استمع إلى الملخص
- ناشطون جزائريون، مثل القاضي يسعد مبروك، حذروا من الخلط بين القضايا السياسية والإنسانية، مطالبين السلطات بملاحقة المحرضين على الكراهية، حيث يجرم القانون الجزائري خطاب الكراهية والتمييز.
- الحكومة الجزائرية قلقة من المخاطر الأمنية للهجرة غير النظامية، ووزير الداخلية دعا لتعاون دولي لمواجهة الظاهرة، مشيراً إلى تفكيك شبكات تهريب المهاجرين.
ألقت الأزمة السياسية بين الجزائر ومالي، بسبب إسقاط الجيش الجزائري طائرة ماليّة مسيّرة ومسلّحة، بتداعياتها على قضية المهاجرين الماليين وغيرهم من دول أفريقية أخرى على الأراضي الجزائرية، بعد رصد سلسلة منشورات تدعو إلى ترحيلهم من الجزائر في سياق حملة معارضة لوجودهم في البلاد. وقد استُخدمت تعابير وُصفت بـ"العنصرية" في خلال الحملة، الأمر الذي دفع شخصيات وناشطين وغيرهم إلى إدانتها.
ويحاول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وشخصيات تُعَدّ من النخب في الجزائر التصدّي لحملة افتراضية غير منتظمة تستهدف المهاجرين من مالي والنيجر ودول الساحل الأفريقي عموماً، المقيمين بطريقة غير قانونية في الجزائر، رفضاً لأيّ مساس بهم أو الخلط ما بين القضايا السياسية وتلك الإنسانية التي تخصّ المهاجرين. وطالب هؤلاء السلطات بالتدخّل وملاحقة الأطراف التي تقف وراء هذه الحملة المعادية للمهاجرين.
في هذا السياق، حذّر القاضي يسعد مبروك، الذي سبق أن ترأس النقابة الوطنية للقضاة في الجزائر، من "الخلط ما بين الأمور" و"توريط الأفارقة في الجزائر في قضايا لا علاقة لهم بها". وكتب أنّ "الخلافات السياسية بين الدول تُدار وتُحَلّ من قبل مختصّين وخبراء ولا شأن للرعاع والدهماء بها"، مضيفاً أنّ "وصف الأفارقة بالعبيد أو صدكة صدكة جريمة عنصرية مكتملة الأركان". ومن خلال ذلك تأتي الإشارة إلى دعوة السلطات الرسمية إلى التحرّك لملاحقة هؤلاء، خصوصاً في ظلّ قانون الوقاية من التمييز وخطاب الكراهية الذي أصدرته الجزائر في إبريل/ نيسان من عام 2020. يُذكر أنّ القانون نصّ على تجريم كلّ خطاب أو ممارسة تتضمّن إثارة الكراهية والتمييز الجهوي والمناطقي والعرقي، وكلّف السلطات والهيئات المدنية رصد حالات التمييز وخطاب الكراهية وإدانة هذه الجرائم التي تُرتكَب باستخدام تقنيات الإعلام والاتصال.
من جهته، تساءل الناشط الجزائري إبراهيم هواري: "ما ذنب اللاجئين والمهاجرين الأفارقة البسطاء في ما يجري على مستوى الصراعات الدبلوماسية والدولية؟"، حتى تُنفَّذ "هجمة مليئة بالعنصرية والحقد على لون بشرتهم!!". أضاف أنّ "هؤلاء هربوا من ويلات الحرب ومن استعمار فرنسي أفسد بلادهم ونهب خيراتها". وتابع هواري أنّ من "المؤلم حقاً أن تتحوّل الجيرة إلى عداوة، وهو أمر محزن مقلق وليس مفرحاً مبهجاً لمن يدرك جيداً التحوّلات الدولية والجيوسياسية".
وفي تعليق آخر على الحملة التي تُشَنّ ضدّ المهاجرين في الجزائر، رأى الكاتب شادو أنّ "ما تقوم به الصفحات الناشرة لهذا الكلام يسمّى تحريضاً على التفرقة وعلى العنف وعلى العنصرية، وهذا ستترتب عليه جرائم في المستقبل القريب وجب على القانون معاقبة هذا النوع من الأشخاص الذين يحرضون على هذه الممارسات الشاذة التي لا تمثل الجزائر ولا ثقافة الجزائريين وأخلاقهم".
في المقابل، ثمّة مواقف من حملة "طرد الأفارقة من الجزائر" ترى أنّ المسألة لا ترتبط بالأزمة السياسية القائمة بين الجزائر ومالي ودول الساحل الأفريقي في الوقت الحالي تحديداً، لكنّها مرتبطة بقضية تدفقات كبيرة من المهاجرين الوافدين من دول الساحل ومن دول أفريقيا جنوب الصحراء. وتشرح المواقف أنّ أعداد هؤلاء المهاجرين زادت بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة، نتيجة تقبّل المجتمع الجزائري واندماج جزء منهم في سوق العمل، ولا سيّما في الزراعة والبناء وغيرهما، علماً أنّ هذه التدفّقات لطالما كانت محلّ قلق رسمي، خصوصاً على الصعيد الأمني بسبب انخراط مهاجرين في أنشطة إجرامية من قبيل السرقة والمخدرات والشعوذة.
ويتمركز آلاف المهاجرين من النيجر ومالي ودول أفريقية أخرى في الجزائر العاصمة وعدد من مدن الشمال، بعدما تمكّنوا من الوصول إليها انطلاقاً من منطقة تمنراست وعدد من المدن القريبة منها مثل عين قزام في جنوب البلاد، علماً أنّهم يصلون إليها عبر الحدود البرية بين الجزائر والنيجر. وقد صارت أعدادهم المتزايدة وانتشارهم في الشوارع والأماكن العامة في الفترة الأخيرة تشكّل قلقاً كبيراً في الجزائر، على خلفية تورّط أعداد منهم في قضايا اتّجار بالمخدرات والتزوير والتسوّل وغيرها، الأمر الذي جعل الحكومة الجزائرية تقرّر قبل فترة إعادة تجميعهم في مراكز عبور منظّمة ونقلهم إلى الحدود لتسليمهم الى سلطات بلادهم.
وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أفاد وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد، في خلال اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة السبع في إيطاليا حول الهجرة، بأنّ الجزائر نجحت في إعادة نحو ثمانية آلاف مهاجر غير نظامي إلى بلدانهم، عبر تنفيذ خطط قانونية وإنسانية وتنموية. وعبّر مراد عن قلق جزائري رسمي إزاء المخاطر المرتبطة بالهجرة غير النظامية ومحاولات استغلال بعض الأطراف هذه الظاهرة لضرب استقرار البلاد. ودعا إلى تعاون دولي وإقليمي للتصدّي لهذه الهجرة، مبيّناً أنّ الجزائر تبذل جهوداً كبيرة في مواجهة الهجرة غير النظامية من خلال تفكيك شبكات إجرامية متعدّدة الجنسيات منذ بداية عام 2024، تعمل في مجال تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، عدد منها مرتبط بالجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة في منطقة الساحل الأفريقي.