لسعات النحل... علاج طبيعي للأمراض في قلب دمشق

26 ابريل 2025
علاج بلسعة نحلة، 23 إبريل 2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في ظل الأزمة الاقتصادية في سوريا، يتجه العديد من السوريين نحو العلاج بلسعات النحل كبديل منخفض التكلفة، حيث يُمارس الطبيب عصام عودة هذا العلاج في دمشق باستخدام منتجات النحل مثل العسل والعكبر.

- يُمارس المهندس عبد الكريم الدير تربية النحل لجمع سم النحل، الذي يحتوي على مواد نشطة تعمل كمضادات للالتهابات وتساعد في علاج الأمراض العصبية والمناعية، رغم عدم وجود دراسات علمية كافية تؤكد الفوائد.

- يستمر الجدل حول فعالية علاج لسعات النحل، حيث يُستخدم في بعض الدول كمكمل علاجي، بينما يُعتبر في دول أخرى علاجاً بديلاً يحتاج لمزيد من الدراسات.

في ظل ارتفاع تكاليف الأدوية والعلاجات التقليدية، أصبحت العودة إلى الطبيعة خياراً لسوريين كثيرين أنهكتهم الأمراض ولم يجدوا علاجاً فعالاً في الطب الحديث، ما دفهم نحو تجربة لسعات النحل

داخل عيادته المزدحمة في العاصمة دمشق، يُمارس الطبيب السوري عصام عودة أحد أقدم أساليب العلاج الطبيعي التي عرفها الإنسان، وهي العلاج بلسعات النحل.
وهذا العلاج ليس مجرد أسلوب بديل بل ممارسة قديمة متجذرة في حضارات شعوب قديمة استخدمته للتعامل مع أمراض مزمنة ومشكلات صحية متنوعة. وهو محط اهتمام واسع في سورية اليوم وسط الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تدفع كثيرين إلى البحث عن حلول منخفضة التكلفة وأكثر طبيعية للعلاج.
يقول الطبيب عودة الذي يرأس الرابطة السورية لطب وتربية النحل لـ"العربي الجديد": "ليست خلية النحل مجرد موطن لكائنات صغيرة، بل صيدلية طبيعية تحتوي على العسل والعكبر وسم النحل، وجميعها توفر علاجات فعّالة لمجموعة واسعة من الأمراض، من بينها تلك التي تصيب الجهاز العصبي والمفاصل والجهاز التنفسي".
ويوضح أن "العلاجات تستند إلى بروتوكولات علمية دقيقة، إذ يحدد الطبيب أماكن اللسع بحسب حالة المريض، وتجري متابعته لضمان تحقيق النتائج المرجوة. وتبدأ جلسات العلاج بلسعة واحدة، ويمكن أن تصل إلى عشر لسعات في الجلسة الواحدة بتكلفة لا تتجاوز 20 ألف ليرة سورية (2 دولار)، ما يجعل العلاج في متناول شرائح واسعة من المرضى. والعلاج لا يقتصر على لسع النحل فقط، بل يشمل أيضا استخدام منتجاته مثل العسل والعكبر، وهي مكملات تعزز فعّالية العلاج الطبيعي وتساعد على تحسين صحة المرضى  واستعادة التوازن الطبيعي للجسم".
يتابع: "أُعطي المريض لسعة نحلة أو مجموعة لسعات من خلال منظومة كاملة، وأصف العسل والعكبر لتقديم الفائدة الكاملة للمريض. اللسعة المباشرة هي الأفضل في العلاج أو من خلال تحويل سم النحل إلى مصل أو استنشاق السم، والبعض يستخدم السم عبر قطرات كما يحدث في مصر أو عن طريق الحقن تحت الجلد، أما العلاج العشوائي فمرفوض".
على أطراف مدينة دمشق، وتحديداً في منطقة عربين، يُمارس المهندس عبد الكريم الدير تربية النحل، ليس لجني العسل فقط، بل لجمع سم النحل بهدف استخدامه في العلاج الطبيعي. يرتدي ملابس واقية ويتنقل بين خلايا النحل بحذر، وهو يتمسك بقيمة عمله لأن كل لسعة تحمل علاجاً محتملاً لكثير من الأمراض المزمنة.

يؤكد الدير لـ"العربي الجديد" أن "سم النحل يحتوي على مواد نشطة تشمل إنزيمات وبروتينات وأحماضا أمينية تجعله مضاداً قوياً للالتهابات يساعد في تخفيف الألم وعلاج الأمراض العصبية والمناعية المزمنة، وبعض المرضى الذين يعانون من التصلب اللويحي أو الروماتيزم المزمن استفادوا من هذا العلاج بطريقة ملحوظة".
عموماً يُعرف لسع النحل بأنه تجربة مؤلمة للمرضى الذين يخضعون للعلاج، فهم يشعرون بألم شديد في مواضع اللسع، لكن بعضهم يعتبرونه وسيلة طبيعية للشفاء. وهناك قصص عدة عن أشخاص عانوا من مشكلات صحية مختلفة، مثل التهاب المفاصل أو الأمراض العصبية، ووجدوا تحسناً بعد الخضوع للعلاج بلسعات النحل.
واللافت أن أشخاصاً يتحدثون أيضاً عن تأثير لسعات النحل على نمو الشعر. ويروي بعضهم أنهم تعالجوا من مشكلة الصلع بهذه الطريقة، وأن شعرهم نما مجدداً بعدما تعرضوا للسعات النحل في مناطق معينة من الرأس. 

لائحة العلاجات، 23 إبريل 2025 (العربي الجديد)
لائحة العلاجات، 23 إبريل 2025 (العربي الجديد)

ورغم عدم وجود دراسات علمية كافية تؤكد هذه الفرضية، لكن تجارب شخصية لبعض المرضى تثير الفضول، وأحدها للسوري موسى الجاني الذين تلقى علاج لسعات النحل بإشراف الدكتور عصام عودة، بعدما عانى من مشاكل في المفاصل أفقدته القدرة على المشي، فاستطاع بعد شهر من العلاج أن يعود إلى حياته الطبيعية ويستأنف عمله في التجارة.
أيضاً خضع محمد الحسين الذي عانى من مرض التصلب اللويحي، لثلاثين جلسة علاج بلسعات النحل، بمعدل ثلاث جلسات أسبوعياً، وتحسنت في شكل ملحوظ قدرته على الحركة بعدما فشلت العلاجات الكيميائية في مساعدته.
وترى منى السيد التي خضعت لعلاج لسعات النحل أيضاً، أن مزيداً من الناس يتحولون إلى العلاج الطبيعي البديل بسبب ارتفاع تكاليف العلاج الطبي وزيادة الوعي بوسائل التداوي الطبيعية، وتقول إن "كثيرين يتعرفون على العلاج عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال الحكايات والتجارب الشخصية".

يُشرف أطباء مجازون على العلاج بلسعة نحل، 23 إبريل 2025 (العربي الجديد)
يُشرف أطباء مجازون على العلاج بلسعة نحل، 23 إبريل 2025 (العربي الجديد)

ورغم النتائج الإيجابية التي حققها علاج لسعات النحل لبعض المرضى يستمر الجدل العلمي في شأن فعّاليته ومدى إمكانية اعتماده علاجا رسميا للأمراض المزمنة، ففي بعض الدول، يُستخدم سمه باعتباره مكملاً علاجياً إلى جانب العلاجات الطبية التقليدية، بينما لا يزال يُنظر إليه في دول أخرى بوصفه علاجا بديلا يحتاج إلى مزيد من الدراسات والتجارب السريرية.
وأجريت بعض الدراسات العلمية حول تأثير سم النحل على أمراض المناعة والتهابات المفاصل، وأظهرت بعض النتائج الإيجابية، لكن الأطباء يشيرون إلى ضرورة إجراء بحوث أوسع وأعمق لتأكيد تأثيراته طويلة المدى وتحديد الجرعات المثالية لكل حالة.

ويُعرف علمياً أن سم النحل تحديداً يحتوي على مادة "ميليتين" التي تشكل نحو 50% من تركيبته وتتميز بخصائصها المضادة للالتهابات والبكتيريا، ما يحمي البشرة من الإصابة بالحبوب والالتهابات، وأيضاً مادة "أبامين" التي تحسّن الإشارات العصبية وتساعد في تحفيز الدورة الدموية، ومادة "ببتيدات" التي تعزز إنتاج "الكولاجين" و"الإيلاستين"، وإنزيمات "هيدروليز" التي تساعد على تكسير الخلايا التالفة وتحفّز تجديد الجلد.
ولا ينحصر العلاج بلسعات النحل في سورية فقط، فهو ينتشر في مصر وفلسطين ولبنان ودول أخرى في المنطقة. والجدل كبير حول فعّاليته وآثاره الجانبية. ومع ذلك يُواصل المرضى اللجوء إليه بأمل الشفاء من دون الاهتمام بالنقاشات العلمية، فهم ينشدون أي علاج قد يساعدهم في التغلب على أمراضهم.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السوريون، يبدو أن الطب التقليدي بات خياراً ضرورياً لكثيرين باتوا لا يستطيعون تحمّل تكاليف العلاجات الحديثة. وبينما يزداد اهتمام الباحثين بهذه العلاجات الطبيعية، يتجدد طرح السؤال حول هل يمكن أن يشكل سم النحل ثورة علاج في المستقبل، أم سيظل خياراً ضمن الطب البديل فقط؟

المساهمون