لبنان: الأحزاب تنسحب من انتخابات "الأميركية"

لبنان: الأحزاب تنسحب من انتخابات "الأميركية"

08 نوفمبر 2020
يعود تاريخ تأسيس الجامعة إلى عام 1866 (حسين بيضون)
+ الخط -

يمكن فهم انسحاب الأحزاب من انتخابات الجامعة الأميركية في بيروت مؤشراً لتراجع شعبيتها، على الأقل على مستوى الجامعة الخاصة الأشهر

في خطوةٍ غير مسبوقة، انسحب عدد من الأندية الطالبية التي تسيطر عليها قوى السلطة في لبنان، من سباق الانتخابات الطالبية في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)، تحت عناوين ومبرّراتٍ عدة، ليتفاوت الانسحاب بين أندية قرّرت المقاطعة النهائية، ترشّحاً واقتراعاً، وأخرى اقتصرت على عدم المشاركة في الترشّح، تاركةً لمناصريها حرية التصويت من عدمه. 
المقاطعة التي تُواجَه بـ"أكبر حملة انتخابية للمستقلّين في تاريخ الجامعة" وفق بيانٍ تداولته وسائل التواصل الاجتماعي، حصرت المنافسة هذه السنة بين "النادي العلماني" الذي يخوض الانتخابات بـ 94 مرشّحاً مقابل عددٍ من المستقلين، وقد وصف "النادي" الانسحابات بأنّها "إعلان هزيمة مقنّع يعكس عجز أحزاب السلطة الطائفية عن مخاطبة جيل الشباب بعد ثورة أكتوبر 2019 (حراك شعبي انطلق في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بمطالب معيشية وسياسية، غلب عليه الطابع الشبابي المستقل، كما شاركت جماهير بعض الأحزاب)". 

تجدر الإشارة إلى أنّ انتخابات "الأميركية" وهي من أعرق الجامعات الخاصة في لبنان، المقرّرة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لطالما شكّلت ساحةً لمعارك تنافسية محتدمة تستنسخ الحياة السياسية اللبنانية، لا سيّما على مقاعد الحكومة الطالبية البالغ عددها 19 مقعداً، ما يطرح اليوم جملة تساؤلات وإشكاليات.
وفي اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أكّد عميد شؤون الطلاب في الجامعة الأميركية، الدكتور طلال نظام الدين، أنّهم يتطلّعون قدماً "لإجراء الانتخابات التي ستكون هذه السنة عن بُعد، ما تطلّب منّا تحضيرات وتجهيزات إضافية منذ بداية الفصل الجامعي وحتى أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إذ سيتمّ اعتماد أحدث التقنيات وأكثرها أمناً وأماناً لضمان دقة النتائج ومصداقيّتها. وقد بلغ عدد المرشحين نحو 225 يُنتظر التدقيق بأهليتهم لمواصلة خوض المعركة، من بينهم 178 مرشّحاً لمجلس الكلية، و47 مرشّحاً للحكومة الطالبية"، لافتاً إلى أنّ "مرشّحي الحكومة الطالبية يتنافسون ضمن 4 لوائح كبيرة، بالإضافة إلى طلاب مستقلين، على 19 مقعداً، في حين يتنافس مرشّحو مجلس الكلية على 84 مقعداً موزّعة على 7 كليات، كلّ كلية بحسب حجمها. كما أنّنا نشهد حركة تسجيل كبيرة للمشاركة في الاقتراع". وإذ أشاد بـ"حماس الطلاب للانتخابات التي فرضت أحداث العام الماضي إلغاءها، بعدما تزامنت مع ثورة أكتوبر" قال: "يُمنع وجود الأحزاب في الجامعة، لكن هناك طلاب يناصرونها، غير أنّ الكل متفق على أنّ الذين انسحبوا من المعركة لم يجدوا عدداً كافياً من المرشحين، فرأوا أنّ من الأفضل الانسحاب بكلّ شرف وكرامة، في حين أنّ المرشّحين، والذين بأكثريّتهم لا ينتمون للأحزاب، يبدو أنّهم مرتاحون على وضعهم، سواء لجهة عدد المرشحين أو الأصوات". وأضاف: "لا شكّ في أنّ الأحزاب كانت تحاول عادةً استغلال الانتخابات الطالبية في الجامعة لتقدم الانتصار لزعيمها، وهو ما لا يمثل الحقيقة والواقع، غير أنّنا نلحظ اليوم رفضاً تامّاً لدى الشباب اللبناني إن لم نقل لكلّ الأحزاب، فهو لكلّ تلك الأحزاب التي تحاول المشاركة في الحكومة المرتقبة، والتي تتنازع على الحقائب الوزارية. هناك رفض كامل من الجيل الجامعي الباحث عن ممثلين جدد لا يشاركون في اللعبة السياسية اللبنانية".
واعتبر نظام الدين أنّ مبرّر بعض طلاب الأحزاب بأنّهم انسحبوا جرّاء الإعلان المفاجئ لموعد الانتخابات، هو "تبرير غير منطقي وليس بعذرٍ، فالقانون نفسه يطبّق على الجميع، والإجراءات والمهل ما زالت نفسها كما الأعوام الماضية، علماً أنّ طلاب الأحزاب يبدأون كلّ سنة ترتيباتهم منذ أغسطس/ آب، أي قبل أن تفتح الجامعة أبوابها"، نافياً أن تكون أي جهة طالبية قد طلبت منه إلغاء الانتخابات "فلا أعتقد أنّ أحداً يجرؤ على طلب ذلك، إذ ليست من مصلحة أيّ جهة إسكات صوت 8000 طالب". وشدّد عميد شؤون الطلاب على أنّ "الانتخابات الطالبية جزء من أساس الجامعة الأميركية، فهي تجربة مهمة لترسيخ مفاهيم الديمقراطية وحرية التعبير وأطر الحوار والنقاش وتبادل الأفكار لدى الطلاب، خصوصاً أنّنا شركاء في بناء روّاد المستقبل، والوقت الراهن هو وقت الشباب والشابات لتغيير البلد".

الصورة
الجامعة الأميركية في بيروت- حسين بيضون
عاد الطلاب إلى الحرم الجامعي رغم كورونا (حسين بيضون)

من جهته، قال الرئيس السابق لـ"النادي العلماني" وعضو شبكة "مدى" الشبابية (تضم 4 أندية علمانية في الجامعات الخاصة في لبنان)، كريم صفي الدين، لـ"العربي الجديد": "نخوض معركة قوية جداً بـ94 مرشّحاً، لكنّنا طبعاً جاهزون ومستعدون رغم بعض العوائق التقنية المرتبطة بالإدارة، لناحية التأخّر في إعلان موعد الانتخابات وآلية التسجيل للاقتراع، لكنّ طلاب الأحزاب انسحبوا خوفاً من الهزيمة لإدراكهم أنّه مهما استعدّوا لن يستقطبوا أيّ حماس تجاههم، وبنفس الوقت يحاولون سحب القيمة السياسية للانتخابات وتفريغها من مضمونها، وبالتالي دفع الإدارة إلى إلغاء الانتخابات". وتابع: "هناك معلومات عن انشقاق طلاب مسؤولين عن هذه الأحزاب، وهذا انهيار كلّي لتنظيم الأحزاب على مستوى الشباب، والسبب واقع البلد والمرحلة التاريخية بعد انفجار مرفأ بيروت". وكشف أنّهم يتنافسون اليوم مع "مستقلين تابعين للأحزاب لكنّهم ضعيفون جداً، ومع مستقلين ملتبسين، وآخرين لا علاقة لهم بالسياسة، غير أنّنا ننطلق في ترشيحاتنا وفق برنامج ومبادئ وأفكار وورقة سياسية تتجاوز الإطار الطائفي الذي تنتهجه الأحزاب عادةً"، مضيفاً: "مطالبنا مختلفة ومتنوّعة، سواء على مستوى الخطاب السياسي الواسع في البلد أو على مستوى الجامعة، حيث نطالب بإلغاء دولرة الأقساط وتحقيق مجلس طالبي مستقل، إلى جانب استقلالية النوادي وإبرام عقد طالبي بين الإدارة والطلاب".
ورأى منسق الجامعات الخاصة في تيار المستقبل (حزب يتزعمه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري) بكر حلاوي أنّ "الانتخابات فاجأت الجميع، ولم تعطنا الوقت الكافي، كما أنّها أتت نتيجة ضغط معيّن". وقال لـ"العربي الجديد": "انسحبنا وقاطعنا الانتخابات، كون الظروف غير مؤاتية، فهي انتخابات لزوم ما لا يلزم". وتحدّث عن "انشقاقات ضمن النادي العلماني، وهناك طلاب مستقلّون أخذوا مجدهم في ظل غياب المنافسة، غير أنّه بين هؤلاء منافسة كبيرة وتخوين أبشع من ذلك الذي كان يحصل بين الأحزاب".
وفي السياق، شدّد أحد طلاب القوات اللبنانية (حزب يتزعمه سمير جعجع) في الجامعة الأميركية، مفضّلاً عدم ذكر اسمه، على أنّ "انسحابنا ليس إعلان هزيمة، فالانتخابات أتت بشكل عاجل وخاطئ، ولم نملك الوقت الكافي لاختيار مرشّحينا، علماً أنّنا كنّا سنخوض الانتخابات بمفردنا، انسجاماً مع واقع أنّ القوات ليست حالياً على وفاقٍ سياسي مع أي جهة في البلد".

وقال منسق طلاب التيار الوطني الحرّ (حزب يتزعمه الوزير السابق جبران باسيل) في الجامعة الأميركية، مارك شامية: "نحن منذ سنة غائبون عن الحرم الجامعي، فعلى أيّ أساس سينتخب طلاب السنتين الأولى والثانية بعضهم بعضاً وهم لا يعرفون بعضهم أصلاً. كما أنّ التصويت الإلكتروني، والذي قاطعنا بسببه انتخابات الجامعة اللبنانية الأميركية (جامعة خاصة)، يضرب سرية الاقتراع ويتيح ضغط الماكينات الانتخابية على الناخبين، ناهيك عن وضع البلاد والحملات المبرمجة والضغط والتنمّر على المرشحين، والذي شهدناه في جامعاتٍ عدة".

المساهمون