قلق في جبل محسن وباب التبانة اللبنانيتين من التداعيات السورية

26 مارس 2025
يحتفلون بسقوط الأسد في طرابلس، 9 ديسمبر 2024 (فتحي المصري/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الوضع الأمني والاجتماعي في شمال لبنان يشهد ترقبًا بسبب اللجوء السوري واستقرار أمني هش، مع قلق السكان من تأثير التطورات السورية وتاريخ الصراع بين جبل محسن وباب التبانة، وسط مخاوف من استغلال سياسي للفقر والبطالة.

- هناك وعي متزايد بين سكان جبل محسن وباب التبانة حول مخاطر الفتنة الطائفية، مع مطالبات للحكومة بإعطاء الأولوية لطرابلس ومعالجة قضايا الفقر، حيث يشير النائب إيهاب مطر إلى تراجع المخاوف بفضل الوحدة المجتمعية.

- الصراع بين جبل محسن وباب التبانة بدأ مع دخول النظام السوري في الثمانينات وتفاقم بعد الثورة السورية في 2011، حيث دعمت جبل محسن النظام السوري، بينما دعمت باب التبانة الثورة، مما يساهم في عدم استقرار الوضع الأمني.

يسود الترقّب مناطق شمالي لبنان على وقع استمرار اللجوء من مناطق الساحل السوري، في ظلّ استقرار أمنيّ هشّ بالمنطقة.

لا تخفي غالبية سكّان طرابلس قلقها من انسحاب التطورات في الداخل السوري على مناطق شمال لبنان، خصوصاً أهالي منطقتي جبل محسن (غالبية علوية) وباب التبانة "سُنية"، بالنظر إلى تاريخ الصراع بين المنطقتين، وجولات القتال الدامية التي جرت في السابق ربطاً بالموقف من التدخلات السورية، ثم من اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
تبدو حركة الشارع طبيعية، لكن حديث الناس اليومي يتركز على الوضع الأمني والمعيشي، وهو ما يمكن سماعه عند سؤال أي من المارة، أو من صاحب كشكٍ يبيع القهوة أو العصير، أو رجلين يلعبان طاولة الزهر في المقهى، أو صاحب متجر يشاهد التلفزيون أو يسمع الراديو كي يتابع نشرات الأخبار.
من جبل محسن، يقول علاء لـ"العربي الجديد": "الأهالي قلقون بالطبع، والقلق موجود دائماً في ظلّ حالة الاستقرار الهش، والمخاوف من أي حدث داخلي أو خارجي قد تكون له تداعيات على طرابلس كلها، فهناك استغلال سياسي لارتفاع معدلات الفقر والبطالة من أجل دفع الناس إلى الشارع، عدا عن السلاح الموجود بأيدي الجميع. يظل هناك وعي عند الناس، وكثيرون منهم تعلموا من تجارب الماضي".
ومن باب التبانة، يعتبر عمر أنّه "من السهل إشعال الشارع من جديد، خصوصاً في ظلّ استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وتزايد نسب الفقر والجهل، لكن في الوقت نفسه، بات وعي الناس أكبر، وهذا ما نعوّل عليه لمواجهة أي مخطط للفتنة، ونأمل أن تضع الحكومة طرابلس على رأس أولوياتها، وكفى حرماناً وإهمالاً لسكان هذه المدينة".
في السياق ذاته، يقول النائب عن مدينة طرابلس، إيهاب مطر لـ"العربي الجديد"، إنّ "توتراً حصل في الأيام الأولى لبدء النزوح السوري ربطاً بحادث تعرض له مراهق تبين أنه ليس نازحاً حديثاً، بل مقيم، وكانت المخاوف قائمة من أن يكون هناك مسعى لخلق طابور خامس، أو أن يكون لشخصيات تابعة للنظام السوري السابق أو فلوله نية إجرامية، لكن كل هذه المخاوف تبدّدت بعدما تبيّن أن الناس كلها مع وحدة الصف، بمن في ذلك الطائفة العلوية التي رفعت خطاباً جامعاً".
ويلفت مطر إلى أنه "لا إشارات تؤكد أن هناك من يعمل على خلق فتنة، ومع ذلك يبقى الحذر مطلوبا، ومن الضروري أن نواصل عملنا على صعيد إطلاق خطابات تحاكي العيش المشترك ووحدة الصف والتكاتف بين أبناء المدينة من أجل منع أي فرضية أو إمكانية لخرق الشارع وخلق الفتنة. حتى اليوم لا معطيات أو أرقام دقيقة حول أعداد النازحين الجدد، خصوصاً أن العديد منهم يتجه للسكن عند أقاربه، وليس في مراكز اللاجئين، ونسمع أن هناك نحو 6 إلى 7 آلاف نزحوا إلى عكار، وتقريباً ألف وصلوا إلى جبل محسن".

يحتفل بانتخاب الرئيس اللبناني، 9 يناير 2025 (إبراهيم شلهوب/فرانس برس)
يحتفل بانتخاب الرئيس اللبناني، 9 يناير 2025 (إبراهيم شلهوب/فرانس برس)

يتابع: "الوضع مختلف عن السابق، فالتجارب أكدت أن كل من شارك في جولات القتال خرج خاسراً، والمستفيد الوحيد كانت النعرة الطائفية والأدوات التي تعمل لصالح الخارج. الوعي اليوم أكبر، والناس لا تريد العودة إلى هذه الفترة السوداء، عدا عن أن الخطاب لم يعد طائفياً ولا شعبوياً كما في السابق، ومعظم الفرقاء منهكون من الحروب، سواء في الداخل اللبناني، أو في سورية، فلا تجييش لخلق الفتنة، ولا تجاوب في حال وجود نيات. رغم ذلك، نحرص على منع الانزلاق إلى الفتنة، أو تحويل المدينة إلى جبهات، ومنع الاصطفاف وراء الخطاب الطائفي، وهناك دور أيضاً للأجهزة الأمنية، ووعي عند الطبقة السياسية، وهذا ما ظهر من قرار الحكومة تشكيل لجنة للنظر في ملف النزوح".
بدوره، يقول المحامي والناشط السياسي مصطفى العويك لـ"العربي الجديد"، إنّ "الناس في جبل محسن وباب التبانة باتوا أكثر وعياً وادراكاً لأي توظيف سياسي، وليسوا مستعدين للدخول في أمور تدفعهم إلى الفوضى أو جولات عنف جديدة. نتمنى من الدولة أن تحزم أمرها في موضوع نزع السلاح، وأن تكون حاضرة، ليس فقط أمنياً بل اجتماعياً وإنمائياً أيضاً لتعوّض على أهل طرابلس كل سنوات الإهمال الماضية".
ويلفت العويك إلى أنّ "التفلّت الأمني موجود في المدينة منذ سنين طويلة، وهو يتصاعد أو يتراجع ربطاً بالتطورات الاجتماعية والسياسية، وهو ما دفع الناس إلى التسلح بحثاً عن طريقة لحماية أنفسهم، بينما كانت الدولة غائبة، لكننا اليوم أمام اختبار جدي على صعيد تثبيت الأمن، والذي لا يكون بالتراضي أو مع ناس على حساب آخرين، فالأمن يكون بالعدل والحزم".
وحول تاريخ الصراع بين جبل محسن وباب التبانة، يقول الباحث خالد الحاج لـ"العربي الجديد"، إنّ "الصراع بين المنطقتين يُعتبر من بين النزاعات الحديثة نسبياً في تاريخ لبنان المعاصر، إذ إنه فعلياً لا جذور عميقة لهذا الصراع، سواء في أيام العثمانيين أو في فترة الانتداب الفرنسي، مروراً بنيل لبنان استقلاله، ومع بداية الحرب الأهلية (1975– 1990)، بدأت الخلافات الطائفية والسياسية".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ويشير الحاج إلى أن "المحطة الدموية الرئيسية من الصراع بدأت في عام 1984 مع دخول النظام السوري إلى طرابلس، وإخراج ياسر عرفات من المدينة، وقتها قاتلت منطقة جبل محسن عبر الحزب العربي الديمقراطي إلى جانب القوات السورية، فيما حركة التوحيد الإسلامي وباقي الجماعات الإسلامية والفلسطينية اعتبرت أن السوريين غزاة، وأن جبل محسن خانتهم، فبدأ الصراع. كان من الطبيعي في عام 2005، مع الانسحاب السوري من لبنان، أن تقف جبل محسن بقيادتها السياسية مع النظام السوري، فيما وقفت باب التبانة مع قيادات (14 آذار)".
ويضيف الحاج: "في عام 2011، وقفت جبل محسن إلى جانب النظام السوري، بينما دعم أهل باب التبانة الثورة السورية، وكانت طرابلس من أكثر المدن اللبنانية التي دعمت الثورة، واستقبلت الثوار واللاجئين، خصوصاً أن هناك صراعاً دموياً خاضته مع النظام السوري، فاعتبرت ما يحصل نوعا من أنواع الثأر، عدا عن الطابع الطائفي الذي سلكته الحرب السورية، والتي رأينا تداعياتها في طرابلس، خصوصاً بين 2011 و2014، عبر اشتباكات دامية متقطعة بين المنطقتين".

ودخل لبنان مرحلة سياسية جديدة مع انتخاب رئيسٍ للجمهورية بعد شغور استمرّ لأكثر من سنتين، وتشكيل حكومة أعادت للمؤسسات صلاحياتها، بيد أنّ الوضع الأمني لم يستقر، نظراً لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي لمواقع حدودية جنوباً، وتكرار اعتداءات الاحتلال، والمواجهات التي شهدتها المنطقة الحدودية مع سورية.

المساهمون