استمع إلى الملخص
- تفتقر بعض المجلات إلى المعايير الأخلاقية، حيث تركز على الربح بدلاً من الجودة، مما يضع الباحثين في موقف صعب ويؤثر سلباً على جودة البحث وسمعة النظام الأكاديمي.
- يقترح الأكاديميون تعزيز النشر في المجلات المعتمدة ودعم المجلات المحلية لتحسين جودتها وزيادة عددها، مما يساهم في تحسين سمعة المؤسسات التعليمية وضمان جودة البحث العلمي.
تسلّط أوساط أكاديمية في الجزائر الضّوء على أزمة النّشر العلمي والتّحايل في المجلات الموسومة بـ"المفترِسة"، وبرزت نقاشات عدة بشأن مجلات "وهمية"، بعدما احتالت مجلة "علم النفس والتربية"، والتي تصدر في البرازيل وتنشر في شتّى التخصصات، على عشرات الباحثين الجزائريين الذين دفعوا المال مقابل النشر، من دون أن تنشر لهم المجلة على الوجه المطلوب، رغم ردها السريع بقبول نشر أبحاث من دفعوا نحو 100 دولار أميركي.
واضطرت وزارة التعليم العالي، بعد شكاوى ضد المجلة، إلى وضعها ضمن قائمة المجلات "المفترسة"، وعدم اعتماد أية مقالات منشورة بها للتأهيل أو المناقشة، بسبب ما اعتبرته "تجاوزات غير مقبولة، وعدم احترام الأخلاقيات العلمية". وعقب تفجر القضية، حدّدت وزارة التعليم العالي المجلات المعتمدة لديها، وعممت على مختلف الجامعات والكليات قائمة بتلك المجلات، كما عددت ميادين البحث العلمي المُعتمدة، وذلك لتلافي تكرار المشكلة.
يقول أستاذ الذكاء الاصطناعي في المركز الجامعي لولاية ميلة شرقي الجزائر، عبد الحقّ لفيلف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العديد من المجلات لا تحترِم قواعد النّشر الدولي، ولا تستخدم أي وسيلة تحكيم في المقالات المنشورة، وإنما يقترحها بعض الوسطاء لتستقطب الباحثين، ثم يتمّ النشر مباشرة. المجلّة البرازيلية احتالت على أكثر من 1000 باحث جزائري، وقد اشترطت على من راسلوها لسحب أبحاثهم دفع نحو 300 دولار".
يضيف: "بعض المجلات العلمية لا تلتزم المعايير الأخلاقية للنشر العلمي، وبمجرد نشر المقال، تعتبر المجلة أنها تمتلك حقوق النشر، فلا تهتم بالتصحيح أو سحب المقالات، فالهدف الأساسي هو الربح. رغم أنّ السحب غير مضمون لأنها في الغالب تتسم بغياب الشفافية في سياسات سحب المقالات، ولا تهتم بحقوق المؤلف بعد دفع رسوم النّشر".
وتُوهم عدّة مجلات غير مصنّفة في سجلّات وزارة التعليم العالي الجزائرية الباحثين بالنّشر المباشر من دون انتظار التحكيم، حتى يسهل عليهم تسوية وضعيتهم الإدارية والبيداغوجية عند مناقشة الأطروحات، فالنشر شرط وضعته الوزارة لمناقشة الأطروحة، أو إدراجها بحثاً في ملفّ الترقية أو الاستفادة من المنح الحكومية.
ويعد نشر المقال العلمي من بين أكبر العوائق أمام الباحثين في مختلف التخصصات العلمية والتقنية، ومن بين أبرز أساليب التحايل التي تنتهجها المجلات، تقديم عروض مغرية للباحثين عن طريق الوسطاء الذين يكفلون بالتواصل مع الباحثين باستغلال حساباتهم الأكاديمية، مع تقديم عرض بالنشر في وقت سريع مقابل رسوم مالية منخفضة مقارنة بالنفقات التي تترتب على النشر في المجلات العلمية المرموقة.
وتُعتبر إعلانات هذه المجلات عامل استقطاب قوي للباحثين الذين يعانون الضغوط الزمنية المرتبطة بمواعيد التخرج أو الترقية، ورغم غياب الرصانة العلمية والأكاديمية التي تتطلّب التقييم والتحكيم من قِبَل ثلاثة أساتذة، إلّا أنّ التكلفة المنخفضة للنشر تُعدّ أحد عوامل الجذب التي تستغلّها "المجلات المفترِسة"، في حين أن هناك مجلات موثوقة تطلب مبالغ مرتفعة للنّشر.
من جامعة قسنطينة، تقول الباحثة في البيولوجيا كريمة محمد لـ"العربي الجديد": "تعرضت شخصياً لهذا النوع من الابتزاز العلمي، وكنت مضطرة إلى نشر بحثي لمباشرة إجراءات ملف التخرج ومناقشة الأطروحة، ونشرت البحث مقابل 100 دولار خلال أسبوعين، بعد أن أرسلته إلى مجلة جزائرية فبقي حبيس الأدراج لستة أشهر".
تضيف: "التحايل يكون أكثر حدة بالنسبة للباحثين الجُدد والمبتدئين، لافتقارهم للنضج المعرفي والأكاديمي، إذ غالباً ما لا تعتدّ المجلات بأبحاثهم، أو تلجأ إلى تحكيم شكلي فقط. التحايل لا يتوقف هنا، إذ يتم نشر الأبحاث وإيهام الباحثين، خاصة في سلك الدكتوراه بقدرتهم على النشر في مجلات لا تحوز قيمة علمية من دون التأكّد من دقة الأبحاث وصدقيتها".
وتستغلّ المجلات الوهمية سمعة زائفة لاستقطاب الباحثين، إذ تستخدم أسماء مشابهة لمجلات عالمية معروفة، وتؤسس مواقع إلكترونية تظهرها منصاتٍ أكاديميةً موثوقة. يقول أستاذ علم النفس، عبد الكريم سعدون: "تروج بعض هذه المجلات لدراسات غير موثوقة، وتؤثر سلباً على سمعة النظام الأكاديمي، ما قد يسبب مشاكل مهنية للباحثين الذين ينشرون فيها. من المهمّ توعية الباحثين بتمييز المجلات الموثوقة للحفاظ على جودة البحث العلمي. النشر خلال 48 ساعة أمر غير قابل للتحقيق، ويجب التركيز على تحسين عملية النشر بطرق منهجية تضمن الجودة، من دون التسرع في إصدار الأبحاث بشكل عشوائي".
بدورها، تقول أستاذة الاقتصاد بجامعة الجزائر، جميلة باعلي، لـ" العربي الجديد"، إن "بروز المجلات المفترِسة في الحقل الأكاديمي يرجع إلى معايير الترقية في الجامعات، وضعف الرقابة على الإنتاج العلمي، ما يؤدي إلى تراجع الثقة في نظام التقييم الأكاديمي، ويؤثر سلباً على سمعة المؤسسات التعليمية. أقترح أن يتمّ اعتماد شرط نشر مقال في مجلة متخصصة، وهذا ما من شأنه تقليل احتمال الوقوع في فخ المجلات المخادعة، ويجب العمل على استشراف تطوير حقيقي للنشر العلمي من خلال دعم المجلات العلمية المحلية، وزيادة عددها بشكل يتماشى مع المعايير العالمية، فمن غير المقبول أن يكون الحديث مقتصراً على بضع مجلات".