لورا سلوم... أطفال يكتشفون هويّاتهم من خلال تصاميمها

لورا سلوم... أطفال يكتشفون هويّاتهم من خلال تصاميمها

12 يونيو 2021
مشروع لورا لا ينحصر بغرف نوم الأطفال، بل يشمل كل المساحات الخاصة بهم (حسين بيضون)
+ الخط -

لنرَ... أمامنا ثلاثة أجيال من الأهل. الجيل الأول أي الجد والجدة يجهزان غرفة الأطفال اليوم. الأساس بالنسبة لهما لضمان نموهم، كان تأمين الغذاء الجيد لهم. وإذا ما أنعشنا ذاكرتنا، ستحضر كلماتهما: "المهم الصحة. هل أكل/ أكَلَت جيداً؟". الهمّ الأساسي لهذا الجيل، بشكل عام، انعكس على غرف الأطفال، فاكتفوا بوضع الأساسيات فيها، أي السرير للنوم والخزانة لتوضيب الثياب وبعض الأمور الأخرى.
الجيل الثاني، أي آباؤنا وأمهاتنا اليوم، بدا مهتماً بالتعليم أيضاً، إلى جانب الغذاء، ما تطلّب إضافة مكتب إلى الغرفة. أما الجيل الحالي، أي آباء وأمهات اليوم، فباتوا أكثر اهتماماً بكيفية التواصل مع الأطفال، وتنمية ثقتهم في أنفسهم، وخيالهم، وضمان صحّتهم النفسية. تفاصيلٌ مستجدة لم تجد مكاناً لها بعد في غرف الأطفال. هذا الفراغ هو ما تعمل المهندسة المعمارية اللبنانية لورا سلّوم (32 عاماً)، على ملئه.
يقول شارل إدوار جانيريه-كري، أو كما يُعرف لو كوربوزييه، وهو معماري سويسري - فرنسي وأحد رواد عمارة الحداثة في القرن العشرين: "ينظر المرء إلى التصميم بعينيه، وهما على بعد 5 أقدام من الأرض". يُترجم هذا في مختلف التصاميم الهندسية، وهو ما يعدو غير منطقي حين يستهدف التصميم الأطفال.  
الأطفال أكثر تأثراً من البالغين بالبيئة المحيطة بهم. وهذه البيئة تؤثّر على نموهم النفسي والعاطفي والاجتماعي. وإن يعتبر البعض ما سبق جزءاً من إضافات العصر أو "الفذلكات" التي يمكن الاستغناء عنها، إلا أن تصميم مساحات الأطفال بما يتناسب مع وظائفهم الجسدية والمعرفية والاجتماعية خلال فترات نموهم المختلفة، هو أحد العوامل الأساسية لطفل مرن نفسياً. 
أحبّت لورا الهندسة المعمارية وعلم النفس مذ كانت صغيرة. وفي النهاية، انتصرت الهندسة المعمارية على محبوبها الآخر، من دون أن تنساه. تخرجت من الجامعة وعملت في مجال تخصصها وأحبت وتزوجت ثمّ أنجبت طفلها الأول يوان وباتت أماً. هذه المشاعر والمسؤولية الجديدة غالباً ما تغيّر الأولويات لبعض الوقت، ولكن ليس الشغف. خلال هذه الفترة، زاد اهتمامها بالمواضيع المتعلقة بكيفية تربية الطفل والتواصل معه وتنمية شخصيته. فهي، التي عانت من بعض المشاكل النفسية لبعض الوقت، أرادت تحصين طفلها قدر المستطاع. 
هذه الأفكار والمشاعر ترافقت مع تجربة شخصية ومعاناة من نوبات الهلع لبعض الوقت، شكلت حافزاً بالنسبة إليها للتعمّق أكثر في علم النفس، قبل أن تجمع شغفها بالأمومة والهندسة وعلم النفس في مكان واحد هو "Pissenlit" - مشروع هندسي صديق للأطفال. ثمّ قرّرت الاستعانة بمتخصّص للعلاج، "وكانت هذه من أكثر المرات التي شعرت فيها بمدى تأثير الصحة النفسية علينا، والعكس، أي تأثير تجاربنا على صحتنا النفسية. وكذلك، للبيئة التي نعيش فيها تأثير على الصحة النفسية". 

الصورة
لورا سلّوم (حسين بيضون)
(حسين بيضون)

حين كان الناس يسألون لورا الشابة عمّا تحب أن تفعله أو تكونه، لم تكن تعرف الإجابة. "التربية تضعنا في قالبٍ واحد حتى لنشعر أن كل ما نقوله، أو حتى ما نحب، يجب أن يتناسب مع المجتمع". لورا الأم عرفت ما تريد، وكأنها أعادت الاتصال بالطفلة التي كانت عليها، أي بالطبيعة. 
أنجبت طفلتها الثانية سيلينا، وكانت قادرة خلال فترة إجازة الأمومة على التركيز على تطوير شغفها الذي سينعكس إيجاباً عليها وعلى أسرتها. تقول إن "الصخب الكثير في الحياة يجعلنا عاجزين عن التوقف، وكأننا لا نستطيع تغيير أي شيء". فكان لا بد لها من التوقف. لحظات من اليقظة التامة تساعد الشخص على معرفة ما يحب. 

الصورة
لورا سلّوم (حسين بيضون)
(حسين بيضون)

والتصميم، كما تقول، "ليس اختراعاً للبارود"، بقدر ما هو تنظيم للفراغ، حتى يتمكن الأطفال من تعبئته والعيش فيه. في غرفة نوم أطفالها، وضعت رفاً ليوان وآخر لسيلينا، على أن يملآهما بما يحبان. ابنها الذي يهوى تركيب قطع الليغو وغيرها، وضع المجسمات التي صنعها على الرف الخاص به، فيما وضعت ابنتها التي تهوى الرسم لوحاتها عليه، حتى صار هذان الرفان واجهتهما وانعكاساً لشخصية كلٍّ منهما. تقول لورا: "حين يعرف الطفل ماذا يحب، تصبح حياته أكثر سهولة مع الوقت". وهي، الأم هذه المرة، لاحظت على مدى سنتين، انعكاس التصميم الصديق للطفولة على يوان وسيلينا، فقد أصبحا أكثر استقلالية وقدرة على الاعتماد على نفسيهما. كل هذا من خلال تفاصيل بسيطة، منها كيفية تقسيم الثياب في الخزانة، مع مراعاة طول الطفل ليكون قادراً على جلبها، وترتيب الألعاب بطريقة تسهل عليه اختيار ما يريد بنفسه. "كم مرة نسمع عبارة: ماما، أريد هذه اللعبة؟"، تسأل لورا. والسبب أن الأهل، وللحدّ من الفوضى، يضعون الألعاب أحياناً في أماكن بعيدة عن متناول الطفل. والأمومة هنا، ليست الأساس، إلا إذا قلنا أن لورا الأم كانت زبونة لورا المهندسة، على اعتبار أن التخصّص هو المفتاح، وقد وظفته لورا لعالم الأطفال الذي قد لا يجذب الكثير من المعماريين.
منذ كانت سيلينا في الثالثة من العمر، اعتادت أن تختار ثيابها بنفسها، الأمر الذي عزّز استقلاليتها وثقتها بنفسها. تقول لورا إنه عادة ما يتأثر الطفل الأصغر بشقيقه/ شقيقته الأكبر سناً. في حالة طفليها، ساعدهما التصميم في الدفاع عن الأشياء التي يحبها كل واحد منهما، وبمعنى آخر عن هويتهما.

الصورة
لورا سلّوم (حسين بيضون)
(حسين بيضون)

خلال إعداد التصميم، تقسّم لورا الأطفال إلى مراحل عمرية عدة، الأولى من عمر صفر حتى عام، والثانية من عام وحتى ثلاثة أعوام، والثالثة من 3 أعوام حتى 6 أعوام، والرابعة من 6 أعوام وحتى 13 عاماً، والخامسة من 13 عاماً حتى 17 عاماً. وتتحدث عن أهمية الطبيعة خلال التفكير بالألوان والمواد المستخدمة، موضحة أن ألوان الطبيعة يجب أن تشكل أساس غرف النوم. أما الإضافات، فبحسب ما يهوى الطفل.
والنتيجة، تصميم غرفة تكون مكاناً سعيداً للطفل، بمعنى أن تعكس شخصيته، وتحتوي على الأشياء التي يحبها، وقد تكون صوراً عائلياً ثم شخصية رياضية أو فنية في عمر المراهقة أو صوراً مع الأصدقاء. كما تحرص على تخصيص حائط أو ما شابه للإنجازات، كالحصول على ميدالية أو شهادة تفوق، وما إلى ذلك، ترافق الطفل طوال فترة نموه، وتصير موقعاً جميلاً ويعزز الثقة في النفس في وقت واحد.

مرت سنتان على تصميمها الغرفة لولديها. هل شعرا بالملل وباتا يقضيان وقتاً أقل فيها؟ "على العكس"، تقول لورا. "الغرفة ليست جماداً، بل تتغيّر باستمرار، من خلال تغيّر أمزجة يوان وسيلينا، والأشياء التي يحبانها، وهي انعكاس لما يختبرانه". فابنتها التي أحبت أخيراً حيوان الكوالا، استبدلت الكثير من الصور القديمة بأخرى جديدة رسمت فيها هذا الحيوان. "وفي فصل الربيع، تتفتح الأزهار في الغرفة أيضاً". والسرّ، أن "لكلّ شيء معنىً في هذه المساحة".  

الصورة
لورا سلّوم (حسين بيضون)
(حسين بيضون)

لا تضيف لورا معاني إلى الغرفة من خلال تصاميمها، بقدر ما تسمح للطفل بخلق ذلك المعنى، والذي لا ينتهي طالما أنه يعيش في هذه البيئة. ومع الوقت، تصير مرآة له، بل تصير هو. كما نقول إنه يمكننا معرفة شخص ما من عينيه، قد يصبح بإمكاننا معرفته من غرفته.
حين يستعدّ الأهل لاستقبال طفلهم الأوّل، يبدأون البحث عن تصاميم وصور على الإنترنت عمّا هو أجمل، من دون أن ينتبهوا إلى أن الرضيع سيكبر، أو أنهم قد ينجبون طفلاً آخر. لكن يمكن اعتماد تصميم واحد لكافة المراحل العمرية، بما يسهل إدخال التعديلات. والناس الذين يقصدونها اليوم، قد لا يكونون بالضرورة مدركين للتأثيرات النفسية لتصاميم غرف النوم على أطفالهم، فيأتي دور لورا لتعزيز هذه الثقافة من خلال شرح تصميمها للزبون.
Pissenlit، هو الاسم الذي اختارته لورا لمشروعها الهندسي الصديق للأطفال. وهنا تعود إلى طفولتها. لورا الصغيرة أحبت زهرة الهندباء، ونقلت معها هذا الحب إلى يومنا هذا، لتشاركه مع أطفال آخرين، سترافقهم، من خلال غرف نومهم، في مراحل عمرية مختلفة. ربما تكون تلك الأم التي اطمأنت على أطفالها في وقت مبكّر. ليس هذا فقط، فقد استُخدمت هذه الزهرة كرمز للسلام لدى الأطفال منذ الحرب العالمية الثانية. "أحلم بأن تقدم Pissenlit مساعدات للأطفال في المستقبل". مشروع لورا لا ينحصر بغرف نوم الأطفال، بل يشمل كل المساحات الخاصة بهم، كالمدارس والملاعب، والطبيعة دائماً هي المفتاح.

إذا ما عدنا إلى طفولتنا، قد نتذكر تفاصيل كثيرة لطالما كرهناها في غرف نومنا، مثل ذلك الجارور الموجود داخل سرير آخر يُفتح وقت النوم. ألم يكن يشعر من وقع عليه الاختيار للنوم فيه بالدونية؟ وما هي أسباب نوم طفل آخر في الطابق العلوي، إذا ما كان هناك سريران، واحد منهما يعلو ذلك الموضوع على الأرض. وهنا تأتي أهمية مشروعها.
لورا، أم يوان وسيلينا وساشا أخيراً، ستحمل زهرتها الأحب إلى قلبها إلى الأطفال الذين تحب، انطلاقاً من حبّها لصغارها. جميعهم يستحقون أن يكبروا براحة وأمان وفرح، والتحليق مع بذور الهندباء.

المساهمون