لبنان: مؤشرات خطرة لأسوأ موسم حرائق

لبنان: مؤشرات خطرة لأسوأ موسم حرائق

23 سبتمبر 2021
إمكانات بشرية محدودة لمواجهة الحرائق (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

 

ثلاث سنوات عجاف شهدها لبنان، وما زالت انعكاساتها الدراماتيكيّة تواكب حياة مواطنيه حتى اليوم. وإلى جانب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي ترافقت مع معاناة ومآسٍ مستمرة، حضرت الحرائق الكثيرة التي التهمت الأخضر واليابس، وهددت اللبنانيين في مكان عيشهم مع أطفالهم وعائلاتهم.

توضح الأرقام والبيانات الحجم الهائل للخسائر التي لحقت بالثروة الحرجية والإيكولوجية، وطاولت أشجاراً وغابات يفوق عمرها 700 عام، في وقت لم يطرأ أي تحديث منذ 12 عاماً على الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات، والتي يقول البعض إنّ معظم بنودها "حبر على ورق".

يعتبر مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئيّة بجامعة البلمند الدكتور جورج متري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "السنوات الثلاث الأخيرة شهدت مواسم الحرائق الأكثر سوءاً في لبنان"، مضيفاً: "التهمت حرائق عام 2019 مساحة أكثر من 3 آلاف هكتار، خصوصاً من أراضي أشجار الصنوبر، وغالبيتها في محافظة جبل لبنان. كما شهدت عمليات إخماد هذه الحرائق صعوبات كبيرة ترافقت مع مهمات ميدانية خطرة، لأنها اندلعت في مناطق سكنية. أيضاً، التهمت حرائق في العام ذاته غابات أشجار اللزّاب والشّوح في عكار (شمال) والبقاع (شرق).

الصورة
المخاطر أكبر بلا تجهيزات مناسبة (جوزيف عيد/ فرانس برس)
المخاطر أكبر بلا تجهيزات مناسبة (جوزيف عيد/ فرانس برس)

ويتابع متري بأن "عام 2020 شهد حرائق كارثية أشعلت مساحات تناهز 7 آلاف هكتار، خصوصاً في عكار، علماً أن المعدّل السنوي السابق للمساحات المحترقة كان يناهز ألف هكتار. وللمرة الأولى، بلغت الحرائق غابات الأرزٍ، وهو أمر خطر لا نزال نجري دراسات حول أسبابه وبينها الجفاف، ما يهدد الأشجار وأصناف النباتات والزهور التي تنمو على المرتفعات فقط". يضيف: "ما زلنا اليوم في منتصف موسم حرائق السنة الحالية، لكن من الواضح أن الوضع سيئ، بعدما التهمت نيران حريق واحدٍ 1500 هكتار من الأراضي خلال أيام معدودة في عكار(شمال)، وألحقت خسائر كبيرة بالثروة الإيكولوجية، أهمها احتراق نباتات نادرة غير معتادة على مواجهة الحرائق، ما يعني أنها باتت مهدّدة بالانقراض".

ويحذّر متري من تعرّض الغطاء الحرجي الذي يميّز لبنان لمخاطر الزوال خلال ساعاتٍ. "فالحرائق بلغت غابات وأشجاراً نادرة يفوق عمرها 500 و600 عام، وبينها شجرة اللزّاب في البقاع التي يفوق عمرها 700 سنة، ولا يمكن تعويضها بشجرة عمرها 8 أشهر". وفي شأن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الحرائق التي أقرّت عام 2009، يوضح متري أنّ "الأجزاء الخاصة بالأبحاث والمعلومات والدراسات نفِذت من دون أي شيء آخر يتعلّق بتخفيف المخاطر وتعزيز جاهزية المكافحة أو حتى إعادة التأهيل. وأنا أدعو إلى وضع خطط لإدارة الغابات، فالأكيد أن الخطر سيزداد في المستقبل، وستحصل كوارث أسوأ".

من جهته، يحذر منسّق برنامج الحفاظ على الطبيعة في "جمعية الثروة الحرجية والتنمية" (AFDC) هشام سلمان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، من أن "وتيرة الحرائق تتسارع بتأثير تغيّر المناخ، فتدنّي نسبة الرطوبة وارتفاع درجات الحرارة واشتداد سرعة الرياح تجعل الحرائق كارثية". يضيف: "بغض النظر عن كون الحريق مفتعلاً أم لا، من الضروري التوعية في شأن أهمية الوقاية وتحديث القوانين من أجل زيادة فعالية إدارة الوقود، أي الكتلة الحيوية الموجودة في الطبيعة والقابلة للاشتعال. ولا يمكن أن نتجاهل مسألة تغيّر استخدامات الأراضي من زراعية كانت تشكّل فواصل للحدّ من انتشار النيران، إلى أراضٍ عشبيّة أو حرجيّة تسمح بتمدّد الحرائق".

ويشير سلمان إلى أن تطاير مادة الكربون من عوادم السيارات والشاحنات قد يشعل حريقاً، لأن حرارة هذه المادة تفوق 300 درجة مئوية. كما أن الحريق يبدأ في العشب أولاً، من هنا ضرورة تنظيف الأحراج وجوانب الطرق، واتّباع إدارة مستدامة وتنظيم الرعي وتكثيفه في المناطق المهدّدة". ويشرح سلمان أن دولاً تعتمد نموذج افتعال حرائق خلال الربيع وإدارتها من أجل تفادي خطر أكبر خلال الخريف، عبر تكريس آلية تحوّل النيران إلى فواصل للوقود.

الصورة
مساحات محترقة (جوزيف عيد/ فرانس برس)
مساحات محترقة (جوزيف عيد/ فرانس برس)

ويكشف سلمان أن "جمعية الثروة الحرجية والتنمية" تتواصل مع المنظمات الدولية لإعداد خططٍ محلية لإدارة حرائق الغابات على مستوى البلديات واتحاداتها، من خلال تشكيل لجانٍ محلية مدربة قادرة على نشر التوعية والاستعداد والاستجابة المنظمة، تمهيداً لإدراك كيفيّة التصرف مع الحرائق، وتجهيز المياه والآلات والمعدّات، والاستعانة بالموارد المحلية والخارجية، وتحديد مكامن الخطر في البلدات وإدارة الوقود فيها، إضافة إلى تعميم النشرات الصادرة حول وجود خطر حريق في منطقة ما". يضيف سلمان: "لا تنوي أجهزة الدولة توظيف عدد كافٍ من عناصر الدفاع المدني، ما يعني استمرار العجز في مكافحة الحرائق. وقد نفذت بعض بنود الاستراتيجية الوطنية، وبقيت الأخرى حبراً على ورق، علماً أنه يجب تحديث هذه البنود بعد مرور 12 عاماً على إقرارها".

في السياق، يشير مدير العمليات في الدفاع المدني جورج أبو موسى إلى النقص الذي يعاني منه الجهاز في عدد العناصر، "فهم لا يشكّلون فعلياً أكثر من 5 في المائة من إجمالي العدد، لذا نعتمد على متطوّعين لا يتقاضون أي راتب، في وقت يجب أن يضم الجهاز 5 آلاف عنصر على الأقل من أجل تنفيذ واجباتنا على أكمل وجه. وبالنسبة إلى الآليات والتجهيزات، لم نحصل على أيّ آلية جديدة منذ عام 2000، ما ينعكس سلباً على سير العمل الذي لا يمكن أن يحصل باستخدام آلية تتعطّل بين حين وآخر، وتعتبر كلفة صيانتها مرتفعة جداً بسبب الأزمة الراهنة".

بيئة
التحديثات الحية

يضيف أبو موسى: "رغم كلّ الصعوبات، ننفذ مهماتنا على مدار 24 ساعة بالإمكانات الموجودة. لكننا نعلم أن استمرار الواقع الحالي يهدد بجعل لبنان أشبه بصحراء، لذا نطالب البلديات والأهالي والمجتمع المدني بالاضطلاع بدورهم في الحدّ من الحرائق، سواء على صعيد تأمين موارد الماء أو الحفاظ على نظافة الأحراج، وعدم إشعال النار عندما تكون درجات الحرارة مرتفعة. أما الدولة، فلا يمكن أن نطلب منها شيئاً في ظلّ الظروف الحالية، لأنّ لا شيء سيتحقق".

المساهمون