استمع إلى الملخص
- أعربت بعثة الأمم المتحدة عن قلقها من هذه الاعتقالات، مشيرة إلى أنها تقوض سيادة القانون وتخلق مناخاً من الخوف، ودعت إلى محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
- حذر المحامي فيصل حميدان من تحول ليبيا إلى "سجن كبير"، مشيراً إلى أن الانتهاكات امتدت إلى الغرب، ودعت البعثة الأممية إلى إطلاق سراح المعتقلين وفتح مرافق الاحتجاز للرقابة الدولية.
خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين، شهدت ليبيا تصاعداً في وتيرة الاعتقالات التعسفية التي تنفذها أطراف أمنية عديدة في مختلف أنحاء البلاد، وسط تحذيرات حقوقيّين من مغبة انهيار متسارع لسيادة القانون، واستخدام الاعتقال أداةً لتصفية الخصومات، في مشهد يعكس زيادة حالة الفوضى الأمنية في البلاد التي تؤثر على أوضاع المدنيين.
وتصدرت مناطق شرق ليبيا واجهة الاعتقالات مطلع مارس، بعضها استهدف شخصيات قانونية ومحامين، على غرار اعتقال المحامي منير عبيد في وسط بنغازي في 13 مارس، على يد مسلحين تابعين لجهاز الأمن الداخلي الخاضع لسلطة قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، من داخل مكتب المحاماة الخاص به، قبل اقتياده إلى سجن غير رسمي في مقر الجهاز دون إصدار أي أوامر بالاعتقال من السلطات القضائية.
وبحسب منظمة رصد الجرائم في ليبيا، فقد جاء اعتقال عبيد بعد سلسلة تهديدات سابقة لمعارضته أمام المحاكم محاولات هدم المبنى الذي يضم مكتب المحاماة الخاص به. وفي التاسع من الشهر نفسه، أعاد جهاز الأمن الداخلي اعتقال خمسة مدنيين في مدينة المرج شرق البلاد، بعد سبعة أيام فقط من إخلاء سبيلهم في 28 فبراير، عقب احتجاز سابق استمر 170 يوماً في سجن غير رسمي في بنغازي.
وفي طرابلس، توسعت دائرة الاستهدافات لتطاول عائلات النشطاء، واقتحم مسلحون تابعون لجهاز الأمن القومي، منزل ناشط حقوقي مقيم في الخارج، واعتقلوا شقيقه في 28 مارس واقتادوه إلى مكان مجهول، في خطوة يُعتقد أنها تهدف إلى الضغط على شقيقه المقيم خارج ليبيا لإسكات انتقاداته للأجهزة الأمنية.
وسبق شهر مارس تصاعد مماثل في فبراير، حين سجلت منظمة رصد الجرائم حادثتين؛ الأولى لوفاة معتقل داخل سجن قرنادة جنوب شحات شرق البلاد بسبب التعذيب، والثانية مقتل مدني برصاص مجهولين في الزاوية غرب البلاد، إلى جانب خمس حالات اعتقال تعسفي في طرابلس ومصراتة.
وأصدرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بياناً أعربت فيه عن قلقها العميق حيال تصاعد موجة الاحتجازات والتوقيفات التعسفية، مشيرة إلى أن أجهزة إنفاذ القانون وأطراف أمنية في عموم ليبيا تقف وراءها و"تستغل سلطة الاحتجاز والتوقيف المناطة بها لاستهداف أفرادٍ على ضوء انتماءاتهم المزعومة ولتكميم أفواه كل من ينظر إليه معارضا وتقويض استقلال القضاء".
واعتبرت البعثة أن هذه الممارسات غير القانونية خلقت "مناخاً من الخوف وتحجيم الحيز المدني وتهالك سيادة القانون". كما كشفت عن أسماء معتقلين جدد، منهم القاضي علي الشريف في 10 مارس في طرابلس، بالإضافة إلى مدعيين عسكريين لا يزالان في السجن منذ اعتقالهما عام 2022 من دون محاكمة.
كما انتقدت البعثة سلوكيات التحقيق لدى الأجهزة الأمنية، منها "الاعترافات المسجلة" تحت التعذيب وإذاعتها على الإنترنت لتشويه سمعة الضحايا، مؤكدة أنها أدلة غير مقبولة وتستوجب محاسبة المسؤولين.
ويحمل المحامي الحقوقي فيصل حميدان، في حديثه لـ "العربي الجديد"، الأجهزة الأمنية في شرق وغرب ليبيا مسؤولية التصعيد الخطير، قائلاً: "لم نعد أمام انتهاكات هي حكر على أجهزة حفتر في الشرق، فالأطراف في الغرب صارت تنافسها في صناعة السجون غير الرسمية والاعتقالات التعسفية". ويتحدث عن جانب جديد في ظاهرة الاعتقال مرتبط بسعي بعض المتحالفين مع الأجهزة الأمنية لتسخيرها من أجل إقصاء خصومهم، وذكر أن أربعة من المعتقلين في طرابلس ومصراتة في فبراير الماضي هم مرشحون للانتخابات البلدية، وقد خطفوا من قبل أجهزة أمنية بدفع من خصومهم المرشحين لذات الانتخابات.
ويحذر حميدان من تحوّل ليبيا إلى "سجن كبير" عندما تصبح البلاغات السرية هي المصدر الوحيد للمنظمات الحقوقية لرصد الانتهاكات، خصوصاً في الشرق الذي يُعاني مواطنوه من الترهيب والخوف من انتقام أجهزة حفتر، لافتاً إلى أن التقارير الدولية، بما فيها تقارير منظمة العفو الدولية، وثّقت منذ سنوات نمطاً ممنهجاً لانتهاكات قوات حفتر. لكن الجديد، برأيه، هو انخراط أطراف غربية في الأساليب ذاتها، ما يهدد بانهيار الحياة المدنية.
وفي الوقت الذي طالبت فيه البعثة الأممية، في ذات البيان، بإطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفياً وفتح كافة مرافق الاحتجاز أمام الرقابة الدولية، يلفت حميدان إلى أن المشهد الأمني أصبح أكثر تعقيداً مع تنامي نفوذ المليشيات وتشابك مصالحها، محذراً من تطور ظاهرة الانتهاكات إلى استراتيجية ممنهجة لترهيب أي صوت معارض.