لبنان: إطلاق وثيقة لخيارات متجددة لمسيحيي الشرق الأوسط

لبنان: إطلاق وثيقة لخيارات متجددة لمسيحيي الشرق الأوسط

28 سبتمبر 2021
تدعو الوثيقة المسيحيين إلى اعتماد خيارات متجدّدة (العربي الجديد)
+ الخط -

شهد لبنان، اليوم الثلاثاء، إطلاق مجموعة "نختار الحياة" المسكونية التي تتألف من لاهوتيات ولاهوتيين من الشرق الأوسط، وخبيرات وخبراء في العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة والجيو-سياسيّة، وثيقة مرجعية تتناول أوضاع المسيحيين في المنطقة من النواحي اللاهوتية والجيوسياسية والفكرية والمجتمعية وذلك في حفلٍ أقيم في كنيسة مار الياس في أنطلياس.

واستغرق إعداد الوثيقة أكثر من سنة، وهي تدعو المسيحيين في الشرق الأوسط إلى اعتماد خياراتٍ متجدّدة في السياسة والفكر والاجتماع وذلك انطلاقاً من مقاربة نقدية لأوضاعهم الماضية والراهنة، ولا سيما منذ انطلاقة ثورات الربيع العربي، في العام 2010، كما استشرافاً للمقبل من العقود.

ويتوقف الخبير في السياسات العامة، زياد الصائغ، في حديثه مع "العربي الجديد" عند الخيارات، بدءاً بالمستويين الفكري واللاهوتي بحيث يفتح النقاش في كامل المسار الذي بدأه المسيحيون حيث إنّ فكرة الإصلاح الكنسي أساسية في إدارة الموارد الكنسية والبشرية في الكنيسة والعلاقة المسكونية بين الكنائس كما في الوقت نفسه العلاقة مع المسلمين واليهود وأبناء الأديان الأخرى.

وعلى المستويين الاجتماعي والسياسي يقول الصائغ: "المسيحيون اتخذوا، على مدى خمسين عاماً، خيارات سياسية متعدّدة، سواء فكرة القومية العربية أو الالتصاق بأحزاب علمانية اتخذت طابعاً ايديولوجياً ديكتاتورياً أو فكرة عصبيات الأقلية، بينما الخيار المسيحي وخصوصاً على الصعيد السياسي هو في المواطنة والدولة المدنية، فنحن لسنا طارئين ونرفض حلف الأقليات واستدعاء الحمايات ولا نريد أنظمة ديكتاتورية بل ننتمي مع شركائنا المسلمين وكل الديانات إلى أكثرية عربية حضارية تتطلع إلى دولة مدنية ركنها المواطنة الفاعلة التي تصون التنوع وتعتني بالتعددية".

ويشير الصائغ إلى أنّ "الأساس بالنسبة إلينا هو فتح النقاش على مستوى العمل الكنسي والسياسي واللاهوتي والثقافي والفكري في ما يعني خيارات المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط، فنحن مع ديمقراطية التفكير ونعدّ بمثابة مجموعة مستقلة من مختلف الجنسيات قادرة على قول كلام ليس بمقدور المؤسسات الدينية أو السياسية أن تدليَ به باعتبار أننا نعيش ضمن مفاهيم جامدة بعض الشيء".

ويشدّد الخبير في السياسات العامة على أن من المهم تصويب المفاهيم أولاً، قبل المسارات، ولا نريد للمسيحيين الالتصاق بخيارات قمعية، وهناك صوت مختلف نراهن على أن يتفاعل الشباب معه. ويضيف أنه "ليس صحيحاً أنّ الثورات العربية فشلت، بل خلقت هذا النقاش بمنظومة الفكر والالتزام، إذ إننا ننتمي إلى الفكر الحرّ الذي كان منزّهاً عن التورط في العمل العسكري الإيديولوجي القمعي والمنطقة يجب أن تذهب إلى رفض معادلة الأكثريات والأقليات، والذهاب للمواطنة وصون الحريات وحقوق الإنسان وهي شعارات كلها ليست محترمة".

ويلفت الصائغ إلى أنّ هذه الوثيقة نتاج نقاش دام لأكثر من سنة بين أشخاص كثر من كنائس وجنسيات متعدّدة وهي تنطلق من حالة مسكونية كنسية وتعاون بين الدول العربية، فهذه المجموعة قدّمت نموذجاً عن أنها تفكر بوجودها ولكن مع الآخرين وبين بعضنا البعض وهذا له رمزيته الكبيرة.

موقف
التحديثات الحية

وعلى صعيد توقيت إطلاق الوثيقة، قال الصائغ: "المسيحيون في الشرق الأوسط يجدون أنفسهم أمام امتحان الاختيار بين البركة واللعنة، بين الحياة والموت، والمنطقة ذاهبة إلى مسارَيْن إما التفتيت بخياراتٍ أقلوية أو باتجاه حالة أنظمة شمولية أيديولوجية تضع يدها على كل الدول بطموحات امبراطورية، فيما نحن خيارنا الدولة المدنية والمواطنة. والغرب كما القوى الإقليمية لا يمكنهم أن يتعاملوا معنا على قاعدة أنهم يقررون عنّا، ونحن نعرف أنّ المنطقة لن تخضع لا لاستعمار إقليمي ولا دولي، وخطورة الذهاب باتجاه خيارات انتحارية واضحة".

وقالت رئيسة شركة الكنائس الإنجيلية المُصلحة في العالم، القسيسة نجلا قصّاب، خلال الحفل "أن نختار الحياة هو أن ننخرط في حوار معمق تشديداً على الهموم والتحدّيات والطموحات المشتركة في تدعيم أُسس كرامة الإنسان، والسلام المجتمعيّ، ودولة المواطنة، والحقّ بالاختلاف، والعدالة الاجتماعيّة، والنزاهة الاقتصاديّة، وحسن التدبير الإيكولوجيّ، والتعاضد الإنسانيّ، والشهادة لقيم الحقّ والعدل والحرّيّة وحقوق الإنسان".

من جهته، قال أستاذ اللاهوت في جامعة مونيستر في ألمانيا، أسعد قطان، إنّ "ثورات الربيع العربيّ لم تسفر حتّى اليوم عن قيام أنظمة سياسيّة ديمقراطيّة. لكنّها طالبت بإعادة مفهوم المواطنة إلى قلب الممارسة السياسيّة، ونحن اليوم أمام إعادة تشكُّل لحاضر هذه المنطقة. فالقديم قاد إلى الانفجار، ولكنّ الجديد لم يتبلور بعد".

وأكّد أن "مسيحيّي الشرق الأوسط مطالبون مع إخوتهم المسلمين، ومع شركائهم الآخرين، بالذهاب إلى عمق بناء الدولة المدنيّة حيث تطبَّق المواطنة من غير تمييز أو استثناء، ومطالبة الكنائس بالعمل على فضح الظلم الذي لحق بالمرأة عبر العصور، والسعي إلى تغيير واقعها بمبادرات جريئة تؤكّد التكامل بين النساء والرجال من دون إعلاء أيٍّ منهما على الآخر".

المساهمون