محامو مصر: تمسّك برفض تعديلات الإجراءات الجنائية وسط تضامن واسع
استمع إلى الملخص
- تلقت نقابة المحامين اعتراضات من رئيس الجمهورية على بعض مواد القانون، مما يعكس وعياً بخطورة التشريع وتأثيره على العدالة الجنائية، مع تأكيد القيادة السياسية على تعزيز الضمانات الدستورية.
- أكد عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أهمية حضور المحامي أثناء التحقيق، مشيراً إلى أن المادة 105 تمثل إساءة لاستخدام الحق، مع تضامن نقيب الأطباء مع نقابة المحامين.
أعلن نقيب المحامين في مصر عبد الحليم علام تمسّك مجلس النقابة برفض تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، خصوصاً المادة 105 المتعلّقة بجواز التحقيق مع المتّهم في غياب محاميه. أضاف علام، في مؤتمر صحافي عُقد ظهر اليوم الأربعاء لعرض وشرح موقف النقابة من مقترحات تعديل مشروع قانون الإجراءات الجنائية، أنّه تبيَّن أثناء مناقشة الاعتراض على التناقض ما بين المادتَين 64 و105 من مشروع القانون أنّ ثمّة "آراء جنحت إلى محاولة الالتفاف على القيد الدستوري المتعلّق بوجوب حضور محامٍ مع المتّهم أثناء التحقيق، استناداً إلى ما وصفوه بحالات السرعة أو الخشية من ضياع الأدلة".
وأوضح علام أنّ هذه التعليلات تنطوي في جوهرها على مساسٍ مباشرٍ بجوهر الضمانة الدستورية لحقّ الدفاع، التي أكّدت المادة 54 من الدستور أنّها من الحقوق الأصيلة التي لا يجوز الانتقاص منها أو الاستثناء عليها تحت أيّ مبرر أو ذريعة، خصوصاً بعدما تبيَّن وجود رغبة في الارتداد إلى مقترحٍ سابقٍ بالمعنى ذاته، سبق أن رُفض قطعاً من الغالبية العظمى من المشاركين في مناقشة مشروع القانون، على نحو ما هو ثابت صراحة في مضابط مجلس النواب واللجان ذات الصلة، تأسيساً على مخالفته الجليّة لنصّ المادة 54 من الدستور.
وأضاف نقيب المحامين في مصر أنّ "ذلك المقترح يخالف كذلك التوجيهات الرئاسية ذاتها التي أكّدتها مذكرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، باعتراضاته على مشروع القانون، وردّه لإعادة مناقشته وإصداره، إذ عبَّرت توجيهاته بجلاء عن رفض استعمال العبارات غير المنضبطة التي قد تفتح باب التأويل الواسع، كما ورد في الاعتراض على عبارة حالات الخطر بالمادة 48، لعدم انضباطها واحتمال التوسع في تفسيرها، وهو النهج ذاته الذي ينطبق على ما اقترحه بعض الأعضاء من إدخال عبارات مثل السرعة والخوف من ضياع الأدلة بوصفها استثناءً على ما تضمّنه نصّ المادة 105 من وجوب حضور محامٍ مع المتّهم"، شارحاً أنّها "عبارات فضفاضة من شأنها أن تُفرغ الضمانة الدستورية من مضمونها، وتحوّل الاستثناء إلى أصل، في مساسٍ خطر بجوهر العدالة وحقوق الدفاع، فضلاً عن الاعتراض على المادة 112 من المشروع، ووجوب الالتزام بما ورد بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".
وأشار علام إلى أنّ نقابة المحامين المصرية تلقّت مذكرة اعتراضات رئيس الجمهورية على عدد من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وعددها ثماني مواد من أصل 552 مادة، وذلك استناداً إلى الحق الدستوري المقرّر له. وتابع أنّ "هذه الخطوة محلّ تقدير كبير من قبل النقابة، لما تعكسه من وعي عميق بخطورة هذا التشريع وتأثيره المباشر على منظومة العدالة الجنائية بأكملها". وأكّد أنّ "مضمون المذكرة يُظهر حرص القيادة السياسية على مراجعة النصوص بعناية، بهدف تعزيز الضمانات الدستورية والإجرائية للمتّهمين، وإضافة مزيد من الحماية القانونية، بما يجعل هذا القانون أداة فاعلة لتحقيق العدالة الناجزة، في إطار من الشرعية الدستورية وسيادة القانون".
من جهته، قال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، عصام شيحة، إنّ حضور المحامي أثناء التحقيق يمثّل ركيزة أساسية لضمان العدالة، موضحاً أنّ وجوده يمنح المتّهم شعوراً بالأمان، ويحدّ من أيّ تجاوز محتمل من قبل السلطة التنفيذية أو النيابة العامة، ويعيد للنيابة دورها الأصيل بوصفها أمينة على الدعوى العمومية. وأضاف شيحة، خلال كلمته في إطار المؤتمر الصحافي المنعقد اليوم، أنّ هذا القانون هو "الدستور الحقيقي" للمحاكمة العادلة والمنصفة، مؤكداً أنّ كلّ الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها مصر، باستثناء اتفاقية واحدة فقط، تشدّد على ضرورة توفّر محاكمة عادلة، وهو ما لا يمكن تحقيقه في أيّ نظام قضائي من دون حضور محامٍ إلى جانب المتّهم.
وتناول شيحة المادة 105 من مشروع القانون، مؤكداً أنّها تمثّل إساءة لاستخدام الحقّ وتمسّ بجوهر عمل المحامي، الأمر الذي يمثّل تغوّلاً على العدالة. وأشاد بانسحاب نقيب المحامين في مصر من الجلسة بوصفه "رسالة قوية"، داعياً إلى إعادة صياغة المادة بما يضمن التوازن بين الانضباط والإنصاف. كذلك أشار عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان إلى إدخال مادة جديدة تنصّ على أنّ القانون لا يسري إلا في اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية، مبيّناً أنّ تطبيقه سوف يبدأ في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2026، الأمر الذي يمنح السلطة التنفيذية الوقت الكافي للاستعداد، خصوصاً مع السماح باللجوء إلى الإعلان الورقي في حال تعطّل الوسائل الإلكترونية. وشدّد على تضامنه الكامل مع نقابة المحامين في رؤيتها لمشروع القانون، لافتاً إلى وجوب أن تصدر التعديلات المرتقبة بما يحقّق العدالة والإنصاف ويحفظ حقوق الإنسان في مصر.
في سياق متصل، أعلن نقيب الأطباء ورئيس اتحاد نقابات المهن الطبية في مصر أسامة عبد الحي عن تضامنه الكامل مع نقابة المحامين في موقفها الرافض عدداً من التعديلات المقترحة على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، مشيراً إلى أنّ النقابات المهنية تمثّل ضمير الأمة وعقلها الواعي، وأنّ الدفاع عن العدالة والحقوق الدستورية واجب وطني ومسؤولية مشتركة بين كلّ مؤسسات المجتمع.
وأوضح عبد الحي، في المؤتمر الصحافي نفسه الذي عُقد اليوم في مقرّ نقابة المحامين المصرية، أنّه يشارك في هذا اللقاء بصفته نقيباً للأطباء، ورئيساً لاتحاد المهن الطبية، وكذلك بصفته مواطناً مصرياً، يؤمن بضرورة صون حقّ كلّ إنسان في محاكمة عادلة، وتحقيق العدالة الإنسانية في أوسع معانيها.