لعبة حجارة... بولندا وبيلاروسيا تتقاذفان المهاجرين

لعبة حجارة... بولندا وبيلاروسيا تتقاذفان المهاجرين

17 نوفمبر 2021
قطعوا شجرة لمحاولة التدفئة (أوكسانا مانشوك/ فرانس برس)
+ الخط -

زاد الضغط بشكل كبير على دول الاتحاد الأوروبي خلال الأيام الأخيرة مع تفاقم أزمة المهاجرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، حيث يحاول الآلاف منهم، وغالبيتهم من دول الشرق الأوسط، اختراق الحواجز الشائكة للوصول الى وسط أوروبا وغربها. والأكثر خطورة طريقة تعامل جنود البلدين مع المهاجرين، إذ تتحدث تقارير عن محاولات لإخضاعهم وإذلالهم في ظل مواجهتهم ظروفاً إنسانية غير لائقة ومخاطر صحية بسبب الطقس السيئ، والتي تترافق مع تعرضهم لأعمال عنف ينفذها آلاف الجنود البولنديين الذين نُشروا لقمعهم، وحصارهم عبر نصب كيلومترات من الأسلاك الشائكة المرتفعة لمنعهم من اختراق الحدود. 
يدأب الاتحاد الأوروبي على تكرار أنه يريد حدوداً آمنة. ويشير مسؤولوه إلى أنهم يخططون لبناء جدار واقٍ شرق القارة لوقف الهجرة المفتوحة من بيلاروسيا، ما يجعله يواجه انتقادات دولية، بينها لنائبة الأمين العام لفرع منظمة العفو الدولية في ألمانيا، جوليا دوشروف، التي تشدد على ضرورة كسر دوامة العنف على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، وضمان وارسو فوراً وصول المنظمات الدولية، مثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة ومنظمة "أطباء بلا حدود"، إلى المهاجرين المتواجدين على الحدود من أجل توفير الرعاية الإنسانية والطبية لهم، علماً أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ألزمت خلال أغسطس/ آب الماضي وارسو القيام بهذا الأمر.

وتندد دوشروف برفض بولندا "غير القانوني للاجئين الذي ينتهك القانون الدولي، خصوصاً أن الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل على الحدود الأوروبية يصلون من مناطق الأزمات، ومن حقهم طلب الحصول على حماية وتقديم طلب لجوء قانوني، وألا يتحولوا إلى لعبة للمصالح الجيوسياسية، تعرضهم لخطر مواجهة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان". 
وتقول صحيفة "بيلد" الألمانية إن "الاتحاد الأوروبي يتخذ هذه الإجراءات الحازمة ضد السلوك الغادر وغير الإنساني للرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو وحلفائه الروس"، علماً انه كان دعا في مقابلة أجريت معه أخيراً إلى "سماح بولندا بعبور اللاجئين لأنهم لا يريدون الاستقرار فيها، بل المغادرة بالدرجة الأولى إلى ألمانيا". 
وهناك مؤشرات لتحول مذهل في سياسة الهجرة التي يطبقها الاتحاد الأوروبي الذي بات أكثر استعداداً لتقديم دعم مالي لبناء جدران حدودية. وكتبت صحيفة "دي فيلت" الألمانية: "فتح رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل فجأة خلال زيارته الأخيرة إلى بولندا باب إمكان تمويل الاتحاد بناء أسوار على الحدود. وإذا حصل ذلك سيشكل هزيمة سياسية خطرة لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين التي كانت عارضت بشدة دفع تكاليف الحواجز والجدران من الميزانية الأوروبية، علماً أن القرار يتطلب موافقة المفوضية المسؤولة عن إنفاق الاتحاد".
وفي السياق، دعم وزير الداخلية النمساوي كارل نيهامر منح المفوضية مساعدات مالية لبولندا من أجل إقامة جدار حدودي بطول 400 كيلومتر مع بيلاروسيا. واعتبر أن "المفوضية تكرر الأخطاء ذاتها التي ارتكبتها مع ليتوانيا، ما يوجّه إشارة خاطئة تماماً للمهربين. ونحن مستعدون لمساعدة بولندا كما فعلنا مع اليونان في ربيع 2020 وليتوانيا صيف العام الحالي، حين شاركنا بقوات خاصة وطائرات من دون طيار ومركبات مدرعة وأجهزة رؤية ليلية وتكنولوجيا التصوير الحراري في حماية حدود أوروبا".

الصورة
يفكر بوسيلة للنجاة (أوكسانا مانشوك/ فرانس برس)
يفكر بوسيلة للنجاة (أوكسانا مانشوك/ فرانس برس)

انتهاك قانون اللجوء البولندي
في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دخل قانون جديد حيز التنفيذ في بولندا يسمح بتجاهل طلبات اللجوء، ويجيز بإعادة أي مسؤول أمني اللاجئين الى بيلاروسيا من دون سؤالهم عن سبب هجرتهم، ما اعتبره خبراء قانونيون بولنديون ودوليون انتهاكاً للدستور البولندي نفسه، واتفاقية جنيف للاجئين وميثاقي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان.
ودفع ذلك أحزاب المعارضة في بولندا إلى المطالبة بالسماح بوصول وسائل الإعلام ومنظمات الإغاثة إلى المناطق الحدودية لتقديم المساعدة، ومشاركة وكالة حماية الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي (فرونتكس) بالمهمة، وهو ما رفضته سلطات بولندا بالكامل. 
ويبرر رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراوسكي عدم إعطاء حكومته الإذن بتغطية الإعلام الأحداث على الحدود "بإعلان بلاده حال الطوارئ في مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي ضمن مجال 3 كيلومترات من الحدود مع بيلاروسيا، واحتمال تأثير الإعلام سلباً على الرأي العام في الغرب، وتشجيعه على تعريض حكومتنا لاستفزازات"، علماً أن الصحافيين والأطباء والمحامين الذين يدخلون المنطقة المحظورة يعاقبون بالسجن لمدة 48 ساعة. 
ويشمل قرار منع الدخول أيضاً النواب المعارضين في بولندا، رغم الحصانة التي يمنحها لهم الدستور، علماً أنهم أبدوا رغبتهم في الاطلاع عن كثب على وضع المهاجرين والظروف المأساوية التي يتواجدون فيها بلا رعاية طبية وإعانات وأدوية.
واللافت أن تعمد حرس الحدود البولندي إبعاد المهاجرين عن السياج الحدودي لإعادتهم الى حدود بيلاروسيا باستخدام رذاذ الفلفل والغاز المسيّل للدموع، لم يمنع بعضهم من اختراق الحدود الى الجانب الآخر. وكتبت "بيلد" إن "إعادة المهاجرين إلى بيلاروسيا تحصل بلا رحمة وبغض النظر عما إذا كان بينهم مرضى أو مصابون. وقد تلقى سبعة صوماليين إسعافات أولية من متطوعين بولنديين، بعدما أعادتهم قوات حرس الحدود الى الغابات، حيث تنخفض درجات الحرارة جداً خلال ساعات الليل". ونقلت عن أحد الأمنيين قوله: "هؤلاء الناس مثل الحجارة التي يلقيها إلينا جنود بيلاروسيا من فوق السياج، ثم نرميها إليهم مجدداً". 
وتظهر صور وأشرطة فيديو تجمّد مهاجرين من البرد القاسي رغم شمس الظهيرة، وإصابة أقدامهم بجروح وسيلان دماء منها، وانتفاخ بعضها لدرجة لا تتناسب مع أحذيتهم . وتفيد "بيلد" بأن المهاجرين العالقين يعانون من نقص في الطعام ويشربون من البرك المحيطة، وأن بعضهم كادوا أن يغرقوا في الأنهر خلال محاولتهم الفرار من حرس الحدود، قبل إنقاذهم في اللحظات الأخيرة. وتشير إلى تقديم نشطاء في المنطقة الحدودية بعض المساعدات الميدانية. وتنقل أيضاً عن جندي بولندي قوله إن "الجنود في بيلاروسيا ينقلون المهاجرين بسياراتهم العسكرية الى الحدود مع بلاده، ثم يعودون إلى الداخل لجلب المزيد منهم وبينهم أطفال ونساء حوامل. أما عناصرنا فتسيّر دوريات راجلة وأخرى تستخدم آليات ليلاً ونهاراً لمنع أي اختراق". 

الصورة
وجهاً لوجه مع العسكر البولندي (أوكسانا مانشوك/ فرانس برس)
وجهاً لوجه مع العسكر البولندي (أوكسانا مانشوك/ فرانس برس)

تشكيك بالمهاجرين
وفي شأن جنسيات المهاجرين، يشكل الأكراد العراقيون العدد الأكبر منهم. وتورد "بيلد" أن "هؤلاء يغادرون عبر تركيا إلى مينسك آتين من مدينة أربيل في كردستان العراق حيث لا حرب ولا ديكتاتور كما هو الحال في سورية وإيران اللتين يقدم عدد من مواطنيهما طلبات لجوء سياسي، كما تتمتع أربيل بمناظر طبيعية خلابة ينصح أوروبيون بزيارتها".
لكن تقارير أخرى تشير إلى أن "الأكراد الذين يرغبون في الوصول الى الاتحاد الأوروبي غالبيتهم من شمال شرقي سورية أقاموا في مناطق الحكم الذاتي في كردستان. وهم يقولون إن مناطقهم في شمال سورية شهدت معارك مع تنظيم داعش، ما اضطرهم إلى الهروب من سورية عبر الحدود إلى مخيمات اللاجئين في شمال العراق خلال السنوات القليلة الماضية". وتقدر التقارير عددهم بين 200 ألف و300 ألف من السكان الأكراد في المنطقة .

أما المهاجرون الأكراد من كردستان العراق نفسها فيتحدثون عن تدهور الوضع الاقتصادي في الإقليم خلال السنوات الأربع الماضية، وتضاؤل الحريات السياسية في شكل ملحوظ، بتأثير اتخاذ الحزب الحاكم في الإقليم إجراءات صارمة ضد منتقديه، بينها إصدار أحكام بسجن عدد من الصحافيين والناشطين في مايو/ أيار الماضي، والقيام بأعمال تعذيب وخنق لحرية التعبير، رغم أن المنطقة كانت تتمتع بهامش نسبي من الحريات العامة مقارنة بدول الجوار مثل إيران وسورية.

المساهمون