العام الدراسي ينطلق في ميس الجبل جنوبي لبنان: إصرار على التعليم رغم التحديات
استمع إلى الملخص
- شهد اليوم الأول حضور 50 تلميذاً من أصل 119 مسجلين، ويضم الكادر التعليمي 31 مدرساً، مما يعكس التزامهم بتقديم التعليم كجزء من المقاومة.
- رغم غياب الدعم المالي من وزارة التربية، تم تنفيذ المشروع بالتنسيق مع الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، مما يعزز صمود الأهالي في مواجهة التهديدات.
في ترجمة واضحة لإرادة الحياة بين اللبنانيين الجنوبيين وإصرارهم على الصمود في أرضهم التي عادوا إليهم بعدما كانت قد هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية، أتت بداية العام الدراسي 2025-2026 في بلدة ميس الجبل عند حدود لبنان مع فلسطين المحتلة. وهذه البلدة الواقعة من ضمن قضاء مرجعيون في محافظة النبطية جنوبي لبنان، راحت تتعرّض لاستهداف مباشر من قوات الاحتلال منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، فلحق بها دمار هائل فيما هُجّر أهلها واستشهد عدد منهم.
وانطلق العام الدراسي الجديد في البلدة الجنوبية الحدودية الناهضة من حرب إسرائيلية مدمّرة، اليوم الاثنين، بعد الإنجاز الذي حقّقته بلدية ميس الجبل واتحاد بلديات جبل عامل، من خلال إنشاء مجمّع تربوي مؤقت يتألّف من نحو 27 غرفة جاهزة، جرى العمل عليه منذ نهاية شهر أغسطس/آب الماضي. يُذكر أنّ القطاع التعليمي لم يسلم في خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، فقد طاول الدمار الشامل مدارسها كلها؛ متوسطة ميس الجبل الرسمية، وثانوية الأستاذ محمد فلحة الرسمية، والمدرسة الابتدائية الرسمية.
ويقول مدير "ثانوية الأستاذ محمد فلحة الرسمية" فرج زين بدران لـ"العربي الجديد" إنّه "بعد تأخّر لنحو شهر عن موعد انطلاق العام الدراسي في لبنان، افتتحنا اليوم المجمّع التربوي في ميس الجبل، واستقبلنا تلاميذ المرحلة الثانوية بسنواتها الثلاث. ومن المقرّر أن ينطلق التعليم، بعد غد الأربعاء، في المرحلتَين المتوسطة والابتدائية، فيما ينطلق التعليم المهني في 20 أكتوبر الجاري"، أي بعد أسبوع من اليوم.
ويبيّن بدارن أنّ اليوم المدرسي الأوّل شهد حضور نحو 50 تلميذاً من أصل 119 مسجّلين في الثانوية، على أن يلتحق الباقون في الأيام المقبلة. يضيف أنّ الكادر التعليمي في ميس الجبل يتألّف من 31 مدرّساً ومدرّسة، عدد منهم من بلدات ومدن بعيدة مثل النبطية وكفررمان والكفور في قضاء النبطية، وذلك في ما يصفه بدران بأنّه "إصرار على التعليم وتثبيت حقّ تلاميذ الجنوب في الحصول على تعليم لائق، بعد عامَين من متابعة الدراسة عن بُعد".
في سياق متصل، يشير بدران إلى أنّ "تجهيزات المجمّع التربوي صارت شبه مكتملة، وقد جرى تأمين الحمّامات والطاقة الشمسية والكهرباء والمياه، فيما سوف تُستكمل التجهيزات الخاصة بفصل الشتاء في خلال الأسبوعَين المقبلَين، وأبرزها بناء سقف للملعب الشتوي وتأمين وسائل تدفئة استعداداً للفصل" البارد.
وبشأن الشقّ الأمني، يوضح بدران أنّه عند انطلاق المشروع، كان تنسيق مع الجيش اللبناني وبعثة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان - اليونيفيل (قوات حفظ السلام)، أمّا اليوم فـ"لم تواكب الانطلاقة أيّ آلية عسكرية أو دورية للجيش أو قوات اليونيفيل"، يتابع: "لم ألمس أيّ قلق في عيون التلاميذ، ولا أيّ تذمّر من الأهالي الذين عبّروا عن ارتياحهم لانطلاق العام الدراسي من جديد في ميس الجبل".
وكان بدران قد صرّح لـ"العربي الجديد"، في سبتمبر/أيلول الماضي، بأنّ بلدية ميس الجبل و"مجلس الجنوب" واتحاد بلديات جبل عامل باشرت العمل على مشروع إنشاء مجمّع تربوي مؤقت في البلدة، وذلك على قطعة أرض تملكها البلدية في منطقة دوبيه، بمواكبة من الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، وبالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم العالي والجهات المعنية.
من جهته، يتحدّث مدرّس مادة الاقتصاد في ثانوية ميس الجبل عباس سمحات لـ"العربي الجديد" عن شعوره مع العودة إلى التعليم الحضوري، بعد عامَين من التعليم عن بُعد. ويؤكد أنّ "الفرحة ليست مقتصرة على التلاميذ، بل تشملنا نحن كذلك، الهيئة التعليمية، بعدما فقدنا خلال التعليم عن بُعد الجانب الوجداني والإنساني في علاقتنا مع التلاميذ، كما لو كنّا نتعامل معهم بوصفهم أرقاماً آلية".
ويرى سمحات أنّ العودة إلى التعليم الحضوري في ميس الجبل والقرى الحدودية هي "خدمة أساسية في إطار مسؤوليات الدولة، تماماً كما الحال بالنسبة إلى الكهرباء والمياه والاتصالات والطبابة". ويشدّد على أنّ التعليم يمثّل شقّاً محورياً في مجال تعزيز صمود الأهالي في مناطقهم"، ويضيف سمحات، الذي يقصد المجمّع التربوي المؤقت في ميس الجبل من بلدته عيناتا، من ضمن قضاء بنت جبيل في محافظة النبطية، ليؤدّي واجبه التربوي: "لسنا قلقين من التوتّر الأمني في الجنوب. نحن نمارس شكلاً جميلاً من أشكال المقاومة، عبر توفير خدمة التعليم ومنع تفريغ القرى الحدودية من سكانها، ومساندة أهالي ميس الجبل للبقاء (في أرضهم) على الرغم من التهديدات الإسرائيلية".
ولا يخفي سمحات عتبه على وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان لغيابها عن متابعة المشروع التربوي في البلدة، لافتاً إلى أنّ الوزارة "لم تقدّم أيّ مساهمة مالية، واقتصر دورها على منح الإذن الإداري، في حين كان المشروع ثمرة جهود اتحاد بلديات جبل عامل وبلدية ميس الجبل". ويتساءل: "أليس من حقّ تلاميذنا أن تكون الوزارة حاضرة في اليوم الأوّل لانطلاق العام الدراسي الجديد؟"، ويشدّد على أنّ "نحن، بوصفنا مدرّسين، نرى أنّ دورنا في التعليم هو جزء من المقاومة ومن صون الوجود في القرى الجنوبية".
أمّا التلميذ في الصف الثالث الثانوي حسن الجندي فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "تحقّق حلم العودة إلى التعليم الحضوري بعد عامَين من الدراسة عن بُعد هو إنجاز وفرحة كبيران"، ويضيف: "لم تسعنا السعادة حين التقينا مجدّداً بعد عامَين من التهجير، على الرغم من خسارة زملاء لنا أو أهالي آخرين في خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة". وكانت عائلة الجندي قد عادت للاستقرار في ميس الجبل في شهر مارس/آذار الماضي، إذ هي اختارت العيش مجدّداً في البلدة على الرغم من الظروف الصعبة. ويتابع الجندي: "اعتدنا على أصوات القصف، وكان يمكننا أن نكمل دراستنا في مناطق أكثر أماناً، لكنّني أنا وأخي أصررنا على أن نتابع تعليمنا هنا، في بلدتنا، مثلما كانت الحال قبل الحرب"، ويكمل: "صحيح أنّ في داخلنا غصّة كبيرة لفقدان عدد من رفاقنا، لكنّنا نقاوم لنكمل مسيرتنا التعليمية".