كابوس "التوجيهي" في الأردن

كابوس "التوجيهي" في الأردن

11 اغسطس 2021
شكاوى من صعوبة امتحانات السنة الحالية (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

تقدم أكثر من 207 آلاف طالب إلى امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) في الأردن، ولا يزال الأهل يشعرون بكابوس جاثم فوق صدورهم في انتظار صدور النتائج المرتقبة منتصف أغسطس/ آب الجاري، بعدما كانوا أبدوا مع أبنائهم الذين خاضوا الامتحانات غضبهم من صعوبة الأسئلة في موسم دراسة شهد تراجعاً في قدرات الطلاب بتأثير اضطرارهم إلى التعلم عن بعد بسبب تفشي وباء كورونا
وعموماً، يواكب أردنيون كُثر وصول أبنائهم إلى مرحلة الثانوية العامة بقلق ورعب بسبب عوامل عدة أبرزها الخوف من الفشل، والاعتقاد بأن النجاح في "التوجيهي" يشكل مفتاح النجاح في الحياة، ما يضع التلاميذ وأهلهم أمام عبء نفسي كبير.  
وخلال اجتماع عقدته لجنة التخطيط المركزي في وزارة التربية والتعليم الشهر الماضي، قال وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، محمد أبو قديس إن "امتحانات الثانوية العامة ستخضع لتطوير على يد لجنة تضم متخصصين وتتولى درس جملة أفكار، بينها استحداث مركز وطني للقياس والتقويم يشرف على تنظيم الامتحانات الوطنية، وعدم حصر الامتحانات بسنة واحدة للمرحلة الثانوية الأخيرة، بل تشمل كل سنوات هذه المرحلة أو التي قبلها، ما يخلق معايير أفضل في تكافؤ الفرص، ويجعل إجراءات الامتحانات أكثر وضوحاً وشفافية، ويخفف من الضغط النفسي الذي تفرضه الآلية الحالية على الطلاب وأولياء الأمور والمجتمع". وجزم بأن "إلغاء امتحان التوجيهي غير وارد، لكننا سنخضع مختلف جوانبه وآلياته وأزمنة إجرائه لدراسة تطوير موسعة وشاملة مع التمسك بالحفاظ على هيبة شهادة الثانوية العامة وسمعتها". 
وفعلاً شكل مجلس التربية والتعليم، في 4 أغسطس/ آب الجاري، لجنة لتطوير امتحانات "التوجيهي" مكلفة مهمة وضع آليات امتحانات تستطيع مساعدة الطلاب في التوجه إلى التخصص الذي يرغبون به، والتخفيف من الضغوط النفسية والتوتر الذي يتعرض له الطلاب وأولياء أمورهم. 

وأبدى أبو قديس ثقته بقدرة اللجنة المشكلة على تطوير الامتحانات، استناداً إلى دراسة علمية وبالتعاون مع كل الأطراف التربوية والتعليمية والسلطة التشريعية ومؤسسات المجتمع المدني. وشدد على أن "الأنظمة التربوية الحيّة تراجع سياساتها التربوية والتعليمية باستمرار، وتعمل لتطوير خططها وبرامجها من أجل تلبية احتياجات المجتمع المتجددة، وتواكب المنافسة العالمية". 

الآلية الفضلى
يقول منسّق حملة "ذبحتونا" الوطنية من أجل حقوق الطلاب الدكتور فاخر دعاس لـ"العربي الجديد" إن "النظام المعتمد لدخول الجامعات استناداً إلى نتائج امتحانات التوجيهي هو الأفضل حالياً لأنه يتمتع بصدقية عالية، ويعزز آلية القبول الموحد، من خلال معايير شفافة تخلو من أي تلاعب". ويرى أن "الاستغناء عن امتحانات التوجيهي من أجل تطبيق القبول المباشر في الجامعات يعزز الواسطة والمحسوبية والفساد، وقد يظلم الطلاب، كما قد يمنح الجامعات فرصة لرفع أقساطها، والتخلص من التزام رسوم التنافس الجامعي". يتابع: "نعتبر أن أي حديث عن قبول مباشر في الجامعات يشكل تمهيداً لخصخصتها، ورفع يد الحكومة عنها وتعزيز الفساد". 
وحول الإشكالات والشكاوى التي رافقت امتحانات العام الحالي، لم يؤيد دعاس مقولة إن "درجة صعوبة الأسئلة فاقت التوقعات وخرجت عن الإطار الطبيعي لامتحانات التوجيهي"، مشدداً على أن العامين الأخيرين شهدا انتقاء أسئلة مباشرة وسهلة من أجل تسويق نظام الدورة الواحدة باعتباره ذات فائدة أكبر للطلاب، كما أن تفشي جائحة كورونا عام 2020 أوجد حال عدم انتظام دراسي حتم وضع أسئلة أكثر سهولة رفعت معدل النجاح". 
من هنا يربط دعاس "احتجاجات الطلاب وأهلهم على الأسئلة هذه السنة بتطبيق نظام الدراسة عن بعد الذي أضعف قدرات الطلاب مقارنة بموسم الدراسة الوجاهية الاعتيادي، والحقيقة أن وزارة التربية والتعليم كان يجب أن تأخذ هذا الأمر في الاعتبار، لكنها ارتأت وضع اسئلة مماثلة لسنوات ما قبل عام 2019، ما فاجأ بعض الطلاب". 

الصورة
في انتظار نتائج الثانوية العامة (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
في انتظار نتائج الثانوية العامة (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

التحديات والفرص
توضح المتخصصة في مجال الإرشاد الاجتماعي والصحة النفسية، نجوى حرز الله، لـ"العربي الجديد" أنّ "الضغط زاد على كل الأطراف المعنية بامتحانات الثانوية العامة في العامين الماضيين، بسبب العقبات التربوية والتعليمية المرتبطة بجائحة كورونا، والتي امتزجت بالفكرة الاعتيادية القائمة على ضرورة التغلب على الذات والمجتمع في محاولة الحصول على علامات عالية في امتحانات الثانوية العامة، كي تشكل وسيلة دخول مناسبة للجامعات واختيار التخصص الذي يناسب الطلاب والأهل معاً، علماً أنّ السؤال المطروح يظل حول مقدار قياس هذه الامتحانات القدرات الحقيقية للطلاب على صعيد المعرفة المكتسبة والمهارات العلمية، والفوارق الفردية بين الطلاب". 
تتابع: "رغم كل هذه المعطيات والانتقادات التي واجهتها معايير اختيار الأسئلة، تبقى هذه الامتحانات الأكثر مثالية وشفافية لتقييم الطلاب، ووضعهم في المكان المناسب"، معتبرة أن "سلوك المجتمع أثرّ كثيراً على المقاييس، ما يزيد الخوف لدى إدارات المدارس والأهل. فالمدرسة تبذل قصارى جهدها لحصول طلابها على المراكز الأولى على صعيد العلامات، في حين يتحدى الأهل أبناءهم، مع غضهم النظر أحياناً عن قدراتهم والأساليب التي يستخدمونها في الدراسة، ما يخلق مشكلة كبيرة لدى الطلاب الذين يجدون اهتمام ذويهم في امتحانات الثانوية العامة فقط، بخلاف مراحل التدريس السابقة". وترى حرز الله أن "لا بدائل مناسبة حالياً لفكرة إلغاء امتحانات الثانوية العامة، من أجل ضمان استقرار التعليم وفرض مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب". 

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وتشدد على "ضرورة تجنب تقييم الامتحانات من خلال مطالب يطلقها عدد من الطلاب لا يمثلون كل المستويات على صعيد القدرات والكفاءات، وحصر ذلك في جهات معينة ولجان متخصصة، ووضع علامات استفهام في حال ارتفاع العلامات ونسبة النجاح أو انخفاضها، وإعادة النظر في عدد المواد التعليمية التي تتضمنها الامتحانات، وطريقة تنظيمها، وحتى أساليب إعداد المعلمين والمدرسين، كما تمكن الإفادة من تجارب آخرين لاستبدال هذه الامتحانات".  

المساهمون