لبنان: وثائقي ومعرض عن نساء مفقودي الحرب

لبنان: وثائقي ومعرض عن نساء مفقودي الحرب

14 أكتوبر 2021
ما زالت تبكي فقيدها (العربي الجديد)
+ الخط -

"مؤجّل" وثائقيّ يختزل بثلاث وعشرين دقيقة حكاياتٍ مريرة لخمس نساء من أهالي المفقودين والمخفيين قسراً خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)، سردن مدى قسوة الفقدان ولوعة المصير المجهول، وعبّرن ببضع كلماتٍ عن ألم الانتظار والقدر المؤجّل، وعن حياةٍ تُركن فيها أسرى وحدتهنّ وعذاباتهنّ.
يتضمن الوثائقي شهادات لنساء تختصر معاناة الأهالي بعد مرور 31 عاماً على انتهاء الحرب الأليمة، بالإضافة إلى معرض صورٍ تزامن مع إطلاق الفيلم الوثائقي، تحت عنوان "بَعدُن"، يروي قصص 14 سيدة من أصل ما يقارب 17 ألف رواية لنساءٍ فقدن أحبّتهنّ خلال الحرب الأهلية، فأُجبرن على تحمّل وزر الحرب العبثية وعواقبها المروّعة.
بغصّةٍ، ترسم زينة حبّال من مدينة صيدا (جنوب لبنان) صورة شقيقها فادي، الذي فُقد وهو في التاسعة عشرة من العمر، وتحكي من خلال الوثائقي كيف رسمته في مختلف مراحله العمرية استناداً إلى روايات المعتقلين السابقين. وتقول: "الجمرة لا تكوي إلا مكانها، وقد توقّف الزمن عند والدتي منذ ذلك التاريخ، فهي تقضي أيامها على كرسيّها أمام النافذة، عيونها على الطريق في إنتظار عودة فادي إلى أحضانها وقلبها". أمّا أمل شحادة من المدينة نفسها، فتسبقها دموعها لدى حديثها عن فقدان شقيقيها خالد وفادي وهما في ريعان الشباب، وتقول: "نحن رحنا انتهينا، لقد فتّشنا لأشهر وليالٍ وانتظرنا بفارغ الصبر، فكانت كلّ ساعة انتظار تضاهي عاماً كاملاً، ووالدتي توفّيت بحرقتهما".

الصورة
معرض لمفقودي الحرب الأهلية (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

بدورها، أصيبت ليلى شباب من بلدة مغدوشة (جنوب البلاد)، بانهيارٍ عصبي لدى معرفتها بفقدان شقيقها أنطوان. وتقول بحسرةٍ: "منعني القصف حينها من أن أودّعه كما يجب، لوّحتُ له بيدي ولم أكن أعلم أنّها المرة الأخيرة التي أراه فيها. يا ليتني غمرته، ما زالت حرقةً في قلبي، لكنّنا نعيش على أمل أن يعود". وتسرد في الفيلم خواطر تخاطب بها شقيقها، قائلةً: "يا دروب الطفولة اندهيله معي، وضحكاته الخجولة قوليلا ارجعي، اندهيله بصوت الحلم واحكيله حكاية أم... برجْعة ضناها ترقص وتتباهى". وتؤكّد في حديثها لـ"العربي الجديد" أنّ "القضية لا تموت، فالجرح حيّ ينزف كلّ يوم منذ 36 عاماً، منذ اختفائه وهو على طريق زحلة (البقاع الأوسط)، نريد معرفة مصيره، إذا كان حيّاً نريد عودته، وبحال توفّي نريد رفاته لنصلّي عليه".

نور حنّا من قرية جدايل في محافظة جبل لبنان، تتحدث عن فقدان شقيق زوجها، وتقول: "مرضتْ والدته وأُصيبت بالشلل، قبل أن تصبح طريحة الفراش لخمس سنوات. لم يعد عندنا أيّ حياة، كلّ همّنا أن نعرف أين هو وماذا حلّ به". وفي المقلب الآخر، مسنّةٌ لم يفارقها اللون الأسود منذ اختطاف ابنها البكر عام 1983 وهو في التاسعة عشرة من عمره. هي غضية قهوجي من مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، حفرت لابنها قبراً فارغاً تزوره كل يوم خميس، تقضي نهارها حتى حلول المساء، تروي قبرَي ابنها وزوجها الذي مات بحسرته، تقرأ الفاتحة وتمضي. غضية التي اختزلت تجاعيد وجهها مأساة العمر، تقول: "نبتت فوق قبر ابني شجرة تظلّله، أزورها بين الحين والآخر وأجلس تحتها لساعاتٍ".

الصورة
معرض لمفقودي الحرب الأهلية (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

أمّا أنجاد المعلّم، فتقول لـ "العربي الجديد": "والدي مفقود منذ 37 عاماً، وقد اختطف من داخل الثكنة التي كان يخدم فيها، علماً أنّنا عرفنا لاحقاً من المعتقلين السابقين في السجون السورية الذين أُفرج عنهم عام 2000، أنّه لا يزال معتقلاً هناك". تضيف: "فقدنا سند البيت. كان عمري خمس سنوات ونصف السنة عندما ودّعته قبل ذهابه إلى خدمته العسكرية. أختي الصغيرة لا تعرفه إلا بالصورة. أمّا أنا فأبصره دائماً في منامي، وكم أتوق لأردّد كلمة بابا التي حُرمنا منها لأكثر من ثلاثة عقودٍ".
إلى ذلك، تقول رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين قسراً وداد حلواني، لـ "العربي الجديد"، إن "نساء المفقودين والمخفيين خلال الحرب يتعرّضن لعنفٍ مضاعف، عندما يتمّ تهميشهنّ وحرمانهنّ من معرفة حقيقة مصير أبنائهنّ وأقاربهنّ". تضيف: "يعكس المعرض وجع كلّ أم وزوجة وابنة وشقيقة مفقود، لكن آن الأوان لندرك أنّه لا يجوز أن نصبح صوراً كصور مفقودينا. فقد استطعنا انتزاع قانونٍ كرّس حق كلّ عائلة بمعرفة مصير مفقودها. وبعد عامين على إقراره صدر المرسوم التطبيقي بتشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً، لكن للأسف لا تزال عديمة الفعالية، فهي لم تُعطَ مقرّاً ولو مؤقتاً، ولم يُخصّص لها التمويل اللازم، ناهيك عن استقالة أربعة من أعضائها من دون أن يُعيّن بديلاً عنهم لغاية تاريخه".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي السياق، تشير مسؤولة المشاريع لدى "الحركة القانونية" في لبنان غابريال مشعلاني، إلى أنّ "الهدف من المعرض والفيلم يتمحور حول دعم أهالي المفقودين والمخفيين قسراً، لا سيّما النساء، للتعبير عن أنفسهنّ ومساندتهنّ في حلّ مشاكل الإرث والمحاكم أو حمايتهنّ من العنف وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي". وتضيف لـ "العربي الجديد": "أردنا كذلك التذكير بأنّ قضيّتهنّ لا تموت، والتحذير من عواقب الحرب وتداعياتها الأليمة".

الصورة
معرض لمفقودي الحرب الأهلية (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

من جهته، يقول الممثل اللبناني نقولا دانيال، لـ "العربي الجديد": "إنّها مأساة كبيرة على مستوى الوطن، ومن الضروري وضع حدّ لهذا الحزن والألم، بما يفرج قلوب الأهالي الذين يعيشون على الأمل، ويذوقون لوعة الفراق منذ عقودٍ".
ويشدّد الشاعر اللبناني نزار فرنسيس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أنّ "الجرح لا يزال مفتوحاً، وأبطال الحرب، الذين هم اليوم في موقع المسؤولية، لم يطووا بعد هذا الملف المؤلم، في ظلّ غياب الاهتمام الرسمي الكافي".

المساهمون