كورونا وتحدي النظافة في بريطانيا

كورونا وتحدي النظافة في بريطانيا

03 مايو 2021
"محطة للتعقيم" في لندن (مايك كمب/ Getty)
+ الخط -

في ظل جائحة كورونا التي أنهكت دول العالم، ومنها بريطانيا، ارتفعت مبيعات المعقّمات السائلة في الأخيرة بنسبة 74.9 في المائة والمبيّضات بنسبة 32 في المائة أكثر ممّا كانت عليه في العام السابق، ما بين مارس/ آذار 2020 ومايو/ أيار منه. ويبدو الحفاظ على النظافة أسلوب الدفاع الأفضل للحفاظ على أرواحنا في وجه عدو شرس، علماً أنّه بدّل نمط حياتنا بالكامل.
وقد ساهم فيروس كورونا الجديد في رفع مستوى الوعي بأهمية النظافة في معظم المجتمعات، بدءاً من غسل اليدين وصولاً إلى تعقيم المنازل وكل ما نلمسه، حتى أصيب بعضنا بهوس النظافة الذي قد يؤذي أحياناً أكثر ممّا يفيد. لكنّ الأمر ساهم في تسجيل تقدّم واسع في مجال النظافة في بريطانيا، إذ كانت أبحاث قد بيّنت في عام 2019 أنّ 49 في المائة فقط من البريطانيين يغسلون أيديهم بعد استخدام حمّام عام.
ويقول الطبيب البريطاني المتخصص في الصحة العامة والطب الوقائي، جيمس هامبلين، في كتابه "نظيف: العلم الجديد للبشرة"، إنّه "كان لا بدّ من أن ينتقل مفهومنا للنظافة إلى أبعد من المظهر الخارجي للشخص". يضيف هامبلين: "سنفكر أكثر في الأمور التي كان ينبغي علينا القيام بها طوال الوقت. يموت مئات الآلاف من الأشخاص كل عام بسبب الإنفلونزا التي من الممكن الوقاية من انتشارها بالوسائل ذاتها التي تعلمناها في العام الماضي". ويتابع أنّه "من المرجح أن يشجّع وباء كورونا على ثقافة بقاء العامل المريض في منزله والإبقاء على الجراثيم هناك، والتوقف عن إبداء الإعجاب بثقافة الحضور إلى المؤسسة التي كانت مقبولة حتى العام الماضي. فنحن كنّا نرى موظفاً يرتجف ويعطس، مع تراكم المناديل على مكتبه".
ويعترف هامبلين بأنّه توقف عن الاستحمام لمدّة خمس سنوات، "إذ لا يوجد سبب صحي لغسل جسمك بالصابون كل يوم"، لكنّه يؤكد أنّه لم يتوقف عن غسل يديه قط، وأحياناً كان يبلل شعره لكنّه لم يستخدم الشامبو. ويأمل هامبلين أن "ندرك مع هذا الوباء أنّنا في حاجة إلى التفكير بشكل أكثر وضوحاً، وأنّ ما يهمّ مع كوفيد-19 هو مدى بُعدك عن شخص ما وليس مظهره أو ما إذا كانت رائحته رائعة". ويكمل أنّه "في عالم قائم على البصريات، حيث تشكّل النظافة والأمراض تحدياً، لا يمكنك رؤية جزيئات الفيروس. لنفترض أنّك ترى شخصاً تنبعث منه رائحة طيبة ويرتدي بدلة جميلة وقد قصّ شعره حديثاً. إذا سعل فهو يمثّل التهديد. وليس التهديد بشخص لم يستحم اليوم لأنّه بلا مأوى".

في سياق متصل، تواصلت "العربي الجديد" مع عدد من الأشخاص لمعرفة كيفية تأثير أزمة كورونا على سلوكياتهم ومستوى النظافة لديهم. فيقول سام (50 عاماً) وهو صاحب مطعم في لندن: "لا أعدّ نفسي مهووساً بالنظافة، لكنّني كنت أعقّم أيّ مكان أحلّ به حتى قبل ظهور كورونا. عندما أرتاد أيّ مقهى، كنت أمسح الطاولة والكراسي بالمناديل المعقّمة قبل الجلوس. هي عادة اكتسبتها من والدتي. تصرّفي هذا كان يقابل بنظرات تعجّب واستهزاء من كثيرين حولي، لكن مع هجمة الوباء بدا ذلك طبيعياً جداً إذ صار الجميع تقريباً يقوم بالمثل". ويشير سام إلى أنّ عمله يتطلّب مستوى عاليا من النظافة، كونه يلمس الطعام الذي يقدّم للزبائن، وأيّ خطأ في كيفية حفظ الأطعمة أو حمايتها من الجراثيم قد يؤدّي إلى التسمّم أو نقل فيروس كورونا إلى الزبائن. ويتابع سام: "ليس بالضرورة أن نكون أطباء أو علماء لندرك أنّ الجراثيم هي سبب إصابتنا بأمراض عديدة، ففي بريطانيا يُطلب من أي شخص يتعامل مع الطعام الحصول على شهادة في النظافة والسلامة".

تعقيم أيدي في محطة للمواصلات في لندن (نيكلاس هالن/ فرانس برس)
يعقّم يديه في محطة للمواصلات في لندن (نيكلاس هالن/ فرانس برس)

أمّا يولانتا راتينسكا (38 عاماً) وهي موظفة أمن في مطار هيثرو في لندن، فتقول إنّ "عدد عمّال النظافة ازداد خلال أزمة كورونا، كذلك زاد استخدام المعقمات ومسح المقاعد والطاولات وجوانب السلالم الكهربائية وأسطح أخرى. وكما هو معلوم، بات إلزامياً وضع القفازات والكمامات طوال فترة الدوام. وبالنسبة إلى المسافرين، كان يُطلب في الماضي من عدد من الأشخاص فقط خلع الأحذية، أمّا الآن فينبغي على الجميع القيام بذلك عند المرور بأمن المطار، وذلك لحماية الموظفين وتقليص نسبة تفتيش العابرين. فالمرور من دون حذاء مهما كان نوعه يخفّض من تفعيل أجهزة المسح".
من جهته، يقول جيم مورفي (70 عاماً) وهو بريطاني متقاعد، إنّ "الوباء أرغمني على الرغم من تقدّمي في العمر، على تبديل عاداتي، وبتّ أغسل يدَيّ بشكل أكبر بكثير مقارنة بما كانت عليه الحال من قبل، مع العلم أنّني لم أكترث يوماً للأمر على الإطلاق وأؤمن أنّ الإنسان في حاجة إلى الجراثيم لتقوية جهاز المناعة لديه". يضيف مورفي: "توقّفت عن الدخول إلى غرفة النوم بالحذاء بعدما كنت أجلس به على السرير، وصرت أكثر وعياً بالجراثيم التي ننقلها من الشارع إلى منازلنا. كذلك رحت أتجنّب المواصلات العامة، محاولاً الابتعاد عن الأماكن المزدحمة قدر الإمكان. وبصراحة، لاحظت انخفاض نسبة الإصابة بالإنفلونزا من حولي، مع ازدياد أعداد الأشخاص الذين بدأوا بغسل أيديهم خوفاً من الإصابة بكوفيد-19. وأظنّ أنّ عادات النظافة التي اكتسبناها في أزمة كورونا سوف تستمر حتى بعد انتهائها".

وتُعَدّ شبكة المواصلات في بريطانيا من أكثر الأماكن التي قد يُصاب فيها الأشخاص بكوفيد-19، نظراً إلى ما تشهده من ازدحام طوال أيام الأسبوع. لكنّها باتت اليوم أكثر نظافة من أيّ وقت مضى، وسط تفشّي فيروس كورونا، وذلك بسبب تعقيمها بمواد تنظيف مماثلة لتلك المستخدمة في المستشفيات، وبمطهرات مضادة للفيروسات، وبأجهزة تعقيم بالأشعة فوق البنفسجية على السلالم المتحركة، بالإضافة إلى مئات نقاط تعقيم الأيدي. كذلك يتدفق الهواء باستمرار في داخل الحافلات والقطارات والترام والمحطات، للحفاظ على تهوية الشبكة. ويُمنع المسافر من استخدام وسائل النقل العام في حال لم يضع كمامة تغطي الفم والأنف في المحطات وعلى المنصات وطوال مدّة الرحلة، إلا في حال توفّر استثناء طبي. وحتى الآن، مُنع نحو 149 ألف شخص من السفر، في حين تلقّى نحو 2700 آخرين إخطاراً بغرامة ثابتة.

المساهمون