كورونا يكشف غطاء الإناء التعليمي

كورونا يكشف غطاء الإناء التعليمي

21 ابريل 2022
ثمّة تراجع في استكمال التعليم في الدول العربية (مرتضى السوداني/ الأناضول)
+ الخط -

 

الثابت أن مقياس التقدم والتنمية وتحقيق الرفاهية والرد على التحديات المطروحة، لم يعد مرهوناً بامتلاك الثروات ولا الأسلحة الذرية أو التقليدية وغيرها، بل أصبح مشروطا بامتلاك الدول والشعوب قاعدة تعليمية صلبة ومتفوقة قادرة على قيادة المجتمع نحو التطور. وهو ما يستلزم المزيد من العمل الدؤوب والجهود المضنية لتطوير بنيتها التعليمية بما هي منظومة قيم أولاً وإدارات وبشر وتجهيزات ثانياً. غير أنّ هذه القاعدة العامة يبدو أنها لم تجد صدى فعلياً لها لدى البلدان العربية التي تعاني أزمة حقيقية تبعث على القلق، في ما يتعلق بمستقبلها العلمي والتقني والتربوي عموماً. 

ولعل كل دلالات ومعاني القصور في التعامل مع تفشي وباء كورونا أنه كشف الغطاء عن محتويات الإناء التعليمي في الدول العربية. والواقع أن أزمة التعليم في العالَم العربي خطيرة للغاية ومزمنة، أي أنها لا تتعلق بما شهدته من فوضى وارتجال في غضون عامي انتشار الوباء، وما تسبب به من كوارث في الكمّ الأكبر من الدول والمؤسسات. ولنبدأ من الاعتراف بأن المنطقة العربية استحقت بجدارة وصفها بأنها أكبر "بؤرة للأمِّيَّة في العالم"، وأنّ الجامعات العربية - مع استثناءات طفيفة - لم يكن لأيٍّ منها مكانٌ بين الجامعات الـ 100 الأعلى تقديراً وسط جامعات العالم الواسع. وأن طلابها الأقل جودة في المسابقات الدولية في الرياضيات والعلوم عن شرق آسيا وأميركا اللاتينية وآسيا الوسطى، وبالتأكيد عن أوروبا وأميركا الشمالية. يحدث هذا رغم تزايد الاهتمام بشأن جودة التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في السنوات الأخيرة. ويشمل ذلك الكثير من المدارس والجامعات التي تدفع مبالغ طائلة لتتبارى في الحصول على اعتماد من مدارس دولية وجامعات عالمية مرموقة. 

وأشار تقرير للأونيسكو إلى أنّ هناك تراجعاً في استكمال التعليم في الدول العربية بسبب عدم وجود فرص عمل مناسبة للخريجين، وإلى تكدُّس في المناهج التعليمية والاعتماد على التلقين المستمر، وإهمال جانب التطبيق العملي لتلك المناهج. ويُسجَّل كذلك عامل خطير آخر وهو عدم اهتمام وندرة في دور الكتاب والمعامل العلمية والمكتبات وهزال في الأبحاث. هذا بالإضافة إلى استخدام العنف ضد الطلاب؛ مما أدّى إلى ضعف انتمائهم وحبّهم لاستكمال العملية التعليمية، وأخيراً غياب الديمقراطية وعدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب داخل المنظومة التعليمية، إذ غالباً أنّ رؤساء الإدارات التعليمية غير متخصّصين أصلاً في المجال التعليمي ويشغلون مواقعهم لاعتبارات زبائنية مع المسؤولين الأعلى.

موقف
التحديثات الحية

بدوره، كشف تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم عن أنّ التعليم في كثير من الدول العربية يعيش حالة صعبة، وسيفضي إلى تداعيات سلبية على صعيد المستقبل العلمي والتقني للأجيال العربية اللاحقة، خصوصاً إذا لم تقم تلك الدول بتبني استراتيجيات تعليمية جديدة. البنك الدولي في أحد تقاريره حذر من تخلف التعليم في العالم العربي مقارنة بباقي الدول. وشدد على ضرورة القيام بإصلاحات عاجلة لمواجهة المشكلات والتحديات. أكثر من ذلك يجزم البنك أنه رغم تقلص الفجوة بين الجنسين في فرص التعليم، ما زالت الدول العربية متخلفة عن كثير من الدول النامية في هذا المجال. وأعاد التقرير الأسباب إلى أن هذه الدول خصصت 5 بالمائة فقط من إجمالي الناتج المحلي، و20 بالمائة من إجمالي الإنفاق الحكومي على التعليم خلال الأربعين سنة الماضية. وأن هناك فجوة بين التعليم وما تحتاجه المنطقة من نمو اقتصادي ضعيف مرده انخفاض مستوى التعليم بشكل كبير. 

(باحث وأكاديمي)

المساهمون