مجرمو الأردن... إسقاط الحق الشخصي يشوّه العدالة

مجرمو الأردن... إسقاط الحق الشخصي يشوّه العدالة

06 فبراير 2022
تخفيف عقوبة الجرائم بحق النساء غير لائق أخلاقياً (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

أظهر تقرير أعدته اللجنة الوطنية لشؤون المرأة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أنّ 77 في المائة من الجناة الذين ارتكبوا جرائم قتل نساء داخل الأسرة استفادوا من إسقاط الحق الشخصي ضدهم لتخفيف العقوبة.
ولدى تحليل نحو 74 من أصل 185 حكماً تضمنها التقرير عن جرائم قتل نساء داخل الأسر، تبين أنّ المحاكم نفسها رفضت إسقاط الحق الشخصي في 3 في المائة من القضايا، بسبب بشاعة الجريمة أو لعدم اقتناعها نفسها بدوافع الإسقاط. كما امتنعت هذه المحاكم عن إسقاط الحق الشخصي في نسبة 20 بالمائة من الدعاوى المقدمة لأسباب أخرى عدة بينها وجود ورثة قصّر.
وبين القضايا التي شهدت إسقاط الحق الشخصي، واحدة لمحكمة التمييز الأردنية التي رفضت حكماً بالسجن فترة زمنية طويلة صدر في حق شاب ضرب شقيقته حتى الموت، بسبب خلاف حصل بينهما على استخدام ريموت تلفزيون، ما تسبب في وفاتها. وحكمت بـ 7 سنوات سجناً، قبل أن يخفّض إسقاط والد المغدورة الحق الشخصي العقوبة من 7 إلى 4 سنوات.
وفي إبريل/ نيسان الماضي، أصدرت محكمة التمييز الأردنية قرارها المؤيد لمحكمة الجنايات الكبرى التي قضت بتجريم عم الضحية بجناية تعمد قتل ابنة أخيه البالغة 15 عاماً، مع العلم أنّ تحقيقات القضية كشفت وجود علاقة بين الطفلة وشخص آخر، ثم علم عمها من والدتها قبل أسبوع من تاريخ الجريمة أنّها ليست بكراً فقرر قتلها بذريعة "الحفاظ على الشرف". 
وفي سيناريو الجريمة، اصطحب العم القاتل الطفلة الى قناة ماء وقيّدها بسلك بلاستيك وكمّم فمها بقطعة قماش لمنعها من الصراخ والاستنجاد بالناس، ثم رماها في القناة وتركها تتخبط داخل المياه وتواجه حتفها بلا قدرة على فعل أيّ شيء ينقذها من الموت. وبعدما تأكد من غرقها، غادر المكان وعاد الى منزل والدها وأخبره بما فعل. 
وبعدما أسقط والد الضحية ووالدتها وبقية الورثة حقهم الشخصي، اعتبرت محكمة الجنايات الكبرى أنّ هذا الأمر يشكل أحد أسباب تخفيف العقوبة من الإعدام شنقاً الى الأشغال المؤبدة.
وفي مايو/ أيار الماضي، أيدت محكمة التمييز الأردنية قرار محكمة الجنايات الكبرى تخفيف عقوبة ابن قتل والدته من الإعدام شنقاً إلى الأشغال الشاقة لمدة 15 عاماً، بعدما أسقط الورثة حقهم الشخصي. وشمل تخفيف العقوبة بسبب إسقاط الحق الشخصي أيضاً شقيق القتيلة نور (33 عاماً) الذي طعنها في منزل العائلة بعدما علم بتعرضها لاعتداءات جنسية في مكان عملها. وخفّضت العقوبة في مرحلة أولى من الإعدام شنقاً إلى الأشغال الشاقة لمدة 15 عاماً، ثم إلى الأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات ونصف.

إسقاط الحق يخفّض مدة السجن إلى النصف (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
إسقاط الحق يخفّض مدة السجن إلى النصف (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

هدر الحق والعدالة
تقول المحامية والناشطة الحقوقية نور الإمام لـ"العربي الجديد": "يحصل إسقاط الحق الشخصي غالباً في قضايا تشمل ضحايا نساء قتلن أو تعرضن لعنف من أحد أفراد الأسرة. وإسقاط الحق يمنع عقوبة الإعدام، ويخفّض مدة السجن إلى النصف أحياناً". 
تضيف: "إذا ارتكب الجرم فرد من العائلة، يهدر حق المرأة والعدالة، وأحياناً تمارس ضغوط لإسقاط الحق الشخصي، لذا هناك حاجة إلى مزيد من المعالجة والتقيّد بالمادة رقم 99 من قانون العقوبات المتعلقة بإسقاط الحق الشخصي، ورفض قبول إسقاط الحق الشخصي إذا كان منفذ الاعتداء أحد أفراد الأسرة، ففعلياً لا يدافع أحد عن الضحايا، بينما يجب أن يضمن القانون عدم إفلات المجرم من العقوبة، وان ينال الجاني عقوبته بالكامل". تضيف: "جرى تعديل المادة 98 من قانون العقوبات عام 2017 من أجل منع إفادة الجاني من العذر المخفف، لكن إسقاط الحق الشخصي بقي".

وتقول الناشطة الاجتماعية، الرئيسة السابقة لشبكة دعم المرأة، نهى حنا محريز، لـ"العربي الجديد" إنّ "إسقاط الحق الشخصي انتهاك لحق الضحية الذي لا يستطيع أحد أن يأخذه إلا هي نفسها. وفي جرائم القتل تكون الضحية انتهت، وبالتالي لا أحد مخول بخفض العقاب ضد قاتلها، ما يجعل هذا العمل غير لائق أخلاقياً". وتتابع: "أحياناً يحصل إسقاط الحق الشخصي خارج الأسرة للوصول إلى المصالحة وخفض الحكم، لكن من المعيب والمحزن إسقاط الحق الشخصي في قضايا العنف الأسري".

تغليب مشين للعاطفة
وتوضح محريز أنّه "عندما يقتل الأخ أخته تصبح الأم في حالة يرثى لها، فهي خسرت ابنتها ولا تريد أن تخسر ابنها حتى إن كان قاتلاً ومجرماً". وتعتبر أنّ "إسقاط الحق الشخصي هو تغليب للعاطفة، لكنّه في الحقيقة أمر مشين وانتهاك لحق الضحية". تضيف: "نرفض كحقوقيين ومدافعين عن المرأة إسقاط الحق الشخصي، لأنه هروب من مظلة العدالة، ويشجع على استمرار قتل الإناث باعتبارها قضايا تتعلق بالشرف، لكنها لا صلة لها بالشرف فعلياً. وأحياناً يستخدم الأحداث في تنفيذ الجريمة والتلاعب بالقضية، كما يستبدل المجرمون الحقيقيون بالأحداث في إطار اتفاق يحصل بين أفراد الأسرة. وحدث ذلك مرات سابقاً". وتشير إلى أنه "يجري سحب الشكاوى الشخصية في الجنح، وتسقط السيدات حقهن الشخصي بسبب دوافع اجتماعية، من دون أن يمنع ذلك تعرضهن للعنف مجدداً".

يجب أن يضمن القانون عدم إفلات المجرم من العقوبة (سكوت بيترسون/ Getty)
يجب أن يضمن القانون عدم إفلات المجرم من العقوبة (سكوت بيترسون/ Getty)

عموماً، شهد الأردن عام 2019 زيادة ملحوظة في جرائم القتل، بحسب تقرير أمني، بنسبة 32 في المائة، إذ سجّلت البلاد 118 جريمة قتل مقارنة بـ 89 جريمة قتل في عام 2018. وقد ارتكب الشباب من الشريحة العمرية الممتدة ما بين 18 و37 عاماً نحو 64 في المائة من تلك الجرائم، وكانت الخلافات الشخصية والعائلية السبب المباشر في نحو 79 في المائة منها في ظلّ غياب لغة الحوار. وشكّلت الأسلحة النارية والأدوات الحادة ما نسبته 76 في المائة من الأدوات المستخدمة في تنفيذ الجرائم.

تجدر الإشارة إلى أن جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" كانت قد حذّرت في العام الماضي من أن جرائم القتل الأسرية سوف تستمر لا بل قد تزداد وتيرتها، "ما دامت تشريعاتنا تتضمن أعذاراً مخففة لمرتكبي الجرائم بذريعة الشرف، وما دام القانون يجيز ضرب الأطفال تأديباً، وما دام التنمر والعنف يزدادان انتشاراً وتوسعاً، وما دامت إجراءاتنا وتدابيرنا مكبّلة بتقديم شكاوى من عدمها، وما دامت العقوبة رهن التخفيف في حال إسقاط الحق الشخصي اختياراً أو إكراهاً، وما دام هناك ضعف أو خلل في إجراءات وبرامج الوقاية والحماية من العنف الأسري، إذ ما زالت خيارات وفرص النساء للنجاة من العنف الأسري محدودة الأفق والنطاق".