لماذا يثور الغزيون مع أحداث القدس؟

لماذا يثور الغزيون مع أحداث القدس؟

14 مايو 2021
تضامناً مع أهلنا المقدسيين (محمد الحجار)
+ الخط -

 

في الأيام الأخيرة، إلى جانب الصواريخ التي أُطلقت من غزة صوب الأراضي المحتلة، أبدى الغزيون الذين يعانون حصاراً مشدداً من قبل الاحتلال تضامناً استثنائياً مع مواطنيهم المقدسيين.

مع ارتفاع وتيرة الأحداث والمواجهات بين الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة وعناصر أمن الاحتلال الإسرائيلي التي انطلقت في منتصف شهر رمضان المنصرم، كان أهل قطاع غزة يتقلبون ويثورون على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أرض الواقع من خلال تظاهرات تطالب الجميع بالتحرك، كاسرين قرار حظر التجوّل المفروض مساءً لمواجهة فيروس كورونا الجديد.

وتتشعّب الأسباب التي تفسّر تأثّر فلسطينيي قطاع غزة بأحداث القدس بشكل كبير جداً، في وقت يعزل الاحتلال القطاع المحاصر عن الضفة الغربية والقدس المحتلتَين. لعلّ أوّل الأسباب تعلّق الغزيين بالقدس نظراً إلى حرمانهم من زيارتها، لا سيّما زيارة المسجد الأقصى، دون سواهم من فلسطينيين وعرب وأجانب. هم يستطيعون الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي في السعودية، لكنّهم لا يستطيعون الوصول إلى القدس التي تبعد عنهم عشرات الكيلومترات، باستثناء قلة قليلة من الذين يعانون حالات مرضية حرجة. يُذكر أنّ الغزيين كانوا قادرين على زيارة المسجد الأقصى ومدينة القدس وحتى المسيحيين منهم كنيسة القيام قبل الانتفاضة الثانية في عام 2000، غير أنّ تنقلهم قُيّد بعد الانتفاضة وانتشرت الحواجز الإسرائيلية ومُنع بعضهم من اجتياز معبر بيت حانون (الذي يطلق عليه الاحتلال اسم معبر إيرز) في شمال القطاع. لكن منذ تشديد الحصار الإسرائيلي عليهم في عام 2007، تعرّض سكان قطاع غزة لعقاب جماعي، ومُنعت النسبة الأكبر منهم من زيارة مدينة القدس.

وصارت زيارة القدس المحرّمة من أحلام الغزيين التي يصعب تحقيقها. وإذا قُدّرت الزيارة لعدد من الذين يعملون في مؤسسات دولية، فإنّ هؤلاء يعمدون إلى التقاط صور لمسجد الأقصى وقبة الصخرة والصلاة بالحرم، بهدف توثيق الزيارة. فتبقى بالتالي تلك الصور ذكرى بالنسبة إليهم، فهم لا يعلمون إذا كانوا سوف يعودون في يوم أم لا.

الصورة
تضامن غزة مع القدس 2 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

إسماعيل الحداد (37 عاماً) من هؤلاء الذين تمكّنوا من زيارة القدس قبل عامَين، عندما كان يعمل في مشروع يُعنى بحقوق المرضى مع إحدى المنظمات الدولية العاملة في غزة. يقول لـ"العربي الجديد": "عندما دخلت مدينة القدس، أوّل ما طلبته بلهفة هو التوجّه إلى الحرم القدسي. حينها نظر إليّ السائق وقال مبتسماً: أنت من غزة. وأخبرني أنّ المحظوظين من غزة الذين يسمح لهم الاحتلال بزيارة القدس، يزورون بداية الحرم القدسي ويلتقطون الصور فيه". ولا يخفي الحداد أنّه شعر كما معظم الغزيين بضيق وهم يشاهدون أحداث مدينة القدس ونيّة التطهير العرقي لحيّ الشيخ جراح. فشارك في وقفات احتجاجية في غزة لصمود المقدسيين، "على الرغم من معارضتي إطلاق المقاومة الفلسطينية صواريخ على المدن المحتلة انطلاقاً من غزة، إذ إنّ قطاعنا محاصر ومعرّضة للدمار". لكنّه في الوقت نفسه يصف ذلك بأنّه "ردّ لكرامة الفلسطينيين ونظرًا لأن قضية القدس الأقدس بالنسبة لهم".

الصورة
تضامن غزة مع القدس 3 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

تجدر الإشارة إلى أنّ جدّ إسماعيل، رسمي الحداد (89 عاماً)، كان من التجار الغزيين الذين تربطهم أعمالهم بتجار مقدسيين بالقماش والأثاث، إلى جانب عمله كمدرّس لمادة التاريخ. ويخبر "العربي الجديد" أنّ "العلاقات بين القدس وغزة تاريخية، وهي كانت علاقات اجتماعية واقتصادية وكذلك دينية. لكنّ الاحتلال بدأ يفككها منذ النكبة وصولاً إلى الحصار الذي فرضه على القطاع". ويشير الحداد الجدّ إلى أنّه "منذ طفولتي أسمع أنّ المدينتين الفلسطينيتين البارزتَين لجهة التاريخ والاقتصاد والاستراتيجية هما القدس وغزة. حتى في الحروب القديمة، منذ مئات السنين كانوا يقولون عن غزة حامية القدس، أي أنّ الجيوش التي تعبر إلى غزة لمواجهة القدس يتصدّى الغزيون لها". يضيف الحداد الجدّ "والدليل أنّ صلاح الدين الأيوبي كان يحضّر جيوشه في مدينة غزة، خصوصاً في حيّ الشجاعية الذي سُمّي نسبة إلى شجاع الدين عثمان الكردي، وهو القائد الأيوبي الذي استشهد في القتال ضد الصليبيين. واليوم، تدافع غزة عن القدس بالصواريخ على الرغم من الحصار".

الصورة
تضامن غزة مع القدس 4 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

من جهته، زار بهاء الشيخ (50 عاماً) مدينة القدس للمرّة الأخيرة في عام 2006. حينها قصد طبيبه وزار شقيقته هناك وأدّى الصلاة في المسجد الأقصى. وبعد ذلك، رفض الإسرائيليون ثلاث مرات منحه تصريحا لتلقي العلاج في مستشفيات القدس التي يصفها بأنّها "المعشوقة التي تغيب عنها لسنين ويزيد حبّك لها كلما زادت العوائق". ويشير الشيخ لـ"العربي الجديد" إلى أنّه "على الرغم من أنّ الخروج من قطاع غزة والحصول على فرصة لجوء أو تأشيرة سفر إلى بعض الدول الكبرى صعباً بالنسبة إلينا، لكنّ ذلك يبدو في مرات كثيرة أكثر سهولة من الوصول إلى مدينة القدس. قد نبلغ البيت الأبيض في واشنطن من دون أن نعبر إلى القدس. فالاحتلال يحرص على تفرقة سكان قطاع غزة عن غيرهم من الفلسطينيين". يضيف الشيخ أنّ "القدس بالنسبة إلى الغزيين مرتبطة بحلم التحرير. نحن نربّي أطفالنا على حبّ مدينة القدس ويدرسون عنها كثيراً، لكن عندما يكبرون يُصدمون بواقع أنّها المدينة التي يصعب الوصول إليها. فيزيد بالتالي حبها تلقائياً، وتبرز كواحد من الأماكن المهمة التي تتطلب تضحية. لذا نجد أنّه من الطبيعي أن يخوض الغزيون معركة من أجل القدس وليس من أجل حزب ما".

قضايا وناس
التحديثات الحية

يُذكر أنّ الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع الغزيين جميعاً، حتى المرضى منهم، وفقاً لنظام التدقيق الأمني في خلال الانتقال إلى الضفة الغربية والقدس. ويخضعون إلى الفحص الأمني لأكثر من 40 يوماً. وبينما يسمح بدخول بعض من تخطى خمسين عاماً، فإنّه يمنع كثيرين منهم من الحصول على تصريح. كذلك تُمنع الأسر المرتبطة بأعضاء المقاومة من التنقّل، وتُفرَض عليها سياسة العقاب الجماعي.

المساهمون