قطف النرجس... مزارعو إدلب الفقراء بين الجمال والخطر

29 ابريل 2025
زهور النرجس مصدر رزق في شمال إدلب، 27 إبريل 2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في ريف إدلب، يُعتبر قطف أزهار النرجس مصدر رزق موسمي مهم للأسر، رغم المخاطر الجسدية مثل الألغام ولسعات الأفاعي وسوء الأحوال الجوية، حيث تُباع الأزهار بأسعار زهيدة.
- تعاني الأسر السورية من الفقر المدقع بسبب الحرب والنزوح، وتعتمد النساء مثل خديجة حيدر على قطف النرجس لتأمين احتياجاتهن، بينما تذهب الأرباح غالباً للتجار بسبب ضعف تنظيم السوق.
- تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، مما يدفعهم للبحث عن فرص عمل محفوفة بالمخاطر، مع مطالبات بدعم برامج عمل آمنة.

لا تُقطف أزهار النرجس في قرى ريف إدلب بسورية للزينة فقط، بل هي مصدر رزق موسمي يخفف شيئاً من وطأة الفقر رغم كل المخاطر التي يواجهها القاطفون، وغالبيتهم نساء وأطفال، ففي ظل تفشي البطالة، يجد كثيرون في قطف النرجس البري فرصة عمل بديلة حتى إذا كانت مؤقتة.
تخرج سعاد الحميدو (45 سنة) رفقة أطفالها الثلاثة مع أول خيوط الشمس، يحملون سلالاً فارغة على أمل ملئها بما يتيسر من زهور النرجس التي تنتشر في براري محيط بلدتهم معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي، وتقول لـ"العربي الجديد: "لا نملك خيارات كثيرة، فلا مصادر دخل ولا فرص عمل، والغلاء هاجس يؤرق حياتنا. كل باقة نبيعها تساعدنا في شراء الخبز والخضار، فلم نعد نستطيع مجاراة الأسعار".

وليست المشقة البدنية وحدها ما يثقل كاهل جامعي النرجس، بل تحيط بهم مخاطر عدة، إذ تنتشر في الحقول ألغام ومخلفات حربية تهدد حياتهم في كل خطوة، وتوضح سعاد: "نعلم أن هناك ألغاماً في التلال التي جرى تحريرها حديثاً من عصابات الأسد التي كانت تحتلها، لكننا مضطرون للمخاطرة، فلا عمل آخر لدينا".
وتتكرر الحوادث بسبب لدغات الأفاعي والعقارب. تقول الطفلة نور البرغل (11 سنة) لـ"العربي الجديد" إن صديقتها تعرّضت للدغة عقرب أثناء قطف النرجس، ما كاد يودي بحياتها لولا أنه جرى إسعافها في الوقت المناسب. وتؤكد أن هذا الحادث يجعلها تخاف من قطف النرجس، لكنها تعود كل يوم، وإن بحذر.
تعيش نور مع أمها وإخوتها في قرية صغيرة قرب معرة النعمان منذ توفي والدها في قصف استهدف منطقتهم قبل سنوات، وهي تحلم بشراء حذاء جديد بالمال الذي تجنيه من قطف النرجس في الحقول التي تذهب إليها مع شقيقها، وتقضي ساعات طويلة في التنقل بين التلال الوعرة لجمع الزهور رغم البرودة والوهن، وتقول: "أريد فقط حذاءً دافئاً، وأن أساعد أمي قليلاً بعدما تعبت من محاولة الإنفاق علينا عبر العمل في الخياطة، لذا أبذل جهداً أكبر".
وإلى جانب لدغات الأفاعي والعقارب، يرهق سوء الأحوال الجوية القاطفين الذين قد يعملون وسط هطول أمطار غزيرة أو تحت شمس حارقة من دون ارتداء ملابس مناسبة أو التزود بمعدات وقاية، ما يؤدي إلى تكرار إصابتهم بنزلات برد وضربات شمس وتعرضهم لحوادث سقوط بسبب وعورة البراري.

زهور نرجس للبيع، 27 إبريل 2025 (العربي الجديد)
زهور نرجس للبيع، 27 إبريل 2025 (العربي الجديد)

في العادة يبدأ موسم النرجس في فبراير/شباط ويستمر حتى نهاية مايو/أيار، وتتميّز زهرة النرجس بجمالها ورائحتها العطرة، ما يجعلها مطلوبة في الأسواق المحلية من الأهالي وتجار الزينة والزهور. وتباع باقات منها في الأسواق الشعبية بأسعار زهيدة تتراوح بين 3000 و7000 ليرة (30 و60 سنتاً). ومع كثرة العرض وانخفاض الطلب أحياناً يُكافح القاطفون لتحقيق مردود مقبول بعد ساعات من العمل المضني.
من جهتها، لم تجد خديجة حيدر (38 سنة) التي فقدت زوجها خلال الحرب إلا فرصة العمل موسمياً في قطف النرجس لتأمين القوت لأطفالها الخمسة، وهي تحمل سلال النرجس صباحاً بعد قطفها طوال اليوم السابق، وتعبر الوديان سيراً على الأقدام لبيع الزهور في الأسواق القريبة من بلدة البردقلي حيث تقيم فيها. وتقول لـ"العربي الجديد": "الزهور جميلة لكنها لا تشبع البطون، ومع ذلك لا خيار لنا".
تتابع: "رغم قسوة العمل تذهب الأرباح غالباً إلى جيوب التجار الذين يشترون الزهور بأسعار زهيدة ثم يبيعونها بأسعار مرتفعة بعد نقلها إلى المدن الكبيرة. وهذا ما دفعني لبيعها بنفسي في أسواق الدانا شمالي إدلب، فنحن كنا نبيع الباقة للتجار بألفي ليرة (15 سنتاً)، وهم يبيعونها بخمسة أضعاف السعر، أي أننا نتعب، وهم يربحون".
وتعتبر أن "غياب تنظيم السوق وتدني الوعي بحقوق العمالة الموسمية جعل النساء والأطفال فريسة سهلة لاستغلال السماسرة". وهي تصرّ، رغم المخاطر والأرباح الهزيلة، على التمسك بهذه الفرصة البسيطة لكسب لقمة العيش، وتناشد المعنيين دعم برامج تؤمن بدائل عمل أكثر أمناً للأطفال والنساء من قاطفي النرجس تحديداً من أجل تجنيبهم مخاطر الحقول الملوثة بالألغام، وتأمين مصادر دخل أكثر استقراراً لهم.

وعموماً تعكس حالة قاطفي النرجس واقع الكثير من الأسر السورية التي تعاني الفقر المدقع بسبب سنوات الحرب والنزوح وتدهور الاقتصاد وارتفاع تكلفة المعيشة. وتفيد إحصاءات الأمم المتحدة بأن نحو 13 مليون سوري، أي أكثر من 50% من السكان، يفتقرون إلى الأمن الغذائي، وأن ثلاثة ملايين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع.
ويشير خبراء إلى أن الفجوة بين مستوى الدخل ومتطلبات الحياة المعيشية هي جوهر المشكلة في المشهد الاقتصادي السوري. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن أكثر من ربع السكان يعيشون في فقر مدقع، أي بأقل من 1.25 دولار يومياً. وما يزيد الأزمة في سورية نزوح أكثر من سبعة ملايين شخص تقريباً داخلياً.

المساهمون