استمع إلى الملخص
- يعتمد النازحون على نقاط شحن بدائية بالطاقة الشمسية أو البطاريات، لكنها تعاني من ضغط كبير ونقص الموارد، مما يؤدي إلى تعطل الأجهزة وصعوبة الحصول على الشحن.
- القيود على دخول مستلزمات الطاقة البديلة تفاقم الأزمة، حيث يمنع الاحتلال دخول الألواح والبطاريات، مما يزيد من معاناة النازحين الذين يواجهون أيضاً نقصاً في المياه والغذاء والرعاية الصحية.
تبرز أزمة الكهرباء في قلب المأساة الإنسانية التي تعصف بقطاع غزة، واحدة من أكثر مظاهر المعاناة إلحاحاً وتعقيداً لدى مئات آلاف النازحين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم هرباً من الموت إلى مناطق مهجورة، أو خالية من البنية التحتية.
وتكاد تنعدم إمكانية الحصول على مصدر طاقة في مناطق النزوح، وهي غالباً أراض زراعية، أو مدارس مدمرة، أو بنايات مهجورة، إذ لا توجد نقاط شحن ثابتة، ولا محولات كهرباء، ولا شبكات، ما يؤدي إلى توقف الهواتف المحمولة التي تعد وسيلة التواصل الوحيدة في القطاع، خصوصاً مع فرق الإغاثة، في حين تعاني المراكز الصحية والمستشفيات الميدانية بشدة.
يقول النازح من شمالي قطاع غزة، محمد سعد الله (28 سنة)، إنه يعيش أزمة يومية لشحن بطارية هاتفه منذ اضطراره إلى النزوح لمنطقة نائية غربي مدينة دير البلح. ويوضح لـ "العربي الجديد": "كل شيء يعتمد على الهاتف، وحين تنفد البطارية أشعر أنني انقطعت عن الحياة. أعتمد على الهاتف في الإضاءة ليلاً لعدم وجود أي مصدر طاقة، وللتواصل مع فرق الإغاثة، ولتحذير الأهل من القصف، والاطمئنان على الأقارب، لكني أعاني حالياً بسبب انقطاع الكهرباء، وكذلك نقص نقاط الشحن التي تعتمد على الطاقة الشمسية".
ويوضح سعد الله أن "نقاط الشحن المتوفرة باتت مهترئة، وتعطل الكثير منها بسبب كثرة الاستخدام في ظل انقطاع الكهرباء، في حين يغلق الاحتلال المعابر، ويمنع دخول ألواح الطاقة والبطاريات، ومختلف مستلزمات الطاقة البديلة، ما ساهم في تعطل العديد من نقاط الشحن، وزاد من معاناة النازحين".
يقيم النازح الفلسطيني فادي نويجع (33 سنة) مع أسرته ووالده ووالدته، في خيمة بدون كهرباء أو إضاءة على أطراف مخيم البريج بوسط قطاع غزة، ويؤكد لـ "العربي الجديد"، أنه "بعد أشهر من الاستخدام اليومي، بدأت الأجهزة تنهار، ولم تعد تحتمل بسبب الاستخدام الكثيف، كما يواجه صعوبات إضافية في شحن البطارية المتوفرة بسبب تهالكها، ونتيجة تناقص نقاط الشحن يوماً بعد الآخر". ويقول نويجع إن "الأزمة تزداد تعقيداً كل يوم، سواء بسبب تهالك الشواحن الخاصة، أو تعطل أجهزة الشحن داخل النقاط العشوائية، فضلاً عن تعطل الأجهزة المشحونة بسبب عدم انتظام الشحن، وكل هذه الأسباب تجعلنا عاجزين عن التواصل نهاراً، ونصطدم ببعضنا البعض ليلاً بسبب الظلام".
وظهرت في بعض مناطق غزة نقاط شحن جماعية بدائية، تعتمد على ألواح الطاقة الشمسية، أو بطاريات متنقلة يجري تمريرها من شخص إلى آخر، لكن الطلب عليها كبير، ومع ندرة الموارد يتطلب الحصول على دقائق معدودة من الشحن الانتظار لوقت طويل، يصل أحياناً إلى يوم كامل، من دون أي ضمانة للحصول على الخدمة.
تقول الفلسطينية سعاد عبد الهادي (55 سنة) وهي نازحة من حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة، إن أطفالها ينامون في الظلام، وإن المعاناة تزداد نتيجة البؤس والحرمان الذي تعانيه أسرتها، سواء بفعل ترك بيتها، أو غياب مختلف الخدمات الأساسية. وتبين لـ "العربي الجديد" أنها "لم تتمكن من شحن هاتفها أو بطارية الإضاءة منذ عدة أيام نتيجة تعطل الشواحن، فيما لا تمتلك نقاط الشحن شواحن بديلة، ويقطع زوجي مسافات طويلة لشحن الهواتف، ويضطر إلى الانتظار طويلاً حتى يتمكن من استخدام شاحن". تضيف عبد الهادي: "فقدت التواصل مع بناتي المتزوجات في مناطق أخرى لعدم تمكني من تشغيل الإنترنت المفقود أيضاً، ولم يعد لدينا أي ضوء، حتى المصباح اليدوي احترقت بطاريته، ما يجعلني أشعر أن العالم أغلق أبوابه في وجهنا".
من جانبه، يوضح الفلسطيني خالد حميد، وهو صاحب نقطة شحن في سوق دير البلح، أنه في ظل انعدام الكهرباء، شكلت أنظمة الطاقة الشمسية ملاذاً للعائلات لتوفير الحد الأدنى من الإنارة وشحن بطاريات الهواتف. ويبين لـ "العربي الجديد" أن "هذا الاعتماد الكامل وغير المخطط أدى إلى تهالك الأجهزة التي لم تكن مصممة لتحمل هذا الضغط الكبير، ومع مرور الأشهر، تدهورت قدرة البطاريات، وتعرض العديد منها للتلف بسبب نقص الصيانة لعدم توفر قطع الغيار، أو تلف الألواح الشمسية".
ويشير حميد إلى أن "الطاقة التي تنتجها الألواح الشمسية المحدودة داخل النقطة باتت ضعيفة وغير منتظمة، ما بات يجعله عاجزاً عن توفير الشحن مثل السابق، ما يهدد بإغلاق النقطة بشكل كامل، إذ تتسبب الكهرباء الضعيفة وغير المنتظمة في حرق أو تعطل أجهزة الجوالات والبطاريات. أزمة الكهرباء ونقاط الشحن ليست منفصلة عن بقية الأزمات التي تعصف بالنازحين، من شح المياه، إلى انعدام الغذاء، إلى انعدام الرعاية الصحية، لكنها تضيف بعداً قاسيا للحياة، إذ تحرم العائلات من أبسط الحقوق، وهي الإضاءة، والاتصالات".