كلاب "الفقر"... مصير عكس رغبات اللبنانيين

كلاب "الفقر"... مصير عكس رغبات اللبنانيين

18 يناير 2022
لبنانيون يكافحون للحفاظ على كلابهم (حسين بيضون)
+ الخط -

لم تنج الكلاب في لبنان من الفقر، وسط أزماته المتتالية، وعدم وجود خطة بديلة لحمايتها من فقدان مواطنين كُثر عملهم وتدني قدرتهم الشرائية. أصبح التخلي عن الكلاب أمراً إجبارياً لتخفيف النفقات، فباعها بعضهم أو عرضوها على آخرين لتبنيها، أما آخرون فتركوها لمواجهة المصير المجهول في الشوارع، وغضوا الطرف عن التهديدات التي قد تتعرض لها من دهس أو إصابة بأمراض مختلفة، وأيضاً مواجهة الأضرار النفسية. 
لكن أشخاصاً كُثراً لا يزالون يكافحون بكل إمكاناتهم المتاحة للحفاظ على كلابهم في منازلهم، في خطوة يحرص ناشطون على تشجيعها من خلال توفير مساعدات في مجال تربية الكلاب لمن يحتاج إليها، وبينهم شادي، الذي قرر مواصلة احتضان كلابه الثلاثة كما فعل في الأعوام الستة الأخيرة، وأن يكمل حياته معها، لأنه يؤمن بأن رمي أرواح في الشارع "فعل إجرامي".

يقول شادي لـ"العربي الجديد": "كيف أستطيع أن أتخلى عن 3 كائنات شكلت مصدر سعادة كبيرة لي في حياتي منذ أن تبنيتها؟ كلها من نوع بيرجيه ألمان (الراعي الألماني)، ويحمل الكلب الأول اسم لابيل، والذي دخل منزلي حين ضاعت كلبتي الأولى من دون أن أعلم شيئاً عن مصيرها، وأنا في عمر صغير. وكان لابيل في الثالثة من العمر فتعلقت به جداً، وأذكر أنه في اليوم الأول لوجوده في المنزل لم أعرف النوم، واهتممت به طوال الليل، ثم أصبحنا صديقين. ومن شدة تعلقي به تبنيت كلبة من النوع نفسه سمّيتها ستيلا كي يتزوجها وينجبا تمهيداً للاحتفاظ بنسله أطول مدة ممكنة، وهو ما حصل فسمّيت مولودهما وولف، وتفرغت لرعاية الكلاب الثلاثة والاهتمام بها". 
يضيف: "مع مرور الوقت، أصبحت مسؤولية الكلاب الثلاثة كبيرة على عاتقي، في حين كان الأمر سهلاً سابقاً حين لم أكن أفكر أصلاً في كلفة طعامها. وبت باعتباري موظفاً أتقاضى راتبي بالليرة اللبنانية أفكر ماذا أستطيع أن أفعل للاحتفاظ بها وعدم تعريضها لمخاطر، فبحثت عن صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تهتم برعاية الحيوانات، وطلبت مساعدة عبر إحداها على موقع "فايسبوك" لتأمين طعام للكلاب الثلاثة في مرحلة أولى ثم لقاحات. وتجاوب معي عدد من رواد الموقع الذين ساعدوني في تأمين الحماية والأمان لكلابي التي لا أتخيّل أن أعيش يوماً بعيداً عنها حتى لو تأكدت أنها ستكون في مكان أفضل مادياً. وأنا أعلم في ظل الظروف التي نمر بها، أنها لن تكون في حال أفضل نفسياً مما هي حالياً". 

الصورة
رعاية الكلب مكلفة في لبنان اليوم (حسين بيضون)
رعاية الكلب مكلفة في لبنان اليوم (حسين بيضون)

"الأفضل أن يجوع الكلب في منزله"
من جهتها، تقول الناشطة في مجال حقوق الحيوان غنى النحفاوي، لـ"العربي الجديد": "تتعرّض الحيوانات لمخاطر نفسية وصحية عدة حين يتخلى صاحبها عنها. لا يمكن تخيّل وضع كلب أليف يرمى في شارع. الأفضل أن يجوع الكلب في منزله بدلاً من أن يُشرّد، علماً أن رمي الحيوانات ليس أمراً جديداً في لبنان، لكن تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار اللقاحات وطعام الكلاب في الفترة الأخيرة زادت هذه الظاهرة، كما سهّلت مواقع التواصل الاجتماعي بيع الكلاب وتبنيها".
ومع تفاقم مشكلة الاعتناء بالحيوانات الأليفة، أطلقت النحفاوي مع عدد من الناشطين في المجال نفسه مبادرة على موقع "تويتر" لحث الأشخاص الذين يملكون كلاباً على الاحتفاظ بها في منازلهم، وعرضت التواصل معهم لمساعدتهم في تأمين الطعام واللقاحات اللازمة، وتقول: "تجاوب أشخاص قليلون معنا، وأبدوا استعدادهم للاحتفاظ بحيواناتهم الأليفة، بينما استطعنا إنقاذ عدد من الكلاب كي لا يصبح مصيرها الشارع أو تتعرض لتعذيب من متبنين جدد لا يظهرون مسؤولية تجاهها. فالحيوانات الأليفة ليست برية، ولا تتقن الاصطياد أو البحث عن طعامها في حاويات القمامة، كما أن لا ملاجئ عامة على نفقة الدولة لحماية الكلاب الشاردة".
وتنصح النحفاوي الأشخاص المتبنين بخلط الطعام المخصص للكلاب مع الطعام المنزلي من أجل تخفيف التكاليف الباهظة، وتجاوز المرحلة الصعبة الحالية من دون خسارة حيواناتهم الأليفة، وتشير إلى أنها تتعاون مع بيطريين للمساعدة في تنفيذ عمليات الإخصاء وتوفير اللقاحات الدورية والسنوية مقابل أسعار أقل".
وعن الجهات الداعمة، توضح النحفاوي أن "التبرعات فردية أو على نفقة الناشطين، وبعضها من خارج لبنان. لكن لا يمكن تأكيد أو ضمان هذه المساعدات. وحالياً نستمر في مساعدة أشخاص يحتاجون إلى ذلك".

الصورة
الكلاب مصدر سعادة لكُثر (حسين بيضون)
الكلاب مصدر سعادة لكُثر (حسين بيضون)

إلى الخارج
أيضاً، تقول لينا فرحات، وهي سيدة أعمال تطوعت لإنقاذ الحيوانات، لـ"العربي الجديد": "نأخذ كناشطين مهمة إنقاذ الحيوانات على عاتقنا الخاص ونستفيد من تبرعات يوفرها أشخاص آخرون. وقد سهّلت صفحات التواصل الاجتماعي عملية الحصول على مساعدات، وأنا أشرف على صفحة تضم متابعين كُثر، ونجحت عبرها في تأمين مساعدات كثيرة لحماية الكلاب. كما أتابع شخصياً الكلاب من لحظة استلامها، وأودعها في فنادق مؤقتة مدفوعة حتى تسليمها إلى أحد المتبنين أو إرسالها إلى خارج البلاد".

وتشير فرحات إلى أن الملاجئ الخاصة التي تهتم بالكلاب تجاوزت قدرتها على استيعاب الكلاب المعروضة للتبني الذي تعتبر آليته غير سهلة مع تفاقم الوضع الاقتصادي، وهي وجهت نداءات إلى الخارج للتبني، لكن الإجراءات بطيئة ويحتاج تنفيذها إلى وقت طويل.
وتطالب فرحات الدولة اللبنانية بوضع قوانين تمنع تجارة الحيوانات التي تشكل سبباً رئيساً في الإهمال الحاصل في حق الكلاب.

المساهمون