كورونا منسيّ في رمضان أفغانستان

كورونا منسيّ في رمضان أفغانستان

23 ابريل 2021
المساجد تعجّ بالمصلّين وقت صلاة التراويح (هوشنك هاشمي/فرانس برس)
+ الخط -

لا صوت يعلو في أفغانستان فوق صوت الحرب ودوي الانفجارات وأنباء القتل والقتال المتواصل. وفي وقت ينشغل فيه العالم كلّه بجائحة كورونا وتبعاتها الثقيلة التي بدّلت طقوس رمضان هذا العام والعام الماضي، يعيش الأفغان في وضع أمني متأزّم. ويشغل بالهم، في رمضان الحالي، الخوف من المصير المجهول بعد قرار القوات الدولية بالانسحاب من جهة، ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود من جهة ثانية، بدلاً من انشغالهم بجائحة كورونا وتبعاتها واتخاذ الإجراءات الواجبة المتعلقة بها.
في سوق تيمني، في قلب العاصمة كابول، المكتظ بالمواطنين بعد صلاة العصر وقبيل أذان المغرب، يجتمع عشرات المواطنين حول عربة محمد رفيع (67 عاماً)، لشراء خبز "بولاني" الأفغاني (خليط من البطاطا والخضار وأنواع مختلفة من البهارات ويُقلى في الزيت)، غير آبهين بجائحة كورونا وتبعاتها، أو ما تقوله وزارة الصحة عن أنّ الموجة الثالثة من الجائحة قادمة وهي خطيرة وتتفشى بسرعة فائقة.
لكن من اجتمعوا حول عربة محمد رفيع، تجاهلوا ما يقوله المسؤولون عن الجائحة بل وبعضهم يزعمون أنها "مؤامرة من الأعداء من أجل القضاء على طقوس رمضان وإثارة البلبلة في أوساط الأمة". يقول محمد كليم لـ"العربي الجديد"، وهو يشتري يومياً، منذ بداية شهر رمضان، خبز البولاني، إنّ "الموت والحياة بيد الله، ونحن نؤمن بقضائه وقدره، لذا لا يمكننا أن نترك ما تبقى من طقوس قليلة لشهر رمضان بسبب الجائحة والخوف من تفشيها". وأكّد أنّ المعضلة الأساسية هي في انعدام الأمن والحرب وتبعاتها وليست في كورونا.
وتكتظ جميع الأسواق بالعاصمة كابول والمدن الرئيسية، خاصة بعد صلاة العصر. إذ إنّه عادة ما يشتري الأفغان احتياجات الإفطار والسحور بشكل يومي. ولا يلتزم المتسوّقون بإجراءات الوقاية من الفيروس أو يرتدون الكمامات. 
لكن محمد شفيق، وهو صاحب بقالة في الشارع رقم أربعة من سوق تيمني، والذي يقصده يومياً مئات الأشخاص، يخالف هذا الرأي ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّه وكلّ من يعمل في بقالته، وعددهم ثمانية، ملتزمون بالتعليمات الصحية، من ارتداء الكمامات والالتزام بالتباعد الاجتماعي. ويشير إلى أنّ "الدين الحنيف يأمرنا بالعمل بما يقوله المختصّون في كلّ مجال، لذا علينا أن نصغي للأطباء في ما يقولونه بخصوص الجائحة".
وتوافق شريحة صغيرة من الأفغان على ما يقوله شفيق، بينما أكثرهم لا يبالون بالجائحة مع أنّ أعداد المصابين في تزايد وأعداد الوفيات في ارتفاع متواصل. 
يقول محمد منير، أحد التجّار الذي فقد ثلاثة من أقاربه هذه الأيام بسبب الجائحة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المشكلة الأساسية في أفغانستان هي الحرب المستعصية على كل شيء حتى فكر الأفغان وعقليتهم. كنّا نظن أنّ جائحة كورونا هي من صنع الأعداء وأنه فيروس مختلق، ولم نكن نخاف منه أو نأخذ الاحتياطات، ولكننا فقدنا ثلاثة أشخاص في العائلة بسبب الجائحة، وهم زوج أختي وابن عمي، حبيب الله، وهو شاب لم يتجاوز الـ35 من العمر. كما فقدنا قبل أيام ابن خالتنا، وهو شاب تزوج قبل سنتين وله ابن واحد، بسبب الإصابة بالجائحة. لقد أيقنا أنّ الحلّ الوحيد هو باتخاذ الإجراءات اللازمة، فصرنا نلبس الكمامة ونلتزم بالتباعد الاجتماعي".

 

صحة
التحديثات الحية

لا يختلف الحال في المساجد، فهي تعجّ بالمصلّين وقت صلاة التراويح، والغريب أنّ كبار السن يرتادونها أكثر من الشباب، رغم أنّهم أكثر عرضة للخطر. لقد فقد الضابط المتقاعد من الداخلية، عبد المجيد خان، زوجته بسبب الإصابة بالجائحة قبل ثمانية أشهر، وهو الآن في العقد السابع من عمره ولكنه يواظب على الذهاب إلى المسجد من أجل صلاة التراويح، رغم إصرار أبنائه عليه بعدم الذهاب والصلاة في المنزل. يقول عبد المجيد لـ"العربي الجديد"، "لا يصيب الإنسان شيئاً إلا بقدر الله، ولا ندري من منّا في العام القادم سيكون على قيد الحياة، وبالتالي نصلّي هذا العام في المسجد ولا أقبل بالصلاة في المنزل فأنا بصحة جيدة، وأستطيع الذهاب إلى المسجد". ليس هذا فقط، بل ينوي عبد المجيد أيضاً الاعتكاف في المسجد في الثلث الأخير من شهر رمضان.
أخيراً، يمكن القول إنّ جائحة كورونا لم تغيّر كثيراً من طقوس شهر رمضان في أفغانستان، ذلك بعد أن حلّت على هذه البلاد الكثير من الويلات بسبب الحرب المستعصية، التي دمّرت كل شيء، حتى أجواء رمضان. فالخوف سائد في كل مكان والحديث عن القتل والقتال موجود في كلّ شارع، ما جعل جائحة كورونا وتبعاتها شبه منسية.

المساهمون