لاجئو المناخ... القارة الأوروبية تخشى الأسوأ

لاجئو المناخ... القارة الأوروبية تخشى الأسوأ

21 اغسطس 2022
تواجه مناطق عدة من العراق موجة الجفاف (أسعد نيازي/ فرانس برس)
+ الخط -

كان الحديث عن التغيّر المناخي سابقاً موضع جدل في ظلّ إصرار البعض على اعتباره "مؤامرة". إلا أن ما تشهده العديد من دول العالم من فيضانات وموجات جفاف وارتفاع في درجات الحرارة وغيرها من الكوارث الطبيعية ساهم في تثبيث هذه الحقيقة العلمية.

وتشهد الدول الأوروبية مؤخراً موجات حر لم تعرفها سابقاً، ما يطرح تساؤلات أكثر جدية حول النتائج الكارثية لهذا الواقع. من بينها اتساع ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة الأرض، بالإضافة إلى تطرف المناخ كموجات الحر والجفاف، وذوبان الأنهر الجليدية، وارتفاع مستويات سطح البحار، بالإضافة إلى الفيضانات والأعاصير.
وعلى الرغم من أنّ تأثيرات تغير المناخ في الدول الغنية كانت أقل حدة بالمقارنة مع الدول الفقيرة في جنوب الكرة الأرضية خلال السنوات الماضية، جاء صيف 2022 ليذكر بأنه لا أحد بمنأى عن التغيرات المتطرفة والمتقلبة التي تشهدها التغيرات المناخية. 
اشتداد موجات الحر خلال الأسابيع الأخيرة، وما رافقها من جفاف وحرائق طاولت مدناً لم تشهد كوارث طبيعية مثلها من قبل، يضع عشرات الملايين في دائرة الخطر، من بينهم من اعتبروا أنفسهم خارج نطاق التهديد.  
وقد يجبر تغير المناخ مجموعات كبيرة من الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المعرضة للخطر أو المنكوبة على الفرار من ديارهم ليتحولوا إلى لاجئي مناخ.

ونتيجة للتغيرات المناخية التي قد تؤدي إلى حدوث مجاعات، سيلجؤون إلى مناطق أكثر أماناً وازدهاراً في القارة الأوروبية، عدا عن النزوح الداخلي. وتتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) تزايد نقص الغذاء ومياه الشرب في المناطق المتضررة من الجفاف، مشيرة إلى أن ملايين البشر سيجبرون على الفرار إلى حيث تتوفر وسائل البقاء.

كيف ظهر مصطلح "لاجئو المناخ" وما تبعاته؟

مصطلح "لاجئو المناخ" ليس جديداً، وبقيت المؤتمرات المتعلقة بالمناخ تحذر منه منذ عام 2007. ووضع المصطلح على أجندات مؤتمر "أكرا" للمناخ عام 2008 الذي عقد في غانا، حيث اتجهت الدول الغربية الشمالية إلى مناقشة النزوح الداخلي واللجوء من القارة الأفريقية نحو أوروبا.

وتقدمت الدولة الأوروبية الشمالية الصغيرة مثل الدنمارك بمجموعة مقترحات من خلال المفوضة الدنماركية البيئية السابقة كوني هيدغورد. وحذر المشاركون من الجفاف واضطرار السكان في بعض دول أفريقيا جنوب الصحراء من الانتقال بقطيعهم إلى مناطق أخرى تتوفر فيها مياه وخضرة، ما سيؤدي إلى المزيد من النزاعات القبلية والحدودية. 
هيدغورد قدمت أمثلة على هجرة الناس مع قطعانها نحو السنغال ومالي، مشيرة إلى تأثيرات ذلك على الفقراء الذين "سيواجهون المزيد من المصاعب". 
منذ سنوات، تعرب القارة الأوروبية عن الخوف من أن تتحول إلى مصدر لجوء مناخي من فقراء دول أفريقيا، وزادت محاولات الهجرة إلى أوروبا من البنغاليين والهنود والباكستانيين. كما شهدت منطقة المحيط الهادئ فرار سكان جزيرة كيريباتي وهي واحدة من أكثر الجزر المأهولة في العالم عرضة للمخاطر المترتبة على التغير المناخي.

ومنذ عام 2008، أدت العواصف التي تتزايد قوتها والحوادث والكوارث الناجمة عن تقلبات الطقس والمناخ، إلى نزوح ما يصل متوسطه إلى 24.1 مليون شخص سنوياً في مختلف أنحاء العالم.

الصورة
أدت موجات الحر إلى اشتعال حرائق في إسبانيا (سيزار مانسو/ فرانس برس)
أدت موجات الحر إلى اشتعال حرائق في إسبانيا (سيزار مانسو/ فرانس برس)

وتفيد تقديرات البنك الدولي بأن 143 مليوناً آخرين سيلحقون بهؤلاء، بحلول عام 2050 في ثلاث مناطق فقط؛ هي دول أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية. 
وكانت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والتي تتألف من 18 خبيراً مستقلاً من دول مختلفة، قد انتقدت عام 2015 قرار نيوزيلندا إعادة أسرة لاجئة بسبب التغيرات المناخية، ما فتح أبواباً قانونية أمام نوع آخر من حقوق اللاجئين، غير المنصوص عليها في إتفاقية جنيف 1951.

واستندت الأمم المتحدة إلى المادة السادسة من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948" التي تتحدث عن "الحق في الحياة". وسيؤدي تدفق اللاجئين بحثاً عن مناطق آمنة من جراء تغير المناخ إلى مزيد من الأزمات حول العالم.  
وتشير التقديرات إلى أن نحو 250 مليون إنسان قد يضطرون إلى مغادرة مناطقهم والتوجه إلى أخرى تتيح لهم القدرة على الاستمرار. ومع مرور السنوات واتساع نطاق تأثير تغير المناخ في معظم أنحاء العالم، تشير التقديرات إلى تأثر نحو مليار إنسان بتلك المتغيرات، والنزوح الداخلي والهجرة إلى خارج الحدود.  
وتشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن أكثر من 20 مليون شخص يضطرون للانتقال داخلياً أو اللجوء عبر الحدود كل عام بسبب تغير المناخ والكوارث المناخية.

وأصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة تقريراً بعنوان "تغيّر المناخ 2022: الآثار والتكيف وقابلية التأثير"، مشيراً إلى أن العالم سيواجه مخاطر مناخية متعددة في السنوات العشرين المقبلة مع ارتفاع درجة الحرارة العالمية نحو 1.5 درجة مئوية، وأن المجموعات السكانية والنظم البيئية الأقل استعداداً للتكيف هي الأكثر تضرراً.

يتزامن التغير المناخي الحاد مع اضطرابات وحروب

تعد قضية لاجئي المناخ إحدى أهم نتائج التغيرات المناخية غير المحتملة لمجتمعات كثيرة. وحذر بعض الخبراء الأوروبيين منذ عام 2008 من أن انعكاسات ذلك على دول الجنوب الفقيرة ستؤدي إلى اضطرابات أو حروب في المناطق التي سيسعى اللاجئون للوصول إليها. فالتنافس على الحق في المياه أو الموارد الغذائية بين مختلف المجموعات السكانية أو الجنسيات سيخلق وقائع تعتبر تحدياً أمنياً للمجتمعات المستضيفة.

الصورة
إيطاليا من بين الدول الأوروبية التي شهدت موجة حرارة مرتفعة (تيزيانا فابي/ فرانس برس)
إيطاليا من بين الدول الأوروبية التي شهدت موجة حرارة مرتفعة (تيزيانا فابي/ فرانس برس)

وبدأت هذه الأزمة تطل برأسها في مختلف المجتمعات التي تئن بسبب وجود ملايين اللاجئين على أراضيها في ظل تراجع الاقتصاد والموارد، وغياب الاهتمام الدولي للمساعدة في التنمية والتغلب على تحديات وأضرار تغير المناخ في دول منشأ اللاجئين. 
وتبدو قدرة الدول النامية على مواجهة آثار التغيرات المناخية، وخصوصاً تلك الواقعة في غرب أفريقيا، ضعيفة. وتنضم دول شرق القارة إلى الدول التي تعاني من الجوع، بالإضافة إلى مجموعات سكانية كبيرة، على الرغم من الوعود الغربية منذ نحو 15 سنة بمساعدتها على تخطي التحديات الناجمة عن نقص المياه والفيضانات وظاهرة النينيو والنينيا والتغلب على غياب الاستقرار بسبب النمو السكاني المترافق مع الأزمة الاقتصادية.
يقول الخبير في التغيرات المناخية في مؤسسة "التعاون بين الشعوب" بيورن أوفرماركه لـ "العربي الجديد"، إن الحالة السودانية في أفريقيا "تمثل أحد النماذج على غياب عملي لمواجهة انتشار الجفاف والفيضانات. وعلى الرغم من أن البلد كان يمكن أن يتحول إلى سلة غذائية ضخمة في قطاع الزراعة، يجد نحو مليون إنسان في جنوب السودان أنفسهم مهددين في مستقبل بقائهم، وهؤلاء يضافون إلى ملايين آخرين في الشمال يعيشون أسوأ الظروف المتأتية عن التغيرات المناخية". 

ويتحدث الباحث في شؤون الهجرة العالمية جون فيسترغود عن سيناريو مقلق على المستوى العالمي، لافتاً إلى أن غياب الموارد "سيؤدي إلى فوضى وضغوط هائلة خلال سعي عشرات الملايين دفعة واحدة إلى ترك قراهم وبلادهم متوجهين نحو دول أخرى في سعيهم للبقاء على قيد الحياة". ويعيش سكان الدول الفقيرة ظروفاً صعبة يزداد فيها الضغط على الموارد للتأقلم مع المتغيرات، الأمر الذي يؤثر سلباً على المجتمعات الزراعية. 
وحذر خبراء الأمم المتحدة للتغير المناخي ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو) مراراً من أن الدول النامية تواجه زيادة في تلوث مياه الشرب والتربة والهواء، كما أن بعض سكان المجتمعات الفقيرة، بما فيها في البرازيل، يضطرون للتعاون مع الشركات الكبيرة لقطع الأشجار من أجل ربح يقيهم الفقر، علماً أنها ضرورية للتوازن البيئي.  
وتزداد المناطق الجافة جفافاً، وقد امتد إلى جنوب القارة الأوروبية ما يعني انخفاض المحاصيل الزراعية في ظل الاحتباس الحراري وتراجع معدل هطول الأمطار إلى نصف ما كانت عليه قبل 2020 في بعض أنحاء أفريقيا.  
وتشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن المخاطر المتأتية عن زيادة حدة وتواتر الظواهر الجوية القاسية، مثل الهطولات المطرية الغزيرة بدرجة غير عادية، أو الجفاف المطول، أو التصحر، أو التدهور البيئي، أو ارتفاع منسوب مياه البحر، أو الأعاصير الموسمية، تتسبب برحيل أكثر من 20 مليون شخصٍ وسطياً من بيوتهم وانتقالهم إلى مناطق أخرى في بلدانهم كل عام.

المساهمون