لماذا الشك في فاعلية اللقاحات؟

لماذا الشك في فاعلية اللقاحات؟

24 فبراير 2021
وفرة المعلومات يمكن أن تسبب الارتباك وسوء الفهم (Getty)
+ الخط -

سبّبت المعلومات الطبية الخاطئة عن اللقاحات انفجار أزمة لا تقلّ خطورة عن وباء كورونا. وبحسب تقرير حديث صادر عن  صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، فإن ما يعيشه الجمهور اليوم من تدفق للأخبار الطبية غير الصحيحة، يعود تاريخه إلى مرحلة اكتشاف اللقاحات.

وبحسب التقرير، ليس من المفاجئ أبداً هذا الكم من المعلومات الخاطئة والحملات ضد تطعيمات فيروس كورونا، إذ يريد الناس الوصول السريع إلى آخر الأخبار عن اللقاحات وجميع التطورات الأخرى، لكن وفرة المعلومات يمكن أن تسبب الارتباك وسوء الفهم وسوء النية، خاصة أن هذه المعلومات، جلّ مصدرها وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تغيب الرقابة الحقيقية على محتوى المعلومات وصحتها.

يريد الناس الوصول السريع إلى آخر الأخبار عن اللقاحات وجميع التطورات الأخرى

ووفق التقرير، إن تناول الأخبار المضللة بشأن اللقاحات قديمة جداً. ففي القرن التاسع عشر، مع انتشار الصحف الرخيصة في المملكة المتحدة، ازدهرت وانتشرت العديد من المفاهيم الخاطئة، خاصة بعد إعداد مجلات ذات طبيعة شبه طبية موجهة إلى الجمهور العام، لتلبية احتياجات القراء القلقين، الذين طلبوا المشورة بشأن كل شيء من حب الشباب والأرق إلى تساقط الشعر وعسر الهضم.

كافح الأطباء المتخصصون، للتكيف مع السلطات الجديدة للصحافة، إذ يخشى الكثير من عواقب المعرفة الطبية في أيدي الجمهور، بما في ذلك احتمال أن يقوم المرضى ببساطة بالتشخيص الذاتي أو حتى العلاج الذاتي دون مشورة مهنية، مع نتائج كارثية. أعلنت إحدى المقالات الافتتاحية في مجلة لانسيت عام 1887 أن "جميع المساعي لإلهام الجمهور بالمعرفة والقوة الطبية خاطئة، ويجب أن تتوقف". وحذرت مؤسسات مثل الكلية الملكية الأطباء من تناول الصحافة مقالات وأخبار صحية.

كانت المواقف العامة تجاه التطعيم مصدر قلق سائد للأطباء، فقد كشفت المقاومة المتزايدة للتلقيح الإجباري ضد الجدري خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن التاسع عشر هشاشة الثقة بكل من المؤسسة السياسية والطبية. واستخدم المعارضون المتطرفون للقاحات، التظاهرات والنشر للحشد لقضيتهم. كذلك وصفوا بعض الصحف التي لا تؤيد وجهة نظرهم بأنها عدو لهم، وزعم البعض أن الصحف تضلل الناس بشأن سلامة الإجراءات.

وذهب المعارضون للقاحات إلى أبعد من ذلك، فقد أُنشئت مجلات مناهضة للتلقيح من قبل النشطاء في مواجهة استبعادهم المتصور عن الخطاب العام، اعتمد محرروها على المحتوى الانفعالي لإثبات قضيتهم، وملء الصفحات بتقارير عن أمهات مترددات أُجبرن على تطعيم أطفال غير راغبين، وعن أشخاص تعرضوا "للتسمم".

بحلول أوائل القرن العشرين، خففت المؤسسة الطبية من موقفها تجاه مشاركة الجمهور في المناقشات المتعلقة بالمسائل الطبية، ورأى الأطباء على نحو متزايد ضرورة مشاركة المواطنين والدور الذي يمكن أن تؤديه وسائل الإعلام في تشجيع الناس على تنفيذ التدابير الصحية.

بعد الحرب العالمية الثانية، مع التأثير المتزايد للبث التلفزيوني والتغير السريع في المشهد الطبي والثقافي، الذي شهد تقنين الإجهاض، كانت المشاركة الأكثر فعالية بين الأطباء والصحافيين، فكان تأسيس جمعية الصحافيين الطبيين عام 1967 ثمرة تفاعل جدي بين المهنتين، الصحافة والطب. وعلى الرغم من هذه الجهود، إلا أن ذلك لم يمنع من تكرار سيناريو تناول أخبار غير صحيحة. ففي عام 1998، أثارت ورقة أعدّها الباحث Andrew Wakefield تتعلق بارتباط لقاح الحصبة مع مرض التوحد جدلاً كبيراً في الأوساط العلمية، وقد اقترحت بشكل خاطئ وجود صلة بين التوحد ولقاح الحصبة، ساعد ذلك على إحداث انخفاض كبير في ثقة الجمهور بالتطعيم وانخفاض في تناوله. وكشف الجدل أيضاً عن ضعف البنى التحتية للبحوث الطبية أمام البيانات المزورة.

ويختم التقرير الحديث عن هذه الجدلية من خلال الإشارة إلى أن الوضع في القرن التاسع عشر الذي صاحب الأمراض واللقاحات لا يزال هو نفسه اليوم. لذا، إن أفضل وسيلة لتحقيق تدفق المعرفة الطبية بشكل أفضل هو بالمسؤولية المشتركة، وتكامل العمل بين الباحثين والصحافيين والجمهور.

المساهمون