لا حياة لأطفال أفغانستان بلا أمن

لا حياة لأطفال أفغانستان بلا أمن

13 يوليو 2021
أطفال كثيرون يتسولون في كابول (عادق بيري/ فرانس برس)
+ الخط -

تستمر الحرب في أفغانستان منذ أربعة عقود. الويلات الناجمة عنها دمرّت البلاد، وأثرّت على كل قطاعات الحياة وجميع الشرائح بلا استثناء، كما خلّفت خسائر بشرية جمّة، حيث يقدّر البعض عدد القتلى بين مليون ومليونين.   
ومن المصائب التي حلّت بالأفغان بسبب الحرب الشرسة اضطرار الملايين إلى الفرار من البلاد أو النزوح داخلياً، وإصابة نحو 1.6 مليون شخص بإعاقات مختلفة. يضاف إلى ذلك أن نصف السكان يعيشون اليوم تحت خط الفقر المدقع بسبب الحروب المتوالية.
لا شك في أن جميع الأفغان تأثروا بالنتائج السلبية للحروب. وبالتأكيد، كانت حصة الأطفال كبيرة، باعتبارهم الضحايا الأكثر ضعفاً. وإضافة إلى الآثار النفسية الكبيرة على حياتهم، حُرم حوالى 3.7 ملايين منهم من الدراسة، وأرغم عدد كبير على العمل أو حتى التسول، بدليل أن عدد المتسولين الأكبر في الشوارع هم من الأطفال.
فقد الطفل الأفغاني محمد عثمان (13 عاماً) والده بسقوط صاروخ أطلق على منزل أسرته حيث كانت تعيش، في مسقط رأسها بإقليم غور (غرب)، ثم جاء مع أمه وأخواته إلى العاصمة كابول، ويعيشون حالياً في بيت متواضع بمنطقة باروان. يخرج عثمان في الصباح الباكر للبحث في القمامة عن أنواع مختلفة من البلاستيك وكراتين الورق، وغيرها من مخلفات المواد التي يعاد تدويرها، ويبيعها من أجل تلبية احتياجات المنزل. أما والدته وأخته الكبيرة فتعملان في البيوت. وتحضّر والدته تحديداً الخبز على التنور في مقابل أجر زهيد. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

في المحصلة، يعمل الطفل عثمان وجميع أفراد عائلته ليلاً نهاراً من أجل دفع عجلة حياتهم إلى الأمام. واعتاد عثمان ارتداء ملابس رثة سوداء، ووضع أحذية من البلاستيك في قدميه. يتجول بين القمامة وينبش فيها بحثاً عن مصادر ممكنة لحياة تعيسة. يجمع كراتين ورقية تحرقها والدته لاحقاً لإشعال التنور، أما مخلفات مادة البلاستيك، فيبيعها في آخر النهار، من أجل كسب ما بين 80 و100 أفغانية (بين دولار واحد ودولار وربع).
يروي عثمان لـ"العربي الجديد": "أعمل طوال النهار وكذلك حال أمي. وفي النهاية نحصل على الرزق فقط لا أكثر ولا أقل. أما عندما كان أبي على قيد الحياة فكنا في وضع جيد، إذ كان يملك سيارة أجرة تكسبه المال في النهار، ويجلب لنا لدى عودته إلى البيت ليلاً كل ما كنا نحتاجه. ومنذ أن قتل بقصف استهدف منزلنا قبل ثلاث سنوات، بات جميع أفراد الأسرة يعملون من أجل الحصول على لقمة العيش".
تتكرر حكاية عثمان مع الفتاة نركس (9 أعوام)، فهي تتسول في شوارع كابول من أجل كسب العيش لأسرتها، بعدما أتت من إقليم قندوز إلى منطقة بولي جرغي في ضواحي العاصمة، وتعيش في بيت متواضع مبني من طين.

بعض الأطفال قد يتعلمون لكن ما المستقبل؟ (نور الله شيرزاده / فرانس برس)
بعض الأطفال قد يتعلمون لكن ما المستقبل؟ (نور الله شيرزاده / فرانس برس)

وفي وقت يلعب غالبية الأطفال في هذا العمر ويمرحون ويذهبون إلى المدارس، تعيش نركس بأمل وحيد يتمثل في كسب لقمة العيش لأفراد أسرتها، فوالدها توفي قبل أعوام إثر معارك شهدتها مديرية إمام صاحب بإقليم قندوز، ما دفع الأسرة إلى القدوم إلى كابول للهرب من القتال. يعمل شقيقا نركس الصغيران، عبد الله وعبد الواحد، في بيع أكياس بلاستيك في شوارع كابول. وبحلول المساء، يأخذ الجميع المال الذي كسبوه ويعطونه لأمهم من أجل الإنفاق على متطلبات حياتهم اليومية.
تتمنى نركس إرساء الأمن والسلام في أفغانستان، كي تتخلص من التسول وتذهب إلى المدرسة. تقول لـ"العربي الجديد": "لو توافر الأمن والاستقرار لما تركنا منزلنا في القرية وجئنا إلى كابول لنعيش في منزل صغير يتضمن غرفة واحدة ومطبخ وحمام. لكن من أجل الحفاظ على كرامتنا نعيش في هذا المكان، وننتظر أن يسود الأمن والاستقرار في بلدنا".
من جهته، ينظف الطفل محمود أحذية الناس أمام مسجد في منطقة كوتي سنكي كي يجمع بعض المال. ويبلغ أجر تنظيفه كل حذاء عشرة أفغانيات، علماً أنه يضع كل ما يجنيه في تصرف أسرته رغم أن والده يعمل في سوق مندوي، ويكسب يومياً بين 200 أفغانية (أكثر من دولارين بقليل) و300 أفغانية (أقل من أربع دولارات). والوالد لا يستطيع في أي حال من الأحوال أن يرسل ابنه محمود إلى المدرسة، لذا اختار له مهنة تنظيف الأحذية أمام المسجد من أجل جني بعض المال، في حين أن حلم محمود الأول والأخير يبقى، على غرار الباقين، استقرار الأمن والسلام كي يذهب إلى المدرسة.

في المقابل، تسلك حياة الفتى محمد بلال الطريق العادي عبر الذهاب إلى المدرسة التي وصل فيها إلى الصف الثامن، ولا تواجه عائلته مشاكل كثيرة، لكن ما يقلقه هو حال أفغانستان والخوف من المستقبل المجهول. يقول لـ"العربي الجديد": "أمن واستقرار البلاد من ضرورات الحياة. من دونهما لا نستطيع أن نعيش، وحتى العبادة تصبح غير ممكنة، لذا نريد الأمن والسلام في بلادنا حتى قبل الطعام والغذاء".
وتأتي مطالب هؤلاء الأطفال وطموحاتهم بالسلام في وقت تشهد الساحة الأفغانية أشد أنواع التصعيد، ويقتل مواطنون أبرياء يومياً وبينهم أطفال. أما مصير عملية السلام الأفغانية التي بدأت في الدوحة في سبتمبر/ أيلول 2020، فلا يزال غير واضح في ظل عدم تحقيق تقدم ملموس، باستثناء الاتفاق على خريطة طريق، ما يجعل جميع الأفغان، وتحديداً الأطفال الأبرياء، في خيبة كبيرة.

المساهمون