استمع إلى الملخص
- أعربت البعثة الأممية وحكومة الوحدة الوطنية عن قلقهما وطالبتا بتحقيق شفاف وعاجل. حددت منظمة حقوقية مكان التعذيب وتعرفت على الضحايا والمشاركين، مما زاد الضغط على السلطات.
- يشكك المحامي إبراهيم الناجح في جدية التحقيقات ويخشى استغلال القضية سياسيًا، مطالبًا بإبعاد ملف الحريات عن المناكفات السياسية.
في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، تداولت منصات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام في ليبيا لقطات فيديو أظهرت أشخاصاً أخفوا وجوههم بكمامات ينفذون أعمال تعذيب داخل سجن قرنادة، وأفراداً يتعرضون لترهيب وضرب مبرح، وتمدد بعضهم على الأرض.
وبعد أيام، أعلنت قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر ما سمتها أوامر للادعاء العسكري بتشكيل لجنة للتحقيق في مشاهد التعذيب، وقالت إن هذه اللجنة باشرت التحقيق. وأورد بيان نشرته قيادة حفتر: "حثت القيادة على عدم التهاون مع المتورطين في ارتكاب هذه التجاوزات، وذلك بعد عقد اجتماع موسع ناقش تطورات التحقيق". وشارك في الاجتماع نجلا اللواء حفتر، صدام وخالد، اللذان يترأسان أقوى مليشيات والدهما.
وأبدت البعثة الأممية في ليبيا انزعاجها البالغ من المشاهد التي وصفتها بأنها "تعذيب وحشي"، وطالبت بإجراء تحقيق فوري وشفاف في هذه الانتهاكات ومحاسبة المرتكبين، وقالت: "ننسّق مع قيادة حفتر لتأمين وصول موظفي حقوق الإنسان التابعين للبعثة ومراقبين مستقلين آخرين بشكل مستمر إلى سجن قرنادة ومراكز احتجاز أخرى".
من جهتها، دعت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس إلى إجراء تحقيق عاجل في الجرائم التي أظهرتها مقاطع الفيديو من داخل سجن قرنادة العسكري شرق البلاد، وأدانت بأشد العبارات "ممارسات التعذيب البشعة والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي ظهرت في مشاهد مؤلمة أعادت إلى الأذهان حقباً مريرة من الظلم والقهر التي عانى منها الشعب الليبي".
وسط الاستنكار الشعبي الواسع لما أظهرته أشرطة الفيديو، أعلنت منظمة رصد الجرائم الحقوقية الأهلية أنها حددت مكان وقوع التعذيب في الطابق الأرضي من سجن قرنادة الذي يُعرف بأنه عنبر إدارة السجن، وقالت إنها تعرّفت إلى هويات ثلاثة ضحايا هم ليبي ومصري وسوري، وأربعة شاركوا في التعذيب من إدارة الشرطة والسجون العسكرية.
يرى إبراهيم الناجح، المحامي والناشط في مجال الحقوق والحريات، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تشكيل قيادة حفتر لجنة تحقيق في أشرطة الفيديو المسرّبة من سجن قرنادة العسكري اعتراف صريح بحصول جرائم، ويسأل عن مصير التحقيقات، ويقول: "هل ستعلن نتائجها أم أنها مجرد ذرّ رماد في العيون نتجت من ضغوط الرأي العام؟". ويبدي الناجح خشيته من أن "تحاول التحقيقات التي أعلنتها قيادة حفتر البحث عن الأطراف التي سرّبت المشاهد، ما يبعدها عن الأهداف المأمولة، خصوصاً أنه جرى اعتقال سبعة عاملين في السجن بسبب علاقتهم بالمشاهد". يضيف: "لو كانت النية فعلاً التحقيق وعدم التهاون مع الممارسات غير القانونية لكانت قيادة حفتر كشفت أسماء المتورطين في التعذيب بعدما ظهرت وجوه بعضهم بوضوح في أشرطة الفيديو، وتعرّف ليبيون كثيرون إليهم".
ويشكك الناجح في احتمال تسريب المشاهد لاستغلال القضية ضمن الخصومات السياسية بين الأطراف المتصارعة، ويتحدث عن "حصول وقائع تعذيب أكثر فظاعة داخل سجون حفتر. وإذا كانت بعض المؤشرات ظهرت من سجن قرنادة فلا يمكن استبعاد حصول أخرى بدرجات تفوق التصور في باقي السجون. وعموماً، لا يحتاج الرأي العام إلى أدلة حول ما تمارسه مليشيات حفتر من تعذيب صارخ وخطف وقتل خارج القانون، وحتى الشخصيات التي لم يعرف مصيرها لم تستطع القيادة تقديم روايات في شأنها. ونطالب بضم أعضاء مجلس النواب والحكومة في شرق ليبيا إلى قائمة المتهمين بارتكاب انتهاكات السجون مع حفتر، بدليل سكوتهم عن المطالبة بكشف مصير أعضاء في مجلس النواب فقِدوا منذ أشهر طويلة، من بينهم سهام سرقيوة وإبراهيم الدرسي".
ويعتبر الناجح أن "تحرك الرأي العام المحلي والدولي يوجد فرصة لدفع ملف الحريات والحقوق إلى الواجهة. واضطرار قيادة حفتر إلى الاعتراف بحصول هذه الانتهاكات داخل قرنادة هو سابقة باعتبار أن حفتر لم يقرّ بأي انتهاك رغم كل ما حدث مثلاً في قضية اختفاء الدرسي في مايو/ أيار الماضي، ولم يتجاوب مع الضغط القبلي والمحلي والدولي. من هنا يبدو أن الظروف تغيّرت في الآونة الأخيرة".
ويطالب الناجح بإبعاد ملف الحريات والحقوق عن المناكفات السياسية التي تستغل فيها الأطراف هذه الحوادث لمحاربة بعضها البعض "إذ يجب الحديث أيضاً عن انتهاكات وقعت في سجون تتبع الحكومة في طرابلس، فقبل أشهر جرى تسريب فيديو أظهر تعرّض نزيل في سجن بطرابلس لتعذيب عبر ربطه بسيارة بالحبال وجرّه على الأرض وهو يستغيث، وحصلت أيضاً حوادث أخرى عدة سابقاً".