لغات الطيور

لغات الطيور

11 أكتوبر 2020
هناك أنواع تتعلم الغناء من خلال تقليد غيرها (آشيش فيشناف/ Getty)
+ الخط -

سألني صديق قائلاً: "هل تتحدث الطيور مع بعضها بعضاً من خلال الصفير والتغريد؟" فقلت له نعم، ولكن ليس على شاكلة حديث البشر. للصفير والتغريد والنداء معان محددة تفهمها الطيور من النوع نفسه، خصوصاً نداء الخطر أو الذي ينبه بقية الطيور من النوع الواحد، ونداء الأم لصغارها وهي في الجو لتبشرهم بأنها قد أحضرت لهم الطعام، ونداءها لصغارها ليتبعوها أو لتناول الطعام أو الاختباء أو التمويه بسبب وجود خطر ما. أما التغريد، فتفهمه معظم أنواع الطيور المغردة على أنه إما غناء تودّد الذكر للأنثى، أو غناء يغطي مساحة معينة من المكان لإعلانها محظورة على الجميع لأن فيها زوجا قد اتخذها مقراً للزواج والتعشيش والتفريخ والتربية. وعليه، فإن الطيور لا تغرد سوى في فصل الربيع أي فصل التزاوج والتركن في موئل (ملجأ) معين. 
لكن الاستثناء يحصل عند بعض الأنواع كأبو الحن مثلاً الذي يغني في الربيع والصيف والشتاء والخريف ولا يقتصر التغريد عند هذا النوع على الذكور فقط، بل يشمل الأنثى التي تغني كالذكر. وبالنسبة لدارسي الطيور، فهم يعرفون أن الغناء عند الذكر يبقى نفسه عند كل ذكور النوع الواحد وينتقل بالجينات الوراثية من جيل إلى آخر. فمراقب الطيور قد يحدد الأنواع بعد الإستماع إلى غنائها أو زقزقتها أو نداءاتها وذلك في أي موئل كان أو دولة أو قارة يوجد فيها. لكن هناك أنواع تتعلم الغناء من خلال تقليد الآخرين، وتهاجر بعض أنواع الطيور من أوروبا إلى أفريقيا. وهناك تسمع طيوراً مقيمة (غير مهاجرة) تغني، فتتعلم منها قليلاً. ولدى عودتها إلى أوروبا، لاحظ علماء الطيور أنها تغني مثل أنواع أخرى معروف عنها أنها على سبيل المثال موجودة في كينيا، فيعرفون عندها أنها قد أمضت الشتاء في كينيا تحديداً.
وأجرت إحدى الجامعات في أستراليا بحثاً علمياً حول لغة الطائر الثرثار ذي الحنة الكستنائية، وتبين لها أنه يعتمد على نغمتين أو ثلاث يرددها بتركيبات مختلفة بحسب نشاطه. فإن كان طائراً، يلفظ ما يشبه الحرفين كأن ينطق "أ ثم ب". وإذا كان على الغصن ينطق الـ "ب" قبل الـ "أ". وإذا كان يريد تناول الطعام ينطق "أ ثم ب ثم أ"، وهكذا.
لكن ماذا عن الإنسان الذي يتكلم بلغة العصفور؟ هذا النوع من التواصل يتم عبر الصفير بين أفراد القرى في شمال تركيا وجزر الكناري، حيث يتحدث الناس مع بعضهم بعضاً بالصفير، خصوصاً عندما يكونون على مسافة بعيدة قد تصل إلى ثلاثة كيلومترات. وتنبهت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" إلى أن هذه اللغة بدأت تتجه نحو الانقراض بعد تطور وسائل الاتصال، وأعلنت أن هذه اللغة التي يبلغ عمرها نحو 500 عام هي من ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للمنظمة. وهي بالفعل لغة موسيقية متنوعة النغمات والطبقات وغنية بالمعاني، إذ يبدو أن كل حرف في اللغة المحكية تقابله نغمة موسيقية. وهي لغة تمثل الطريقة الأسهل والأسرع للتواصل عبر المسافات في بيئة وعرة التضاريس، حيث يتمكن الأهالي عبر الصفير من إيصال الأخبار الهامة مثل دعوات الزفاف والإعلام بوفاة شخص أو مرضه، أو طلب خدمات من الآخرين، إلخ. 

موقف
التحديثات الحية

وهناك اللغة العصافيرية، وتنقسم إلى نوعين. النوع الأول هو خاص ببعض الشعوب والقبائل الغجرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا وخارجه الذين يتكلمون اللغة العصافيرية، وهي خليط من التركمانية والأوردية والهندية والكردية؛ والنوع الثاني من اللغة أنتج من قبل أشخاص لم يكن لديهم عمل أو لأنهم أرادو تشفير كلماتهم حتى لا يفهمها الغريب، كأن يضيفو إلى الكلمة حرفاً معينا يكررونه بعد كل حرف من الكلمة الأصلية مثل القول: "أنا أريد"، فيقول "أزنزا أزرزيزد". هذه اللغة يسميها البعض "وازو وازي" أي عصفور باللغة الفرنسية، تضاف إليها الأحرف الأكثر استعمالاً بالإضافة إلى الكلمة الأصلية وهي الواو والألف والزين والياء.
*متخصص في علم الطيور البرية

دلالات

المساهمون