كورونا والأزمة الاقتصادية يخيّمان على احتفالات السوريين بعيد النوروز

كورونا والأزمة الاقتصادية يخيّمان على احتفالات السوريين بعيد النوروز

21 مارس 2021
احتفالات قبل جائحة كورونا (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

ألقى فيروس كورونا وكذلك الوضع الاقتصادي المتدهور في سورية بظلالهما على احتفالات الأكراد بعيد النوروز في شمال شرق البلاد. وكانت التحضيرات له قد انطلقت قبل أيام عدّة، وأُشعلت النيران بالمناسبة في الساحات العامة وعلى الجبال، أمس السبت. وتُقام فعاليات العيد في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية بشكل رسمي اليوم الأحد، وذلك بالتجمّع حول النيران وإقامة حلقات الدبكة والرقص على الأغاني الكردية في المناطق المفتوحة وحضور العروض المسرحية وتقديم الطعام، مع ارتداء اللباس الكردي التقليدي.

ويتشارك الأكراد الاحتفال بعيد النوروز أو "اليوم الجديد" مع الفرس والأفغان منذ القدم، فمن خلاله يستقبلون السنة الشمسية الجديدة. يُذكر أنّ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) أدرجت، في فبراير/شباط من عام 2010، عيد النوروز في القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، وأقرّت يوم 21 مارس/آذار يوم نوروز العالمي.

وكان النظام السوري يمنع مظاهر هذا العيد بشكل واسع، لكن بعد عام 2011 وتراجع قبضته الأمنية عن بعض المناطق، صار الاحتفال به طقساً سنوياً. لكنّ مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يشكّل نواة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وبعد تمكّنهم من مناطق واسعة في شمال شرق سورية في عام 2013، بدأوا كذلك يضيقون على المحتفلين ويحددون ضوابط للفعاليات.

وهذا العام، لم يتهيّأ الأكراد لعيدهم كما جرت العادة، على خلفية انتشار فيروس كورونا والظروف الاقتصادية المترديّة التي تمرّ بها المناطق السورية كلها، خصوصاً مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية من لحوم وخضار وفواكه وعصائر، بالإضافة إلى أسعار الأقمشة والوقود.

يقول حكيم هولي (55 عاماً) من مدينة القامشلي لـ"العربي الجديد" إنّ "الأسعار كانت موضوع نقاشنا  اليوم كمجموعة من الأصدقاء. وتساءلنا كيف يستطيع معلم مدرسة أو صاحب مهنة حرة تأمين مصاريف عيد النوروز من ثياب ومواصلات ومواد غذائية. صحيح أنّ التضييق الأمني لم يعد كالسابق، غير أنّ الضغط المالي كبير". يضيف هولي أنّ "تكاليف العيد بالنسبة إلى العائلة هي 300 ألف ليرة سورية على أقل تقدير، علماً أنّ بدلات المواصلات تضاعفت ثلاث مرات مقارنة بالسنوات السابقة. مثلاً كنّا نذهب إلى قرية علي فرو التي تبعد 15 كيلومتراً عن القامشلي للاحتفال، وكانت الرحلة تكلفنا ستة آلاف ليرة، أما اليوم فتكلّف 40 ألفاً على الأقل". وهذا أمر اضطرّ المحتفلين إلى الخروج سيراً على الأقدام، وإلى التجمّع في أماكن قريبة حول قراهم وبلداتهم.

وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية التي رافقت انتشار فيروس كورونا الجديد، تقول بريفان شيخي (30 عاماً)، وهي أمّ لأربعة أطفال، لـ"العربي الجديد": "سوف أحتفل مع عائلتي وأصدقائي بالنوروز مهما كلّف الأمر". تضيف أنّه "في كل عيد، كنت أشتري الثوب التقليدي الكردي المزركش الذي بلغ سعره أخيراً نحو 50 دولاراً أميركياً، وأنا مضطرة كذلك إلى شراء ثياب لأولادي، وهذا أمر يجعلني أتصرّف في المال المدّخر لمصاريف الأشهر المقبلة. لكنّني مجبرة على ذلك لأنّ الأطفال يرون كيف يلبس أقرانهم الثياب الجديدة، ويشتري لهم أهاليهم الهدايا وأصناف الطعام المختلفة".

في سياق متصل، يقول مالك خليل، وهو ممثل ومدير "مركز الهلالية للفنون الشعبية" في مدينة القامشلي، لـ"العربي الجديد": "نقدّم العروض المسرحية والرقصات الشعبية في كل عيد نوروز، وهذه السنة يقتصر الأمر على منصات عدّة تتوزع جغرافياً على مراكز التجمعات السكنية في داخل المدن وخارجها، والفعاليات تُنظَّم في القامشلي والحسكة والمالكية وعامودا". ويؤكد أنّ "الاحتفالات لن تكون هذا العام كسابق عهدها، بسبب الإجراءات المتخذة على خلفية تفشي فيروس كورونا الجديد، وتراجع دخل العائلات الكردية بسبب طول سنوات الحرب وما رافقها من خسائر في الثروات وانتشار للفقر".

وبالتزامن مع بدء فعاليات عيد النوروز، أعلنت قوى الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية (أسايش) منع تحرّك الشاحنات والصهاريج بكل أحجامها وأنواعها، وكذلك الدراجات النارية بكل أنواعها، مع تعليق إدخال وإخراج البضائع بكل أنواعها مِن وإلى مناطق شمال شرق سورية من خلال المعابر الرسمية. كذلك منعت دخول وخروج الأفراد، وحظرت إطلاق الأعيرة النارية من قبل المواطنين والعسكريين والقوات الأمنية حتى يوم الاثنين 22 مارس / آذار الجاري.

وتتعدد الروايات حول هذا العيد، من دون أن يكون في الإمكان الجزم بحقيقة تاريخية واضحة، وقد اختلفت الأساطير المرتبطة بعيد النوروز بين الشعوب المحتفلة فيه. بالنسبة إلى الأسطورة الكردية، فهي تتحدث عن أنّ كاوا الحداد استطاع التخلّص من الملك الآشوري الشرير زوهاك، الذي كان يعمد إلى قتل طفلين يومياً ليدهن بدماغيهما مرضاً ظهر على كتفَيه، علماً أنّ الشمس رفضت الشروق نتيجة ظلم هذا الملك، بالتالي استحال نموّ أي غذاء. وراح كاوا يقدّم للملك أدمغة خراف بدلاً من أدمغة الأطفال الذين راح ينقلهم إلى الجبل، حتى جاء الوقت المناسب الذي أسّس فيه كاوا جيشاً من الصغار واستطاعوا قتل الملك الشرير. فعادت الشمس للإشراق ثانية، وراحت النباتات تنمو من جديد. يُذكر أنّ طقوس عيد النوروز تبدأ قبل أيام من الاحتفال برأس السنة الشمسية، وتستمر 13 يوماً بعده. ومن بينها الخروج إلى الطبيعة وارتداء الألوان الزاهية وتجهيز مائدة تضم سبعة أصناف كلها تبدأ بحرف السين، وترمز إلى معاني العشق والخير والبركة والسعادة.

المساهمون