قصف "المعمداني"... الاحتلال يضاعف كارثة غزة الصحية

13 ابريل 2025
دمار هائل أصاب المستشفى المعمداني، 13 إبريل 2025 (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعرض المستشفى الأهلي العربي في غزة للقصف الإسرائيلي، مما أدى إلى تدمير أقسام حيوية وخروجه عن الخدمة، مما زاد من تعقيد الوضع الطبي في المنطقة.
- تم نقل أكثر من 120 مريضاً إلى مستشفيات أخرى تعاني من نقص في الموارد، مما قلل من فرص إنقاذ الجرحى وهدد حياة مرضى الأمراض المزمنة.
- استهداف المستشفى أثار استنكاراً واسعاً واعتبر جريمة ضد الإنسانية، مما يعكس الوضع الكارثي للخدمات الصحية في غزة.

المستشفى المركزي الوحيد الذي يقدم الخدمة الطبية في مدينة غزة

قصف إسرائيلي أخرجه عن الخدمة ولم يعد ممكناً استقبال المصابين

لم تزد مهلة إجلاء الجرحى والمرضى عن نصف ساعة

كان المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) هو المستشفى المركزي الوحيد الذي يقدم الخدمة الطبية في مدينة غزة ومناطق شمالي القطاع منذ تدمير مجمع الشفاء الطبي ومستشفى كمال عدوان والمستشفى الإندونيسي، لكنّ قصفاً إسرائيلياً أخرجه عن الخدمة، وأغلقت أبوابه التي كانت مفتوحة على مدار الساعة لاستقبال المصابين والمرضى وجثامين الشهداء.

استهدف القصف الإسرائيلي مبنى يضمّ المختبر والصيدلية وقسمَي الإسعاف والطوارئ، ما نتج عنه خروج المستشفى عن الخدمة بعد إجلاء جميع المصابين، وطاولت الأضرار مبنى الاستقبال، وفرغت الصالة بعد نقل الأسرّة، واحتل الركام الساحة التي تضمّ في إحدى جنباتها مقابر لشهداء مجزرة أكتوبر/ تشرين الأول 2023 الدموية.

كانت مهمة إجلاء الجرحى والمصابين من المستشفى العربي المعمداني صعبة، فالمهلة التي أتاحها جيش الاحتلال الإسرائيلي لم تزد عن نصف ساعة، وكانت الطواقم الطبية تقوم بإخراج أسرّة المصابين واحداً تلو الآخر، ومع ضيق الوقت بدأ مصابون بالمشي رغم جروحهم وإصاباتهم، ثم باتوا ليلة عصيبة في الشوارع المحيطة بالمستشفى، وشاهدوا استهدافه بأعينهم.

المهلة التي أتاحها جيش الاحتلال الإسرائيلي للإخلاء لم تزد عن نصف ساعة

لم تستطع زينات الجندي (56 سنة) نقل زوجها الجريح، الذي ظل في قسم الجراحة مع طبيب أميركي وعدد قليل من الجرحى الذين لم يستطيعوا المغادرة. شاهدت قصف المبنى المجاور، وعاشت أهوالاً ذكرتها بلحظة استهداف منزلها. تحكي لـ "العربي الجديد": "زوجي مبتور القدمين، وهو منوّم بقسم الجراحة، وكان يعاني ارتفاع الحرارة، فطلب الطبيب تحاليل، فذهبت إلى قسم المختبر، ومكثت ساعتين بانتظار نتيجة التحليل، ولم يكن بالقسم الذي استهدف لاحقاً سوى اختصاصي ومساعده. عدت بالنتيجة قبل أن ينام زوجي، ثم بدأ الصراخ يعلو في الساعة الواحدة والنصف فجراً".
تضيف الجندي: "عندما بدأ الشباب بالصراخ قائلين إن الاحتلال سيقصف المستشفى، بدأت حالة من الفوضى، فجروح معظم المصابين لم تلتئم، وبعضهم ينزفون، وهناك من يضع مثبت عظام (بلاتين) ولا يستطيع التحرك. طلب زوجي مني إخراجه، لكني لم أستطع، حاولت الخروج من البوابة، فبدأ القصف، فرجعت إلى قسم الجراحة. تواصل الطبيب الأميركي مع الأمم المتحدة، وأخبرنا أنهم لن يستهدفوا القسم، لكننا كنا نعيش لحظات موت، فالاحتلال استهدف مستشفيات عديدة سابقاً، وبدأت الطواقم الطبية توزيع كمامات لحمايتنا من الاختناق الناجم عن غبار الصواريخ. عشنا لحظة القصف، وتطاير الشظايا والغبار، وكانت لحظة لا يمكن وصفها، تكسرت النوافذ، والجدران كانت تهتز، وقلوبنا كانت ترتجف من الخوف. ما الخطر الذي تشكله وحدات الدم كي يتم حرقها؟ والشاش الطبي والأدوية لماذا يتم تدميرها؟".

استهدف القصف مبنى الطوارئ والاستقبال، 13 إبريل 2025 (مجدي فتحي/Getty)

في ساحة المستشفى، يجلس الجريح محمد أبو ناصر على سريره الطبي، ويحكي لـ "العربي الجديد": "لم نكن نعرف أي الأقسام سيتم استهدافها، وجريح مثلي لا يستطيع السير، فكيف يغادر في ساعة متأخرة من الليل؟ إن كان الاحتلال يريد إخلاء المستشفى، فعليه إعطاء الجرحى والمرضى الوقت الكافي للمغادرة، وليس 20 دقيقة أو نصف ساعة. بقيت داخل قسم الجراحة، وانقطع التيار الكهربائي، وعشنا ليلة صعبة رأينا فيها الموت، وأضواء الصواريخ وأصوات الانفجارات التي حدثت في المبنى المجاور على بعد عشرات الأمتار. يشاهد العالم هذا الدمار، وتشاهده مؤسسات حقوق الإنسان بصمت مطبق. كل من عاش تلك اللحظات العصيبة كان يبكي من الخوف".

استهدف القصف مبنى يضم المختبرات والصيدلية وقسمي الإسعاف والطوارئ

من جانبه، يؤكد مدير المستشفى المعمداني الطبيب فضل نعيم، أن خبر الاستهداف والإخلاء وصل إلى إدارة المستشفى من خلال الجيران الذين تلقوا اتصالات من ضباط الاحتلال، ولم يتم إبلاغ المستشفى مباشرة. تابع أنّ الأقسام التي تعرضت للتدمير هي أقسام الاستقبال والطوارئ والإسعاف والمختبر والصيدلية وأشعة الطوارئ. ويوضح نعيم لـ "العربي الجديد" من ساحة المستشفى: "خرج المستشفى عن الخدمة، لأنّ الأقسام المستهدفة أساس عمل قسم الطوارئ، وبالتالي لا نستطيع استقبال أي حالات جديدة، وسنضطر إلى التعامل مع المبيتين من الجرحى والمرضى (من يتلقون العلاج داخل المستشفى) إلى حين اتضاح الأمور، والذي قد يستغرق أسابيع. غالبية المصابين جرى نقلهم إلى مجمع الشفاء، وكنا نجري 120 عملية غيار على جروح يومياً، وإذا لم يتم تقديم هذه الخدمة البسيطة فسيؤدي ذلك إلى التهابات وعدوى ومضاعفات. القصف أدى إلى استشهاد طفل مصاب أثناء عملية إخلائه قبل الاستهداف، وكان منوماً على جهاز أكسجين".

طاول القصف الصيدلية، 13 إبريل 2025 (داود أبو الكاس/الأناضول)

بدوره، اعتبر مدير مستشفى الشفاء الطبيب محمد أبو سلمية، أن القصف "جريمة يرتكبها الاحتلال بحق المستشفى المعمداني الذي يعد المستشفى الوحيد المركزي في غزة بعد تدمير مجمع الشفاء". ويوضح لـ "العربي الجديد": "نحن أمام استهداف سافر للمرضى والجرحى في جنح الليل، وهذا حكم بالإعدام على مئات الجرحى، بخاصة بعد خروج قسم الطوارئ عن الخدمة، ورأينا كيف كان المستشفى المعمداني يستقبل مصابي المجازر الأخيرة التي وقعت في أحياء الشجاعية والتفاح، وبالتالي أي مجزرة جديدة لن يكون هناك أي فرصة علاج للمصابين، وسيتم نقلهم إلى مجمع الشفاء غير المؤهل".

تحويل أكثر من 120 مريضاً وجريحاً إلى مجمع الشفاء بوضع مأساوي

يضيف أبو سلمية: "جرى تحويل أكثر من 120 مريضاً وجريحاً إلى مجمع الشفاء بوضع مأساوي، ونقل البعض إلى خيام مستشفى القدس في حي تل الهوى، والمستشفى الميداني الكويتي في ساحة السرايا. جرى تدمير أجهزة الأشعة بالمستشفى المعمداني، وأجهزة المختبر التي كنا في أمس الحاجة إليها، وكذلك الصيدلية المركزية. هذا حكم بالموت المحقق على أكثر من مليون شخص، وجميع الجرحى ستكون فرص إنقاذهم ضئيلة، ومرضى الأمراض المزمنة ستكون حياتهم مهددة".
يتابع: "قبل الحرب، كانت مستشفيات مدينة غزة تضم 2000 سرير طبي، وقبل خروج المستشفى المعمداني عن الخدمة كان لدينا 300 سرير فقط، والآن لا يزيد عدد الأسرّة عن 100 سرير، ولا يمكن أن تلبي احتياج مليون نسمة. العالم لا يحرك ساكناً رغم تدمير المستشفيات، وسيمر استهداف المعمداني كخبر عادي، لكن وراء الخبر مئات من الجرحى الذين سيموتون".
وتؤكد مدير دائرة المختبرات بوزارة الصحة، سحر غانم، أن "مبنى المختبر تضرر بالكامل، وتعرضت أجهزة الفحوص المخبرية بما تحتويه من مواد ومستلزمات ووحدات دم للتدمير، أو طاولتها أضرار بليغة". وتوضح لـ "العربي الجديد": "المختبر يقدم خدمات الفحوص لكل المصابين والمرضى، وللعمليات، وخرج الآن عن الخدمة، وأدى القصف إلى تدمير عدد كبير من الأجهزة، وما تبقى من أجهزة يحتاج إلى تقييم إن كانت صالحة للعمل أم لا".

وحول انعكاس الاستهداف على مجمل الخدمات الصحية في مدينة غزة وشمالي القطاع، تؤكد غانم أنّ "القصف سيحرم المصابين والجرحى والمترددين على المستشفى المعمداني من الحصول على الخدمات المخبرية، وفي حال تم تحويل الخدمة إلى مستشفيات أخرى سيزيد العبء عليها في ظل عدم وجود المستهلكات ومواد الفحص، مع تدمير عدد كبير من أجهزة المختبرات في شمال القطاع، ما يزيد العبء على أجهزة الفحوصات المتبقية، والتي قد تخرج عن الخدمة نتيجة الضغط".
وتلفت إلى أن الاحتلال تعمد استهداف المبنى الذي يضم المختبر والصيدلية وأقسام الإسعاف والطوارئ والأشعة لإحداث شلل في عمل المستشفى، فمن دون تلك الأقسام لا يستطيع الطبيب تشخيص حالة المريض أو المصاب، وبات لا يملك وحدات دم، ولا الأدوية التي يصرفها له.
ويتبع المستشفى المعمداني للكنيسة الأسقفية الأنغليكانية في القدس، وقال السكرتير الثاني لمجلس بطاركة ورؤساء الكنائس في القدس، القس الكنن دون بندر، أمس الأحد، إن "قصف الاحتلال الإسرائيلي المستشفى المعمداني في مدينة غزة، وإخراجه بالكامل عن الخدمة في أحد الشعانين، يُعدّ إهانة لجميع المسيحيين، وانتهاكاً لجميع قواعد السلوك الإنساني. مجلس الكنائس في القدس ينتظر المزيد من التقارير حول الأضرار الإضافية التي لحقت بالمستشفى، وكيف سيؤثر ذلك على قدرة الطاقم على مواصلة خدماتهم لمئات الجرحى والمصابين الذين يدخلونه يومياً".

المساهمون