مبادرة تنظيم الظواهر الاجتماعية تثير الجدل في الأردن

11 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 15:39 (توقيت القدس)
تفرض أوضاع الأردنيين المتردية تقليص النفقات، 28 فبراير 2025 (أمين أحمد/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أطلق وزير الداخلية الأردني مبادرة لتنظيم المناسبات الاجتماعية، تتضمن تحديد عدد المدعوين بـ200 شخص، منع مواكب الأعراس، وتقليص "جاهة الخطوبة" إلى 30 شخصاً، وتقليص بيوت العزاء ليوم واحد، بهدف تخفيف الأعباء المالية.

- تباينت ردود الفعل المجتمعية؛ حيث تفهم البعض أهداف المبادرة، بينما رأى آخرون أن المشكلة تكمن في الأوضاع المعيشية الصعبة، معتبرين أن العادات والتقاليد لا يمكن تقييدها بالقوانين.

- أثارت المبادرة نقاشاً وطنياً حول الظواهر الاجتماعية، مشيرة إلى إمكانية تغيير العادات وفقاً للواقع المعيشي، بهدف تخفيف الأعباء المالية عن الأسر المتعسّرة.

طرح وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، أخيراً، مبادرة بعنوان "تنظيم الظواهر الاجتماعية" التي تثقل كاهل الأسر، ووجّه كتاباً إلى الحكام الإداريين، عرض فيه تفاصيل المبادرة التي تدعو إلى اقتصار الحفلات على أضيق الحدود، وعدم المغالاة في إقامة المناسبات، وألا يتجاوز عدد المدعوين 200 شخص.
وتشمل المبادرة منع تسيير مواكب الأعراس التي تعيق حركة المرور، وتحديد عدد أفراد "جاهة الخطوبة" بـ30 شخصاً فقط من ذوي العريس، على أن يستقبلهم عدد مماثل من عائلة العروس، وعدم دعوة أصحاب المناصب السياسية لترأس الجاهات.
كما تضمنت المبادرة إعادة تنظيم مظاهر العزاء، بحيث تقتصر بيوت العزاء على يوم واحد بدلاً من ثلاثة، والاكتفاء بتقديم الطعام لذوي المتوفى فقط تحقيقاً لخفض النفقات وتفادي التبعات المالية والاجتماعية المترتبة على العادات الحالية. وطلب الوزير من الحكام الإداريين عرض المبادرة على المجالس التنفيذية والأمنية ومجالس المحافظات والجمعيات والنوادي ومؤسسات المجتمع المدني والشيوخ والوجهاء، للتوقيع على مضامينها ودعم تنفيذها. 

تدعو المبادرة إلى تحديد أعداد المدعوين في المناسبات بمئتي شخص

وعبّر مواطنون عن تفهّمهم لهدف المبادرة، وهو محاربة الظواهر المبالغ فيها، لكنهم رأوا أن جذور الأزمة أعمق من مجرد تحديد عدد المدعوين أو تقليص أيام العزاء، مشيرين إلى أن المشكلة تكمن في الأوضاع المعيشية الصعبة، وارتفاع تكاليف الحياة.

"إرث اجتماعي"

يقول الأردني علي المناصير لـ"العربي الجديد": "لا يمكن إدراج العادات والتقاليد ضمن القانون، فهي إرث اجتماعي، والمجتمع الأردني تحكمه العادات والعرف العشائري. مبادرة الوزير تحمل بعض الإيجابيات، لكنها تمس حريات شخصية منها إقامة العزاء أو طلب الزواج أو تحديد المهر، وهذه أمور لا يجوز للدولة محاولة تقييدها. على وزارة الداخلية التركيز على الملفات الأكثر أهمية، مثل توفير الأمن ومكافحة الجريمة، وتدخلها السابق في تعديل نظام الجلوة العشائرية كان له أثر إيجابي، بينما تقييد طقوس الأفراح والعزاء ليس ضرورياً، فكل شخص أدرى بقدراته المادية".

تشمل المبادرة منع تسيير مواكب الأعراس التي تعيق حركة المرور

ويضيف المناصير أن "المبادرة كانت ستكون أكثر قبولاً لو وُجّهت إلى المسؤولين وأصحاب المناصب، إذ نشاهد في مناسبات المسؤولين ولائم ضخمة، وأعداد معازيم قياسية، ما يعمّق الطبقية، وبعض هؤلاء من موظفي وزارة الداخلية".
بدوره، يقول أحمد القيسي لـ"العربي الجديد"، إن "الهدف الإنساني للمبادرة واضح، فالجميع يدرك أن تكاليف المناسبات باتت ترهق الناس، لكن السؤال: هل من مهام وزارة الداخلية أن تحدد للناس كيف يعزون في موتاهم أو كيف يفرحون بزواج أبنائهم؟ العادات لا تُدار بالقرارات، بل تُبنى عبر الوعي والتفاهم والتربية الاجتماعية، وعلى الوزير توجيه الجهود لحماية المواطنين من الجريمة لا لتعديل تقاليدهم".

مبادرة نوعية


في المقابل، يؤكد عبد الله سلامة لـ"العربي الجديد"، أن "المبادرة نوعية وجيدة، إذ تسعى لتصويب بعض العادات التي باتت تثقل كاهل الأردنيين، وعلى الجميع دعمها لأنها تدعو إلى الاعتدال والبساطة في المناسبات الاجتماعية، وهي تعكس الوعي الرسمي بضرورة تصحيح السلوكيات الاجتماعية، والحد من المظاهر المبالغ فيها في زمن يحتاج فيه المجتمع إلى البساطة لا التفاخر، وبعض الأسر بدأت فعلياً تقليص أيام العزاء، أو الاكتفاء بعزاء المقابر، كما قلّص كثيرون حفلاتهم لتقتصر على المقربين".

نقاش وطني حول الظواهر الاجتماعية

من جانبه، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة، حسين محادين لـ"العربي الجديد"، إن "مبادرة وزارة الداخلية بشأن تعديل بعض العادات الاجتماعية المكلفة تحمل العديد من الإيجابيات، ورغم أنها غير مُلزمة، إلا أنها أطلقت نقاشاً وطنياً واسعاً حول الظواهر الاجتماعية المبالغ فيها. كثير من المناسبات الاجتماعية ابتعدت عن مضامينها الدينية والأخلاقية، فتحولت بعض بيوت العزاء إلى مجالس نميمة، وانشغل أهل المتوفى بتقديم الضيافة بدلاً من تلقي العزاء، كما أن حفلات الخطوبة والأعراس باتت تشهد حضوراً مفرطاً لأصحاب المناصب، ما أفقدها معناها الوجداني".
ويلفت محادين إلى أن "المبادرة تستحق أن تُناقش بعقلانية بعيداً عن الانفعال، فهي تدعو إلى تخفيف الأعباء المالية عن كثير من الأسر المتعسّرة، والعادات الاجتماعية بطبيعتها قابلة للتغيير والتطوير، فالعزاء كان قديماً يمتد لأربعين يوماً، ثم وصل إلى ثلاثة أيام، واليوم نجد من يكتفي باتصال هاتفي، وهذا دليل على أن العادات تتبدل وفقاً لمتطلبات الواقع المعيشي ومصالح الناس".