ما تأثير تغيّر المناخ على المباني السكنية؟

ما تأثير تغيّر المناخ على المباني السكنية؟

10 يوليو 2021
بات تغيّر المناخ يؤثّر على المباني السكنية (جورجيو فييرا/فرانس برس)
+ الخط -

شكّل الانهيار المأساوي الأخير لمبنى سكني في ميامي بالولايات المتحدة تحذيراً مبكراً لما يمكن أن تسبّبه أزمة المناخ مستقبلاً، خاصة أنّ انهيار المبنى جاء بسبب التغيرات المناخية، ما أدى إلى وفاة عدد كبير من المواطنين. هذه المأساة بحسب ران بويدل، وهو محاضر زائر في التنمية المستدامة بجامعة هيريوت وات، من شأنها أن تضع المسؤولين الحكوميين في جميع أنحاء العالم أمام مسؤولية كبيرة تتعلق بمدى قدرتهم على مواجهة تأثيرات تغيّرات المناخ، خاصة أنها باتت تؤثّر على الكثير من نواحي الحياة، ومن ضمنها المباني السكنية. ووفق تقرير أعدّه بويدل ونشرته صحيفة "ذا إندبندنت" البريطانية، فإنّ تغيّر المناخ قد يغيّر طريقة تعامل هذه المباني، التي يقضي سكان الولايات المتحدة أكثر من 90 في المائة من وقتهم داخلها، مع محيطها.

يرى بويدل أنّ الخبراء في مجال الهندسة عادة ما يقومون بتصميم المباني والهياكل الأخرى، مثل الجسور، للعمل ضمن معايير المناخ المحلي. فقد تمّ بناء العديد من هذه المباني باستخدام المواد ومعايير التصميم التي يمكنها تحمّل نطاق درجات الحرارة والأمطار والثلوج والرياح الحالية، إضافة إلى مراعاتها مخاطر جيولوجية كالزلازل وانخفاض مستويات المياه الجوفية، ولكنه في المقابل لم يتم الاهتمام ببناء هذه المباني لمواجهة التغيرات المستقبلية.

ويشرح بويدل كيف يمكن للرياح الشديدة الناتجة عن تغيير درجات الحرارة أن تؤدي على سبيل المثال إلى تكسير الأسقف وتطايرها، ما يؤدي إلى انهيار طبقات عديدة من المباني فوق رؤوس سكانها، كما أنّ ارتفاع منسوب المياه الجوفية بسبب الأمطار الغزيرة قد يؤدي إلى فياضانات يمكنها أن تسبب غرق مبانٍ بكاملها.

وعلى الرغم من حدّة هذه التأثيرات، يرى بويدل أنه تمكن معالجة هذه الآثار بشكل سريع، فعلى سبيل المثال، يمكن إصلاح هذه المشاكل من خلال وضع ستائر، أو عازل داخلي للحماية من ارتفاع درجة الحرارة، كما يمكن تركيب أرضيات جديدة مقاومة للمياه، لكن المشكلة الأكبر قد تكون من خلال تغيّر الهيكل الخارجي للمبنى بسبب المناخ، ما يؤدي إلى حدوث أزمات صحية من جهة، وكوارث إنسانية من جهة ثانية.

مبان منهارة

تتعرّض القشرة الخارجية للمبنى إلى مشاكل أساسية، فعند ارتفاع درجات الحرارة، تبدأ القشرة الخارجية بالانهيار، ما يسمح للنمل الأبيض بالتسرّب إلى الداخل، ما يؤدي إلى تآكل الترسانة الخشبية للمباني ثم اهتزازها بشكل دائم. كما تؤدي درجات الحرارة المرتفعة أيضاً إلى زيادة نسبة ولادة الحشرات، ويشمل ذلك البعوض الحامل للملاريا، الذي قد يتدفق بكميات كبيرة إلى داخل المباني السكنية متسبباً بحدوث كارثة صحية.

أضافة إلى ذلك، يرى الكاتب أنّ التغيرات المناخية قد تكون سبباً في إجراء تغييرات ديموغرافية عديدة، وقد تعرّض حياة السكان إلى خطر الموت، وهو ما حدث خلال "القبة الحرارية" الأخيرة فوق أميركا الشمالية، حيث ارتفعت درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، ما أدى إلى وفاة الكثير من المواطنين، وخاصة كبار السن. كما قد تؤدي الفياضانات بدورها إلى إخلاء مناطق برمتها، وقد تمّ بالفعل تحديد قرية فيربورن في ويلز كمرشح محتمل ليهجرها سكانها.

ومن ضمن تأثيرات المناخ أيضاً، أنّ درجات الحرارة المرتفعة، على سبيل المثال، تسمح بتمدّد المواد مع زيادة سخونتها، وخاصة المعادن، ما قد يتسبّب في انحناء المبنى بمجرّد تجاوزه درجة تحملّه المصمم لأجلها. إذ تمّ إلقاء اللوم جزئياً على ارتفاع درجات الحرارة في موضوع اهتزاز إحدى ناطحات السحاب في مدينة "شنتشن" الصينية، فقد تمدد الإطار الفولاذي بدافع الحرارة، ما أدّى إلى ذوبان بعض المواد الأساسية المكوّنة لها. من المتوقع أيضاً أن ينهار المبنى عندما تنهار الأرض أسفل الهيكل.

المباني ذات الأساسات المرصوصة في التربة الطينية معرّضة للخطر في حال حدوث فياضانات، حيث تنتفخ التربة بعدما تمتصّ الماء، ثم تتصلّب وتنكمش عندما تجفّ، ما يؤدي إلى حدوث خلل في الترسانة الترابية للمباني.

كما سيؤدي تغيير أنماط هطول الأمطار إلى تفاقم هذه المشكلة، فخلال الخمسين سنة القادمة، على سبيل المثال، ستتأثر أكثر من 10 في المائة من العقارات في بريطانيا بسبب الهبوط.

ربما يكون مصدر القلق الأكبر هو كيفية تأثير تغيّر المناخ على الخرسانة المسلحة للمبنى، وهي واحدة من أكثر المواد استخداماً على وجه الأرض. تُستخدم الخرسانة المسلحة في كل شيء، بدءاً من ناطحات السحاب والجسور إلى العتبات فوق النوافذ في المنازل، وذلك بوضع قضبان فولاذية داخل قالب وصبّ الخرسانة الرطبة، وبمجرد جفافها، ينتج عن ذلك هياكل قوية بشكل لا يصدق.

انهيار الخرسانات المسلحة

لكن المناخ سوف يلحق الضرر بمتانة الخرسانة، خاصة عندما يبلل الفولاذ الموجود داخل الخرسانة بسبب الرطوبة، فيصدأ ويتمدّد، ما يؤدي إلى تكسير الخرسانة في عملية يُشار إليها أحياناً باسم "سرطان الخرسانة".

وقد تكون المباني في المناطق الساحلية معرّضة بشكل خاص للانهيار المفاجئ، ذلك لأنّ مادة الكلوريد في المياه المالحة تسرّع الصدأ، كما أنّ ارتفاع منسوب مياه البحر قد يؤدي إلى رفع منسوب المياه الجوفية وجعلها أكثر ملوحة، ما يؤثّر على أساسات المباني.

في الوقت نفسه، تتأثّر الخرسانة بارتفاع الغازات، ومن أبرزها غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء، حيث تتشكّل مادة كيميائية من خلال احتكاك ثاني أكسيد الكربون مع الإسمنت، ما يقلّل من نسبة غاز الهيدروجين الموجود في الخرسانة، ويجعل الفولاذ أكثر عرضة للتآكل. منذ الخمسينيات من القرن الماضي، زادت مستويات ثاني أكسيد الكربون العالمية من حوالي 300 جزء في المليون في الغلاف الجوي إلى أكثر من 400 جزء.

ويختم الكاتب تقريره بأنّ انهيار المباني بسبب أزمة المناخ قد يكون قضية أساسية يجب التنبّه إليها، ويجب على الحكومات، والدول التي لديها النفوذ المالي للتكيف، الإسراع في التخفيف من هذه الآثار. من هنا، فإنّ الخيار الوحيد لمعالجة سيناريوهات مستقبلية، قد تبدو ضبابية بسبب تغيّر المناخ، هو البدء في تكييف المباني لتلبية المعايير المتغيّرة من جهة، والحفاظ على درجات حرارة منخفضة والتخفيف من آثار انبعاثات الغازات السامة من جهة أخرى.

المساهمون