز العنصري، مع انتقادات بأنه يعكس عقيدة تفوق العرق الأبيض.

مذ كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتولّى إدارته الأولى (2017-2021) أعلن جهاراً رغبته في إنهاء "حق الجنسية بالولادة"، وهو حق دستوري لكلّ شخص يُولد في الولايات المتحدة الأميركية. وبعيد تولّيه إدارته الثانية في العشرين من يناير/كانون الثاني الجاري، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً من شأنه أن يلغي هذا الحق، الأمر الذي ينهي سوابق قانونية مضى عليها أكثر من قرن. ومع ذلك، جمّد قاضٍ فيدرالي، يوم الخميس الماضي، تنفيذ الأمر في قرار مؤقّت بعدما قدّمت 22 ولاية بسرعة طعناً قانونياً.

وعلى مدى سنوات، حصل كثيرون من الجماعات المضطهَدة أو المهمّشة على حق الجنسية في الولايات المتحدة الأميركية بعد معارك قانونية حامية الوطيس. وتلقي وكالة أسوشييتد برس نظرة على كيفية تطبيق حق الجنسية بالولادة على عدد من تلك الحالات وكيفية استخدام وزارة العدل الأميركية هذه الحالات اليوم للدفاع عن أمر ترامب. ومُنح الأميركيون الأصليون حق الجنسية الأميركية في عام 1924، واستشهدت وزارة العدل بحالاتهم بصفتهم مقياساً قانونياً لكي تبرّر في المحكمة الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب. وأفادت الوزارة بأنّ "ولادة شخص ما في الولايات المتحدة الأميركية، في حدّ ذاتها، لا تمنحه الحق في الجنسية، ويتعيّن عليه أن يكون خاضعاً كذلك لولاية واشنطن القانونية". وعرضت وزارة العدل حالة من عام 1884 وجدت أنّ أفراد قبائل الهنود "ليسوا خاضعين للولاية القانونية للولايات المتحدة الأميركية ولا يحقّ لهم من الناحية الدستورية الحصول على الجنسية"، بحسب تقديرها.

وتعليقاً على ذلك، رأى أستاذ القانون الدولي الأجنبي والمقارن في كلية الحقوق التابعة لجامعة "هارفارد" جيرالد إل نيومان، أنّ هذه ليست حجّة قانونية جيدة، ولا حتى جديدة. أضاف: "لكنّ ثمّة حركة سياسية أكبر وراءها"، وهي "بدرجة ما متجذّرة في كراهية الأجانب والتحيّز الذي يجري الإعراب عنه علانية". من جهته، أفاد أستاذ ومؤلف في جامعة "كاليفورنيا - إيرفين" ليو شافيز الذي يدرّس الهجرة الدولية بأنّ "هذه ليست مقارنة صحيحة"، مشيراً إلى أنّها "تستخدم شدّة التنافس لطرح حجة سياسية وليس حجة قانونية". في هذا الإطار، قال أستاذ القانون في جامعة "ميشيغان" ماثيو فليتشر: "هم (في وزارة العدل) ينبشون قضايا قانونية قديمة وعتيقة تتعلّق بالهنود، بحثاً عن النقاط الأكثر عنصرية التي يستطيعون العثور عليها من أجل الفوز". أضاف فليتشر، عضو قبيلة غراند ترافيرس باند لهنود أوتاوا وتشيبيوا، أن "ليس هناك أيّ شيء مقدّس في وزارة العدل؛ هم يقومون بأيّ شيء يستطيعون القيام به للفوز".

إلى جانب الأمر الذي أصدره ترامب بخصوص حق الجنسية بالولادة أخيراً، فقد أعطى توجيهاته بخصوص توسيع حملات الاعتقال الخاصة بالمهاجرين لتشمل مواقع حساسة مثل المدارس. ولهذا تبعات، خصوصاً في ولاية نيو مكسيكو الحدودية، حيث وُسّع نطاق المواطنة الأميركية في عام 1848 لتشمل سكاناً من أصول مكسيكية وإسبانية بموجب معاهدة "غوادالوبي هيدالغو" التي أنهت الحرب الأميركية-المكسيكية. ويتضمّن دستور ولاية نيو مكسيكو لعام 1912 ضمانة تنصّ على أنّه "لن يُحرَم الأطفال من أصول إسبانية، على الإطلاق، حقّ وامتياز الالتحاق بالمدارس الحكومية ومتابعة تعلمهم فيها. كذلك لن يُوضَعوا في مدارس منفصلة، بل يتعيّن أن يتمتّعوا إلى الأبد بالمساواة التامة بالأطفال الآخرين". وقد سلّط النائب العام لولاية نيو مكسيكو راؤول توريز الضوء على هذه المادة في توجيهات للمدارس من رياض الأطفال حتى الثانوية العامة بشأن كيفية الاستجابة للرقابة المحتملة ومذكرات التفتيش والاعتقال والاستدعاء من قبل سلطات الهجرة. وتشير التوجيهات إلى أنّه لا يمكن حرمان الأطفال الحصول على التعليم في المدارس الحكومية على أساس وضع الهجرة، استشهاداً بسوابق المحكمة العليا الأميركية.

وبرزت قضية احتمال أن يكون الأشخاص المستعبدون مؤهّلين للحصول على المواطنة الأميركية في عام 1857، عندما أصدرت المحكمة العليا بأغلبية سبعة أصوات في مقابل صوتَين حكماً ضدّ دريد سكوت، الذي كان قد استُعبد، ومحاولته رفع دعوى للحصول على الحرية. وأفادت المحكمة في قرارها بأنّ الأشخاص السود ليس لهم الحقّ في المواطنة، وزعمت أنّهم "أدنى" من الأشخاص البيض. وساهم القرار الخاص بـ"العبد" دريد سكوت في اندلاع الحرب الأهلية. ومع انتصار الشمال على الجنوب، حُظرت العبودية. ومن بين طرق الحماية الدستورية التي طُبّقت بالنسبة إلى الأشخاص المستعبَدين سابقاً، صدّق الكونغرس الأميركي على التعديل الـ14 في عام 1868 الذي يضمن الجنسية للجميع، بمن في ذلك الأشخاص السود. وينصّ التعديل الـ14 على أنّ "كلّ الأشخاص المولودين أو الذين حصلوا على جنسية الولايات المتحدة الأميركية ويخضعون بالتالي للولاية القانونية هم مواطنون فيها وفي الولاية حيث يسكنون". يضيف أنّه "لا يتعيّن على أيّ ولاية أن تسنّ أو تطبّق أيّ قانون يقلّص امتيازات أو حصانات مواطني الولايات المتحدة الأميركية".

ولكلّ الأطفال الذين يُولَدون في البلاد لمهاجرين، الحق في الجنسية بفضل رجل صيني عُرضت قضيته التاريخية أمام المحكمة العليا في عام 1898. وكان وونغ كيم أرك قد وُلد في مدينة سان فرانسيسكو (ولاية كاليفورنيا) لأبوَين من الصين. لكنّه عندما حاول العودة إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد زيارة للصين، منعت الحكومة دخوله مرّة أخرى بموجب قانون استبعاد الصينيين الصادر في عام 1882، الذي قيّد الهجرة من الصين ومنع المهاجرين الصينيين من أن يصيروا مواطنين أميركيين. وشدّد وونغ على أنّه مواطن أميركي لأنّه وُلد في الولايات المتحدة. وانحيازاً له، أوضحت المحكمة العليا أنّ المادة الخاصة بالمواطنة في التعديل الـ14 تمنح بالجنسية بصورة تلقائية لكلّ الأشخاص الذين وُلدوا في الولايات المتحدة الأميركية بصرف النظر عن وضع آبائهم. وأوضحت المحكمة، في القرار الصادر بأغلبية ستّة أصوات في مقابل صوتَين، أنّ حرمان وونغ الجنسية بسبب النسب سيكون بمثابة "حرمان آلاف الأشخاص من أصول إنكليزية واسكتلندية وأيرلندية وألمانية أو أصول أوروبية أخرى لطالما عُدّوا وعوملوا بصفتهم من مواطني الولايات المتحدة الأميركية".

وبيّن الأستاذ في كلية الحقوق التابعة لجامعة "سان فرانسيسكو" بيل أونغ هينغ، أنّ الحكم مثّل مصدر ارتياح كبير للجالية الصينية، إذ يُعَدّ دليلاً على أنّ آخرين مُنعوا من الدخول، علماً أنّهم كانوا يحملون شهادات ميلاد وتقدّموا بطلبات للحصول على جوازات سفر تثبت أنّهم وُلدوا في الولايات المتحدة الأميركية. أضاف هينغ أنّ "كلّ ما ركّزت عليه المحكمة العليا هو: هل أنت تخضع للولاية القانونية للولايات المتحدة الأميركية عندما وُلدت هنا؟"، وتابع: "الإجابة هي نعم". وكان هينغ من بين القادة الأميركيين الصينيين الذين انتقدوا الأمر الذي أصدره ترامب، في خلال مؤتمر صحافي عُقد يوم الجمعة الماضي في الجمعية الخيرية الصينية الموحّدة في تشاينا تاون في مدينة سان فرانسيسكو. وقد ساعدت الجمعية وونغ في قضيته القانونية.

في سياق متصل، قالت مديرة السياسات في منظمة العمل الإيجابي الصينية آني لي إنّ "الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب يؤثّر في كلّ المهاجرين وأبناء المهاجرين، بصرف النظر عن وضعهم القانوني". أضافت أنّ "عندما يصرخ رجل عنصري في وجهي لكي أعود إلى بلدي، فإنّه لا يعرف ولا يكترث إذا كنت مواطنة أميركية أو أنّني هنا بتأشيرة عمل أو أنّني لا أحمل وثيقة رسمية". وتابعت: "ينظر إليّ وكأنّني لا أنتمي إلى هنا. لذا تأكد أنّ عقيدة تفوّق العرق الأبيض التي تحرّك هذا الأمر التنفيذي غير القانوني، تؤثّر فينا جميعاً".

(أسوشييتد برس)

المساهمون