لبنان: لاجئون سوريون مطرودون من الخيام رغم البرد

لبنان: لاجئون سوريون مطرودون من الخيام رغم البرد

19 يناير 2022
تتكرر هذه المأساة كل شتاء (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

ليلة عصيبة مرّت على اللاجئين السوريّين في لبنان، مع حلول العاصفة الثلجية القاسية التي أُطلق عليها تسمية "هبة". وعانى البعض من جراء تلف الشوادر وتسرّب مياه الأمطار والثلوج داخل الخيام والبيوت عدا عن البرد القارس.

هؤلاء لجأوا إلى البطانيات أو عمدوا إلى إحراق الأوراق والنفايات وكلّ ما هو قابل للاشتعال. الوضع المأساوي هذا أدى إلى معاناة أطفال من ارتفاع في درجات الحرارة والتقيؤ والإسهال، في ظلّ عجز الأهالي عن الوصول إلى المستوصفات أو المستشفيات من جراء الطرقات المقفلة بالثلوج.
يؤكّد المشرف على أحد مخيمات اللاجئين في بلدة عرسال اللبنانية الحدودية مع سورية، عبدالله الرفاعي، لـ "العربي الجديد"، أنّ "الوضع سيئ للغاية، سواء داخل الخيم أو خارجه، والجمعيات الإغاثية والمنظمات الدولية لا تستجيب لنداءاتنا. نطلب سيارة إسعاف فتسبقها سيارة دفن الموتى، نتواصل مع الجمعيات فيطلبون منّا التريّث إلى حين توقف تساقط الثلوج، لكنّ العديد من اللاجئين على وشك ارتداء الأبيض قبل أن يحظوا بتدخّلهم واستجابتهم".
ويسأل: "ماذا ينتظرون بعد؟ المنطقة مرتفعة والطرقات مقفلة بالثلوج، أضف إلى ذلك الجليد وصعوبة الوصول إلى المستوصف أو المستشفى. وتمّ تسجيل 5 حالات مرضية بين الأطفال الذين يعانون اليوم من إسهال وحرارة وتقيّؤ نتيجة البرد القارس، علماً أنّ الأهالي لا يملكون كذلك كلفة الدواء، ويكتفون بإعطاء أطفالهم الزهورات والأعشاب، ناهيك عن صعوبة دخول البعض إلى الخيام من جراء كثافة الدخان المتصاعد والناجم عن حرق مواد مضرّة بالصحة بهدف التدفئة".
الرفاعي الذي يتحدث عن معاناة مشتركة يعانيها اللبنانيّون واللاجئون على حد سواء، في ظلّ الأزمة المعيشية الراهنة، يحكي كيف تشرّدت لاجئة سورية مع أطفالها الأربعة صباح أمس الأول، بعد طردها من الخيمة بسبب تراكم مستحقات بدل الإيجار.

ولم يأبه صاحب الأرض بالعاصفة أو بموجة الصقيع. كما طردت عائلة أخرى من البيت بسبب رفض اللاجئ السوري الذهاب إلى العمل من جراء الثلوج والبرد القارس، ما دفع بصاحب البيت وهو نفسه صاحب العمل، إلى طرد اللاجئ وزوجته وأطفاله الثلاثة ( 4 و6 و7 سنوات)، الذين لجأوا إلى خيمة أحد الأصدقاء".

الصورة
مخيمات لبنان (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

من جهته، يكشف منسّق مخيمات عرسال ماهر المصري أنّ "عدد اللاجئين السوريّين في بلدة عرسال الشديدة البرودة والارتفاع (ترتفع أكثر من 1500 متر عن سطح البحر)، يقارب 70 ألف نسمة، وهناك نحو 9 آلاف خيمة و3100 بيت. وقد أدّت سرعة الرياح ليل أول من أمس، والتي تجاوزت 90 كيلومتراً في الساعة، إلى تمزيق بعض الشوادر، كما أنّ بعض الخيام كانت مهدّدة بالسقوط لعدم ثباتها، والبعض الآخر لم يتسلم هذه السنة الشوادر اللازمة من الجمعيات الإنسانية والخيرية". 

ويقول المصري لـ "العربي الجديد": "اللاجئ السوري يعيش حاليّاً مرحلة جمود على مختلف الأصعدة، سواء لناحية التدفئة أو الوضع المعيشي. وعمل كثيرون على تحويل الصوبيا التي تعمل بواسطة مادة المازوت إلى صوبيا على الحطب، توقد فيها الأحذية والثياب القديمة وأكياس النايلون والبلاستيك، لعدم قدرتهم على شراء الحطب، الذي وبأحسن الأحوال، يشترونه بالكيلوغرام".

يضيف المصري: "من المستحيل أن يشتري اللاجئ مادة المازوت، فالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خصّصت لكلّ لاجئ سوري 27 دولاراً أميركيّاً فقط، يُصرف بالليرة اللبنانية على سعر صرف 12500 ليرة لبنانية لكل دولار، في حين أنّ سعر الصرف في السوق السوداء تخطّى ذلك بأشواط".

الصورة
مخيمات لبنان (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

وتروي مقبولة العلي، وهي لاجئة سورية مقيمة في أحد مخيمات بلدة الهرمل البقاعية، معاناتها في حديثها لـ"العربي الجديد". وتقول: "لم ننم طوال ليل أمس الأول، فالخيمة تمزّقت وانهالت علينا مياه الأمطار. وضعنا صعب جداً ونحن بحاجة ملحّة للمساعدات والشوادر".
العلي التي تعاني من مرض الربو، والمقعدة منذ خمس سنوات من جراء مشاكل في العمود الفقري، تعرب عن رغبتها بالهجرة إلى خارج لبنان، مضيفةً: "نعاني الأمرّين منذ 10 سنوات أنا وأولادي الخمسة، منذ نزوحنا من سورية. حالنا حال العديد من اللاجئين في الخيام المجاورة الذين تضرّرت خيامهم من جراء الرياح القوية. كما أنّ القاطنين في المنازل يتحدّثون عن البرد القارس. فما بالك بلاجئ في خيمةٍ تتقاذفها الرياح يميناً وشمالاً". 

الصورة
مخيمات لبنان (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

بدوره، يتحدث اللاجئ السوري المقيم في مخيم "السلام" في بلدة سعدنايل البقاعية نوفل أحمد الدبان، عن صعوبة تأمين الحطب للتدفئة لارتفاع سعره، فيشعل ما تيسّر من بلاستيك وأحذية ما عدا الحطب لتدفئة أولاده الثمانية. ويتحدث لـ "العربي الجديد" عن تسرّب مياه الأمطار إلى فراشهم ليل أول من أمس، حالهم حال العديد من الخيام المجاورة.

ويقول إن "الخيمة قديمة وتحتاج إلى شوادر وعوازل وتدفئة ملائمة، ولا طاقة لي على ذلك. أعمل يوماً ويتوقف عملي لأيام وأشهر، وبالكاد أدفع بدل إيجار الخيمة الذي يبلغ 20 دولاراً بحسب سعر صرف السوق السوداء. كما أنّ تقديمات مفوضية الأمم المتحدة تقتصر على المساعدات الغذائية، علماً أنّ زوجتي مريضة وتحتاج إلى عملية جراحية للغدة الدرقية".

ولا يختلف وضع اللاجئين في شمال لبنان عن غيرهم. يتحدث أيمن الصالح، اللاجئ المقيم وزوجته في بلدة ببنين العكارية كيف فاضت مياه الأمطار داخل غرفتهم المستأجرة في شقة سكنية، وكيف غمرت المياه خيمة عمّه، الذي يعيش فيها هو وزوجته وأولاده الخمسة. ويقول لـ "العربي الجديد": "الوضع سيئ جداً، نعيش في أشباه خيام وأشباه بيوت. نقصد نحن وأولادنا الشارع لجمع كلّ ما يمكن إشعاله، وإلا نبقى عرضة للصقيع والبرد، علماً أنّ والدي مصاب في ساقه منذ أحداث سورية، ويلازم الفراش ويحتاج إلى التدفئة والعلاج".

ويختم الصالح حديثه قائلاً: "الوضع في الشمال صعب. لا تدفئة ولا مساعدات، ولا نملك سوى البطانيات وحرق الورق والنفايات. نناشد الجمعيات الخيرية ومفوضية الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية أن تبادر للمساعدة بشكلٍ عاجل".

المساهمون