استمع إلى الملخص
- الأعشاب الطبية توفر حلولاً لبعض المشكلات الصحية، لكن الأطباء يحذرون من استخدامها دون استشارة طبية لتجنب الآثار الجانبية.
- الطلب على الأعشاب الطبية المصرية يتزايد محلياً وعالمياً، وتعتبر مصر من الدول المصدرة لها، مما يتطلب دعماً حكومياً لتعزيز زراعتها وتحسين جودة الإنتاج.
يدفع الارتفاع المستمر في أسعار الأدوية الكثير من المصريين إلى الإقبال على استخدام الأعشاب والنباتات الطبية بديلاً أقل كلفة للتداوي وتخفيف الآلام، ما ساهم في انتعاش أسواق ومحال بيع الأعشاب العلاجية التي تعرف محلياً بـ"العطارة".
وشهدت سوق الدواء المصرية نقصاً في بعض الأصناف، وزيادات متتالية في الأسعار خلال السنوات الماضية، وفي نهاية العام الماضي، جرى رفع أسعار أكثر من 200 صنف دواء في السوق المحلية، وبنسب تصل إلى 50%، ما ضاعف من معاناة المرضى في ظل تدهور قدرتهم الشرائية.
فيما انتشرت زراعة النباتات والأعشاب الطبية في مصر بعد أن أصبحت لها أهمية اقتصادية، وزاد الإقبال على ما يسمى "الطب البديل"، وذاع صيت العديد من المنتجات بسبب أسعارها التنافسية مقارنة بالأدوية باهظة الثمن. وتشير تقارير لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي إلى أن مصر تزرع ما يقارب 30 نوعاً من النباتات العطرية والطبية في مساحات تصل إلى 130 ألف فدان بمختلف المحافظات.
وأوضح تقرير صادر عن "معهد بحوث البساتين" (حكومي) أن عدة محافظات مصرية تشتهر بزراعة تلك النباتات، وتأتي على رأسها محافظة المنيا بما يقرب من 34%، ثم الفيوم بـ20%، وفي المركز الثالث بني سويف، وفي المركز الرابع أسيوط.
تقول أم محمد، وهي ربة منزل في العقد الرابع من عمرها، لـ"العربي الجديد": "منذ ارتفاع أسعار الأدوية، لجأت إلى استخدام الأعشاب لعلاج مشكلات الهضم والصداع، وأعتمد على بعضها في التخفيف من ألم المعدة، وكانت النتائج جيدة، وأوفر كثيراً مقارنة بشراء الأدوية. الكثير من الناس باتوا مضطرون لفعل ذلك بسبب الظروف المعيشية السيئة التي تعاني منها غالبية الأسر المصرية، وهم يعتمدون على خبرتهم الشخصية أو الوصفات القديمة لتحديد العلاج المناسب".
ويروي سيد حسن، وهو موظف حكومي: "أعاني من ارتفاع ضغط الدم، وكنت أستخدم أدوية باهظة الثمن، لكني بدأت أتناول بعض الأعشاب بانتظام بناء على نصيحة من صديق، ولاحظت تحسناً ملموساً في حالتي الصحية. لا أستغني تماماً عن الأدوية، لكنها أصبحت خياراً ثانوياً. الأمر لا يتعلق بالعلاج أو نصائح الأطباء فحسب، فقد أصبح لدي يقين بفاعلية التداوي بالأعشاب الطبية، خصوصاً أنه ليست لها مضاعفات، فهي مواد طبيعية وليست لها أضرار أو آثار جانبية على جسم الإنسان".
فيما يؤكد محمد عبد العاطي، وهو صاحب محل عطارة بمحافظة الإسكندرية، زيادة الإقبال على استخدام الأعشاب الطبية من قبل الزبائن عقب ارتفاع أسعار الأدوية، وأن البعض يعتمد عليها في العلاج والوقاية من بعض الأمراض مثل نزلات البرد، وارتفاع ضغط الدم، والسكري، ودعم الجهاز المناعي. لافتاً إلى قيام البعض باللجوء إلى الأعشاب بغرض التعامل مع السمنة أو النحافة استجابة لنصائح الأطباء.
وتشير طبيبة الأمراض الباطنية بأحد مستشفيات الإسكندرية، ريم الخولي، إلى أن عدداً متزايداً من المرضى يطلبون منها وصفات علاجية تعتمد على الأعشاب بدلاً من الأدوية. وتقول: "هناك مرضى يطلبون تحديد أنواع الأعشاب لعلاج حالاتهم بسبب غلاء الأدوية، لكني بصفتي طبيبة لا يمكنني الاعتماد على الأعشاب وحدها من دون استناد إلى الأدلة العلمية. لا يمكن إنكار أن بعض الأعشاب مثل الزنجبيل والكركم أثبتت فاعلية في حالات معينة، لكن المشكلة تكمن في غياب الجرعات الدقيقة والتعليمات الواضحة حول الاستخدام، ما قد يؤدي إلى آثار جانبية أو نتائج عكسية، فضلاً عن المحاسبة الإدارية التي يمكن أن أتعرض لها".
ويقول الخبير في الطب البديل أحمد سامي، لـ"العربي الجديد"، إن ارتفاع أسعار الأدوية دفع كثيرين إلى البحث عن حلول طبيعية، ما ساهم في ازدهار تجارة الأعشاب، واستخدامها بديلاً آمناً وفعّالاً في كثير من الحالات. ويضيف: "الصناعة بحاجة إلى مزيد من الدعم الحكومي والمبادرات الخاصة لتطوير البنية التحتية، وتوفير التسهيلات المالية للمزارعين، وتشجيع الأبحاث الزراعية، خاصة أن مستقبل الأعشاب الطبية في مصر واعد إذا ما استطعنا استغلال الموارد الطبيعية والبشرية بشكل مستدام".
من جانبه، يرى أخصائي الأمراض الباطنية أحمد حمدي أن "الأعشاب الطبية تحقق أحياناً نتائج إيجابية في علاج الأمراض البسيطة، مثل اضطرابات الجهاز الهضمي أو الالتهابات الخفيفة، لكن لا يمكن في الحالات المزمنة أو الحرجة الاعتماد عليها علاجاً رئيسياً، لأنها تفتقر إلى الفعالية والدقة الموجودة في الأدوية الكيميائية. الحل يكمن في توفير البدائل الطبية بدلاً من دفع الناس إلى استخدام الأعشاب من دون ضوابط، فتداولها بشكل خاطئ أو عشوائي قد تكون له مخاطر، لكن الفقراء والمحتاجين لا يملكون شراء الأدوية، إما لغلائها أو عدم توافرها".
وتقول رانيا إبراهيم، وهي مديرة تصدير في إحدى الشركات الزراعية بالإسكندرية، لـ"العربي الجديد": تزايد الطلب على النباتات والأعشاب الطبية محلياً وعالمياً، خاصة مع زيادة التوجه العالمي نحو التحول إلى كل ما هو طبيعي، ومصر واحدة من الدول المصدرة لهذه المنتجات، إذ تنتشر زراعة الأعشاب الطبية منذ أصبحت لها أهمية اقتصادية، واستخدامات متعددة، وبعض المحافظات تخصصت في إنتاج أعشاب بعينها، وأصبحت مركزاً لتلبية الطلب المحلي والدولي، مثل الفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط".
وتضيف: "في السنوات الأخيرة، شهدت الأعشاب الطبية المصرية إقبالاً متزايداً في الأسواق العالمية، وتقدم كل منطقة أو محافظة نوعاً مميزاً بفضل ظروفها البيئية، ومن بين الأعشاب الرائجة، الكمون والكراوية واليانسون والبابونج والشمر والمورينغا، وكلها تستخدم بشكل واسع في الصناعات الغذائية والدوائية. نحتاج إلى مبادرات حكومية ومجتمعية لدعم أصحاب الزراعات الصغيرة والمتوسطة، وتمكينهم من تحسين جودة الإنتاج وزيادة الإنتاجية، إضافة إلى تطوير برامج تدريبية لتعريف المزارعين بأحدث تقنيات الزراعة العضوية، ما يعزز التنافسية في الأسواق العالمية".