ليبيا: إقبال متزايد على الجامعات الخاصة وسط دعوات لمراقبة الجودة

09 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 09:24 (توقيت القدس)
طلاب ليبيون يحتفلون بتخرجهم، بنغازي، 16 أكتوبر 2016 (عبد الله دوما/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ارتفع عدد الجامعات الخاصة في ليبيا إلى نحو مئة، مما أثار تساؤلات حول طبيعتها وفعالية قرارات الحكومة، حيث أغلقت حكومة الوحدة الوطنية 20 كلية وجامعة خاصة في 2021 لضبط الفوضى، لكن الحملة لم تستمر، مما سمح بظهور جامعات جديدة دون رقابة.

- تتباين دوافع الطلاب لاختيار الجامعات الخاصة بين المرونة في الحضور وتوفر مختبرات حديثة، رغم المخاوف من عدم الاعتراف الرسمي بالشهادات، مما يضع مستقبلهم المهني في خطر.

- يركز التعليم الخاص على تخصصات مثل الإدارة وعلوم الحاسوب، مما يعكس الطابع الربحي، بينما تبرز بعض الجامعات في التخصصات الطبية والهندسية، ويقترح دعم التعليم الخاص بفرض رقابة وربط التخصصات بسوق العمل.

مع بداية كل عام دراسي جديد، يُقبل خرّيجو الثانوية العامة في ليبيا على التسجيل في الجامعات الخاصة، وسط زخم كبير من الإعلانات المموّلة التي تبثها عشرات الجامعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وبحسب تصنيف المركز الوطني لضمان جودة واعتماد المؤسسات التعليمية والتدريبية، يتزايد عدد الجامعات الخاصة بوتيرة سريعة حتّى وصل إلى نحو مئة جامعة. 
وإزاء ذلك، تُثار أسئلة حول طبيعة هذه الجامعات، وأسباب الإقبال عليها، وجدوى قرارات الحكومة في طرابلس بهذا الشأن، خصوصاً أنّها بدت حاسمة قبل أن يتراجع أثرها.
ورفعت حكومة الوحدة الوطنية عند توليها السلطة عام 2021، شعار "ضبط الفوضى في قطاع الجامعات الخاصة"، وبادر وزير التعليم العالي والبحث العلمي حينها، عمران القيب، إلى اتخاذ إجراءات حازمة وعلنيّة، إذ أوقف عدداً من المؤسسات التعليمية، ووصف بعضها بأنّها مجرد "دكاكين شهادات"، مانحاً إيّاها مهلة قصيرة لتصحيح الأوضاع.

واشترطت وزارة التعليم العالي على الجامعات الخاصة معايير جودة صارمة، مثل امتلاك مقرّ ملائم، ونسبة محدّدة من أعضاء هيئة التدريس من حمَلة شهادات الدراسات العليا. وتلا ذلك في أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته، إغلاق 20 كلية وجامعة خاصة دفعة واحدة، غير أنّ هذه الحملة لم تدم طويلاً، إذ تراجعت الحكومة في العام التالي عن إصدار أي بيانات أو قرارات مماثلة، وغاب الحديث عن الملف، تاركةً الساحة لبروز جامعاتٍ جديدة من دون أي رقابة فاعلة أو متابعة جادّة.
وتتباين دوافع الطلاب لاختيار الجامعات الخاصة، إذ يُقرّ فاير العجمي من العاصمة طرابلس، أنّه اختار التخصص بعلوم الإدارة في جامعة خاصة، لما تمنحه من إمكانية الحضور على نحوٍ متقطع، أضف إلى عدم التشدد في مسألة الانضباط، كما أن نسبة الرسوب تكاد تكون معدومة، ويقول لـ"العربي الجديد": "هدفي الحصول سريعاً على شهادة جامعية تفتح أمامي فرصة الوظيفة الحكومية".
أما رزان بشير ضو، فقد سجّلت في جامعة خاصة لدراسة الطب، نظراً لما توفره من مختبرات مجهّزة ومقرّرات حديثة وأجواء دراسية منتظمة، وتؤكد لـ"العربي الجديد" أن التعليم الجامعي الخاص يؤمّن ظروفاً تعليمية مناسبة لا تتوفر في الجامعات الحكومية، إذ إنّ كلية الطب في جامعة طرابلس على سبيل المثال، تعاني من نقص الكوادر التعليمية، واضطرار الطالب إلى شراء المقرّرات من المكتبات الخاصة، والانخراط في دورات تمكينية مدفوعة.

يخشى بعض الأهالي عدم الاعتراف بشهادات أبنائهم، ليبيا، 24 أكتوبر 2016 (عبد الله دومة/ فرانس برس)
يخشى بعض الأهالي عدم الاعتراف بشهادات أبنائهم، ليبيا، 24 أكتوبر 2016 (عبد الله دوما/فرانس برس)

ويعتبر والدها، بشير ضو، أن التراجع الحكومي أدّى إلى تضاعف أعداد الجامعات الخاصة، على نحوٍ لا يتناسب مع عدد السكان، ولا حتّى مع القدرة الاستيعابية للبلاد، ويعبّر لـ"العربي الجديد" عن مخاوفه من افتقار الجامعة الخاصة التي سجّل فيها ابنته للاعتراف الرسمي، شأنها شأن أغلب الجامعات التي بقيت شهاداتها خارج الاعتماد الأكاديمي، رغم توثيقها من إدارة التعليم الخاص، ما سيجعل رزان أمام مصير غامض عند التخرّج.
وعلى الرغم من أن إدارة التعليم الخاص لم تعلن عدد الطلاب في الجامعات الخاصة، إلّا أنّ أستاذ التربية، عبد الله البركي، يذكّر بإعلان المركز الوطني لضمان جودة واعتماد المؤسسات التعليمية والتدريبية بشأن منح نحو 100 رخصة لجامعات خاصة، ما يعكس حجم الإقبال عليها، مقابل 26 جامعة حكومية في كل أنحاء البلاد.

ووفقاً لمعلومات البركي، فإنّ الجامعات الخاصة التي تركز على تخصّصات مثل الإدارة والمحاسبة وعلوم الحاسوب، تنتشر بكثرة لأنها تواكب رغبة الطلاب في الحصول على شهادات مرتبطة بالوظائف الحكومية أو فرص العمل في السوق الخاص"، ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن في ذلك مؤشراً على "غلبة الطابع الربحي على الأكاديمي، إذ إن بعض الجامعات الخاصة أقرب إلى مشاريع استثمارية تبيع مقاعد دراسية وشهادات أكثر ممّا تنتج كفاءات حقيقية". 
ويستدرك البركي بالقول: "غير أنّ بعض الجامعات الخاصة المعنية بالتخصّصات الطبية والهندسية والنفطية، استطاعت أن تفرض نفسها خياراً حقيقياً يدعم قطاع التعليم، خصوصاً لجهة برامجها الجادّة ومناهجها الحديثة ومعاملها ومختبراتها المجهّزة، ما جعلها تُقدّم إضافةً ملموسة للمشهد الأكاديمي في ليبيا"، ويتابع الأكاديمي الليبي: "الحلّ لا يكون بإلغاء التعليم الخاص، بل بدعمه من خلال تشجيع الاندماج لتقليل عدد الجامعات، وفرض رقابة حقيقية على جودة التعليم، وربط التخصّصات بسوق العمل، وتوفير حوافز للجامعات التي تستثمر في البحث العلمي والتقنيات الحديثة، لتتحوّل من عبءٍ إلى رافعة للتعليم في البلاد".

المساهمون