لبنان: حرق مخيم يعمّق كارثة اللجوء السوري

لبنان: حرق مخيم يعمّق كارثة اللجوء السوري

27 ديسمبر 2020
الحريق أتى على كلّ الخيام (إبراهيم شلهوب/ فرانس برس)
+ الخط -

كشفت قيادة الجيش اللبناني في بيان، الأحد، عن توقيف دورية من مديرية المخابرات في بلدة بحنين– المنية، لمواطنين لبنانيين إثنين، وستة سوريين على خلفية ما وقع في البلدة أمس السبت، بين شبان لبنانيين وعمال سوريين، والذي تطوّر إلى إطلاق نار في الهواء من قبل اللبنانيين، قبل قيامهم بإحراق خيام النازحين السوريين.

وأشار البيان إلى أنّ وحدات الجيش تدخلت، وسيّرت دوريات في المنطقة، كما نفذت مداهمات بحثاً عن المتورطين في إطلاق النار وإحراق الخيام، وضُبِط في منازل تمت مداهمتها أسلحة وذخائر، وسُلِّم الموقوفون والمضبوطات، وبوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص، فيما تستمرّ ملاحقة بقية المتورطين لتوقيفهم.

وقال المتحدث باسم مفوضية شؤون اللاجئين الأممية في لبنان، خالد كبارة، إن "قرابة 400 من سكان المخيم الذين فروا لجأوا غلى مخيمات مغلقة أخرى، أو وجدوا مأوى مؤقتا في مدارس وفنادق خالية".

كان صباحاً رمادياً حزيناً ما استفاق عليه اللاجئون السوريون في بلدة بحنين، المنية، شمالي لبنان، بعد تعرضهم لتلك الجريمة العنصرية الموصوفة التي تجسدت بإحراق مخيمهم بأكمله ليل السبت - الأحد، وتشريد عشرات العائلات، من أطفالٍ ونساءٍ ومرضى ومسنّين، هرعوا حفاة، وقفزوا مع أطفالهم فوق الأسوار، هرباً من الرصاص المتطاير وألسنة النيران والانفجارات المتتالية لقوارير الغاز، تاركين خلفهم قصصاً أليمة ورحلة لجوءٍ مريرة لا تطوى فصولها.

وخلف ما جرى في المخيم 3 مصابين، وأثار حالة من الغضب والاستنكار الشديدين "للاعتداء الجبان" وفق ما وصفه البعض، إذ "لا يمتّ بأيّ صلة لأخلاق أهل المنية وقيمهم وكرم ضيافتهم".

وفي وقت تعدّدت فيه الروايات حول سبب الخلاف، تداول ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو، تحت وسم #المنية، أظهرت حجم الحريق الهائل الذي تعرض له المخيم.

وانتشرت مبادرات ونداءات أطلقها أهالي البلدة وأبناء محافظة الشمال وعدد من منظمات المجتمع المدني، أعلنوا فيها فتح أبواب المنازل والمدارس وحتى المطاعم، لإيواء اللاجئين المتضرّرين ومد يد العون لهم ولعائلاتهم، كما تبرّع البعض بنقلهم إلى أماكن آمنة، تحميهم من البرد القارس، بعد نجاتهم بأرواحهم، وبعد أن لجأ بعضهم إلى المخيمات المجاورة.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية


في اتصالٍ لـ"العربي الجديد" يكشف رئيس اللجنة الاجتماعية السورية في طرابلس (شمال) محمد نحلاوي "أبو طه" عن "احتراق المخيم المؤلّف من 90 خيمة بالكامل، وبالتالي تشرّد 90 عائلة سورية، أي نحو 600 لاجئ، من بينهم 400 طفل".  ويقول: "الوضع مأساوي جداً، وهناك خوف من عودة الاشتباكات وتجدّد إطلاق النار، بعد أن تمّت محاصرة المخيم من مدخَليه ليل أمس وإضرام النيران فيه، ما ترتّب عنه انفجار قوارير الغاز، كما إطلاق الرصاص الذي أصاب الأسلاك الكهربائية وأدّى إلى احتكاكٍ، ما أثار بدوره حالة هلع ورعب لدى اللاجئين"، موضحاً أنّ "الخلاف نشب بعد محاولة صاحب العمل اللبناني إجبار العمّال السوريين من أهالي المخيم، على ضرورة الذهاب للعمل، علماً أنّه لا يدفع رواتبهم كاملة".

الصورة
حرق مخيم اللاجئين السوريين في المنية

ويتحدّث أبو طه عن مساعٍ "لتأمين احتياجات العائلات المتضرّرة، من مواد غذائية وفرشٍ للنوم وبطانيات وأدوية وثياب وحليب وحفاضات للأطفال، بعدما التهمت النيران أبسط مقوّمات حياتهم، وخسروا معها أوراقهم الثبوتية الشخصية، وما كان بحوزتهم من مدّخراتٍ قليلة". وإذ يأسف لـ"ارتفاع وتيرة الإشكالات مؤخراً بين بعض اللبنانيين واللاجئين"، يؤكّد أنّ "اللاجئ السوري في لبنان يعاني الذلّ والعنصرية والاضطهاد من قبل البعض، وهو بحاجة لحماية دولية أو لإعادة توطين خارج لبنان، تفادياً لأيّ ردة فعل عنيفة في المستقبل، قد يستغلها أصحاب الأغراض المشبوهة". ويضيف: "بات اللاجئ السوري يفضّل الموت تحت القصف والدمار في سورية، عوض أن يتحمّل الضغط النفسي والعنصري والاقتصادي. فكيف سيواجه اللاجئ من يقتحم المخيم بالسلاح؟ علماً أنّ اعتداءات كهذه لا تمثل جميع اللبنانيّين، ولا ننسى من فتح بيوته لاحتضان اللاجئين في هذا الحادث".

الصورة
حرق مخيم اللاجئين السوريين في المنية

عروس الشهرين، التي فضّلت عدم ذكر اسمها، تسرد بحسرةٍ كيف احترق ما تبقّى لها ولزوجها من مقتنياتٍ وذكرياتٍ وأوراقٍ وبضع أوراق مالية. تقول لـ"العربي الجديد": "تزوّجنا بالرغم من الظروف الصعبة، ولم نلبث أن نهنأ بفرحةٍ، وإن بسيطة، وسط قساوة اللجوء وعذاباته اليومية، حتى اشتعلت النيران لتقضي على أدنى مقوّمات حياتنا". بدورها، صعقت إحدى عائلات المخيم التي كانت في زيارة لأحد الأقارب خارجه، بمشهد النيران لدى عودتها. يقول أحدهم: "خسرنا كلّ شيء، ألا يكفي ما خسرناه عبر السنوات، لتنهال علينا المصيبة تلو الأخرى، فكيف لنا أن نعيش اليوم، وأن نعيل أطفالنا، وقد بتنا مشرّدين؟ حتى الخيمة أحرقوها". 

من جهته، يروي رئيس بلدية بحنين، قضاء المنية، مصطفى وهبة، لـ"العربي الجديد" تفاصيل الخلاف، باعتباره نتيجة "إشكال فردي بين عمّال من المخيم وتاجر حمضيات لبناني يعملون لديه، ولا علاقة له أبداً بما يُشاع عن مشاعر كراهية وعنصرية. فالمخيم المذكور شُيّد في بلدتنا منذ أولى موجات النزوح السوري إلى لبنان، أي منذ عام 2011، ولم يشهد أيّ احتكاك يُذكر، بل على العكس نعيش معاً بكل احترام ومحبة. وفور وقوع الحادثة أمس، بادرنا إلى فتح أبوابنا للاجئين، وإلى احتضانهم ومساعدتهم".

المساهمون