لاجئة فلسطينية علّمت أولاداً على الأرض لإعالة أسرتها

لاجئة فلسطينية علّمت أولاداً على الأرض لإعالة أسرتها

06 ديسمبر 2020
ساعدها عملها في تحقيق بعض أحلامها (العربي الجديد)
+ الخط -

حكاية اللاجئة الفلسطينية القاطنة في لبنان آمال منذر عبيد قد تكون مشابهة لقصص الكثير من الفلسطينيين الذين غيّرت الظروف مساراتٍ أرادوها لأنفسهم. ثمّ تأتي ظروف أخرى لتفرض بدورها على البعض خيارات لم تكن في حسبانهم. 
لم يُحالف الحظ عبيد (44 عاماً)، اللاجئة الفلسطينية المقيمة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين (جنوب لبنان). فهذه المرأة لم تتمكن من متابعة تعليمها الثانوي لأسباب تصفها بـ "الخاصة". إلا أن هذا الأمر لم يدفعها إلى العزلة أو التوقف عن تطوير الذات. ولأنها تحب المطالعة، كانت تقرأ الكثير من الكتب باللغتين العربية والإنكليزية. ومع الوقت، حين أصبح لديها عائلة، تولّت تدريس أولادها بنفسها، ثم خطر في بالها افتتاح ما أسمته معهداً صغيراً في بيتها لتعليم الأطفال، وبالتالي تقاضي ما تيسّر من مال لمساعدة ابنتها على الالتحاق في الجامعة، وتأمين العلاج الذي يحتاج إليه ولديها، وهما من ذوي الاعاقة.  
في هذا المعهد، اكتفت بالأرضية حيث تجلس وتلاميذها للدراسة. وما تتقاضاه يساعدها في تأمين دخل إضافي، ولو بسيط، للبيت، يساعدها على تعليم أولادها وتأمين العلاج لولديها المعوقين. 
تقول عبيد: "ولدت في مخيم عين الحلوة. تركت مقاعد الدراسة منذ ثمانية وعشرين عاماً، أي بعدما أنهيت الصف التاسع الأساسي. لكن هذا لم يوقفني. كنت أقرأ كثيراً وأتولى تدريس أولادي، ما جعلني أكتسب مهارات ومعارف جديدة. ومن خلال اضطراري إلى الترجمة من اللغة الإنكليزية إلى العربية لشرح الدروس لأطفالي، بت أكثر قدرة على قراءة وفهم اللغة الأجنبية. لكن حين باتوا في مراحل متقدمة، كانوا يذهبون إلى مدرسين خصوصيين عند الحاجة".

قبل ثماني سنوات، ومع تردّي الأوضاع الاقتصادية، قرّرت عبيد العمل لمساعدة عائلتها، من خلال تدريس الأطفال في بيتها كونها لا تستطيع العمل في الخارج لاضطرارها إلى الاهتمام بولديها المعوقين. وبالفعل، أخبرت الجيران عن مشروعها وبدأت تستقبل أطفالاً لتدريسهم. تضيف: "عندما أنهت اِبنتي تعليمها الثانوي، كانت لديها رغبة شديدة بالتخصص في مادة الرياضيات في الجامعة، لكن الأمر كان صعباً باعتبار أن الأقساط الجامعية مرتفعة ولا تتناسب مع وضعنا المادي، وما من أحد يساعدنا في تأمين هذه المصاريف. ثمّ عرضت على ابنتي زيادة عدد الأطفال الذين نستقبلهم على أن تساعدني في تدريسهم بهدف تأمين قسطها الجامعي. بداية، خافت من التجربة لأن التدريس مسؤولية، لكنني شجعتها وقلت لها: سنتساعد معاً في تدريسهم. وخلال أربع سنوات، زاد عدد التلاميذ. وما أتقاضاه من التعليم أسدد فيه الأقساط الجامعية". وبعد تخرّج ابنتها من الجامعة اللبنانية الدولية، باتت تدرّس مادة الرياضيات وخصوصاً لصفي الشهادة الرسمية، لافتة إلى صعوبة الحصول على وظيفة هذه الأيام، وتحديداً للفلسطينيين. 
تُتابع أنّه طوال سنوات عملها هذه، كانت تعمل من البيت لأجل ولديها، علماً أنها كانت قد تطوعت سابقاً للعمل في مركز للعلاج الفيزيائي من أجلهما، وذلك لمدة ثماني سنوات، حصلت في ثلاث سنوات منهم فقط على أجر. وتقول إنه خلال السنوات الخمس الأخرى، استفادت من التطوع، وكانت تحصل على سعر جيد لعلاج ولديها. 
يعمل زوج عبيد سائق سيارة أجرة، ولا يتجاوز دخله الشهري العشرين ألف ليرة لبنانية (13 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي)، ولديهما خمسة أولاد، ابنة وأربعة صبيان، إثنان منهما من ذوي الاعاقة. تقول: "في هذه الأيام، ماذا تفعل العشرين ألف ليرة؟ أسعار الخضار واللحوم وكل مستلزمات الحياة اليومية إلى ارتفاع. لذلك، لا بد أن أعمل لمساعدة أسرتي، وتأمين الاحتياجات الضرورية".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

تُتابع: "ما أتقاضاه في الشهر الواحد عن كل تلميذ يعد زهيداً جداً. أتقاضى عن التلميذ في صف الروضة أربعين ألف ليرة لبنانية (نحو 26 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي)، والتلميذ في الصف الأول ابتدائي خمسين ألف ليرة (نحو 33 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي)، ورفعت بدل تدريس التلميذ في الصف الثالث ابتدائي إلى 65 ألف ليرة لبنانية (نحو 42 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي). لكن الأهل عارضوا الأمر، ما اضطرني إلى خفضه مجدداً، علما أن المبلغ زهيد. أدرك أنني مضطرة إلى مراعاة أوضاع الناس الاقتصادية، إذ إن المعاناة في المخيم واحدة ولا تختلف كثيراً بين عائلة وأخرى. أكثر من ذلك، خسر كثيرون أعمالهم نتيجة الأزمة الاقتصادية في البلاد وتفشي فيروس كورونا بالإضافة إلى أسباب أخرى".  

المساهمون