قصر "طوب كابي"... مطبخ قرارات السلطنة العثمانية

قصر "طوب كابي"... مطبخ قرارات السلطنة العثمانية

30 ابريل 2022
قصر "طوب كابي" مدعاة فخر الأتراك (جمال يورطاش/ Getty)
+ الخط -

 

ربما لا مكان يكشف أسرار الدولة العثمانية في تركيا مثل قصر "طوب كابي" (الباب العالي بالتركية) في مدينة إسطنبول، فهناك عاش سلاطين الإمبراطورية العثمانية نحو 391 عاماً، منذ أن أمر السلطان محمد الفاتح ببنائه عام 1478، ومنه أديرت شؤون الدولة العثمانية، وقد عاش فيه نحو 4 آلاف شخص، وهم السلطان وعائلته وخدمه وبعض الحراس والمسؤولين والموظفين.

ولم يأخذ قصر "الدولمة باهشه" الضوء من "طوب كابي"، رغم أن السلطان عبد المجيد حوّله إلى مقر السلطنة وإدارة الدولة، واحتفظ "طوب كابي" بمكانته ورمزيته ومقتنياته، واستمر تقليد إقامة السلطان وعائلته فيه لشهر سنوياً، غالباً في شهر رمضان.

يقول الأتراك إنّ السلطان عبد الحميد اقترح تحويل قصر "طوب كابي" إلى متحف، بعدما نقل سلفه عبد المجيد بعض مقتنيات خزناته. وتابع المهمة السلطان عبد العزيز ليصبح القصر متحفاً لعامة الناس لمدة خمسة أيام أسبوعياً. لكنّ الفكرة الكاملة لم تترجم إلى واقع، إلّا بعد تأسيس الجمهورية وفرط عقد الدولة العثمانية، أيام مصطفى كمال الذي حوّل القصر في 3 إبريل/ نيسان 1924 بكل أجنحته، إلى متحف.

ومنذ عام 2014، نبّه أكبر قصور الدولة العثمانية ومطبخ قراراتها، بسبب كثرة زواره خاصة لقسم الحرملك، الدولة التركية لإخضاعه لعمليات ترميم وإصلاح أضيفت إلى 3 ترميمات سابقة. يوضح الخبير السياحي التركي سردار دونميز في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الترميم شمل في مرحلة أولى المنزل الكلاسيكي الأناضولي والفناء وغرف السيدات والجواري، من خلال إزالة الجص الخرساني وإصلاح اللوحات والبلاط، مع الحفاظ على القبة والقبو كما هما، ثم أعيد في عام 2019 ترميم قسم الحريم (الحرملك) والمستشفى اللذين يستقبلان أكبر عدد من الزوار، حين نقل قصر "طوب كابي" إلى إدارة القصور الوطنية بعدما كانت وزارة الثقافة والسياحة تتولى صيانته وتشغيله. وتحدد موعد التسليم والانتهاء العام الماضي، لكن وباء كورونا أخر إنجاز التنفيذ، واليوم بات الترميم بمراحله النهائية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وعما إذا سيشمل الترميم المنشآت الموجودة فقط أو سيشهد توسيعاً، يقول دونميز: "ستزيد مساحة قسم الحريم "الحرملك"، نظراً لكثرة زوار هذا الجناح، كما سيتم فتح المخازن المجاورة للجناح أمام الزوار. والحرملك ليس، كما هو متداول، مكان عائلة السلطان وخدمهم فحسب، بل مكان إقامة كل النساء اللواتي يلبين احتياجات الجيش وموظفي القصر. أما مستشفى الحريم فمخصص للنساء. ويتوقع أن تفتتح كل الأجنحة وبينها شقق السيدات وأجنحة الجواري أمام الزوار قريباً، بعد الانتهاء الكامل من الترميم.

وتشير مصادر تركية إلى اكتمال حوالي 80 في المائة من أعمال ترميم قسم "الحرملك" الإمبراطوري في قصر "طوب كابي"، بعد انتهاء ترميم وتجهيز أجزاء جديدة من حرملك القصر مثل ساحة مرافقات السلطان والجواري ومستشفى الحريم لاستقبال الزوار لأول مرة.

ويقول رئيس قصر "طوب كابي" إلهان كوجامان: "ينقسم الحرملك في قصر طوب كابي إلى جزأين. الأول هو مكان معيشة السلاطين والأمراء مع زوجاتهم وبناتهم، والثاني يخص خدم الحريم الذين يرعون شؤونهم إضافة إلى غرف تعيش فيها الجواري. وتوجد في هذا القسم أيضاً الحمامات التركية مقابل فناء الجواري، ومستشفى الخدم والجواري الذي يقع في الأسفل". يضيف خلال تصريحات أدلى بها أخيراً: "ستتم زيادة مساحة قسم الحرملك التي تجري زيارتها حالياً. وبلغت عمليات الترميم المكتملة التي أجريناها في هذا القسم حوالي 80 في المائة من مساحته الإجمالية، واستغرق العمل فيها عامين، ونتطلع إلى افتتاح هذه الأجزاء من قسم الحريم في غضون بضعة أشهر". ويؤكد أن الحرملك هو أحد أكثر الأجزاء إثارة للاهتمام والإعجاب في قصر "طوب كابي".

الصورة
"طوب كابي" من القصور القليلة التي حافظت على رونقها حتى اليوم (محمد اينيس يلديريم/ الأناضول)
"طوب كابي" من القصور القليلة التي حافظت على رونقها حتى اليوم (محمد أنس يلدريم/ الأناضول)

وثمة حقائق عشر تختصر عناء كل من يحاول معرفة تفاصيل قصر "طوب كابي" الذي لم يزل حتى اليوم مدعاة فخر للأتراك بأنهم أحفاد من سكن هذا القصر وحكموا منه مناطق من المشرق إلى المغرب.

1- بنيَ قصر "طوب كابي" عام 1478، وتبلغ مساحته حوالي 400,000 متر مربع، ويعتبر من أكبر وأقدم القصور في العالم. وهو من القصور القليلة التي حافظت على رونقها حتى يومنا هذا.

2- في عام 1985، جرى تصنيف قصر "طوب كابي" على لائحة التراث العالمي لـ "يونسكو". 

3- يضم القصر قسم الحرملك الذي يحتفظ فيه السلطان بالنساء المفضلات لديه. ويشرف على هذا القسم الذي يضم 400 غرفة والدة السلطان.

4- يضم القصر جامعاً ومسجداً ومجلساً، والقصر مصمم ليستوعب أكثر من 4000 فرد.

5- جرى تصميم القصر في شكل يشبه مخيمات العثمانيين الرحل.

6- قضى سلاطين الإمبراطورية العثمانية في القصر نحو 391 سنة، وذلك حتى القرن التاسع عشر. حينها كانت مدينة إسطنبول عاصمة الإمبراطورية العثمانية. وفي عام 1924 تحوّل القصر إلى متحف للسياح والزوار.

7- ضم متحف القصر العديد من الكنوز النادرة، منها من الماس الأكثر قيمة في العالم، وتعتبر قطعة الماس من عيّار 86 قيراط، من نوع سبونماكير إحدى أكبر قطع الماس.

8- يتميز القصر بوجود نافورة خارج بوابة القصر التي بناها السلطان أحمد الثالث عام 1728 حين كان يحتفل بزهور التوليب ويقام مهرجان خاص بها. ويستمر الاحتفال بمهرجان التوليب في إسطنبول حتى اليوم.

9- يخصص مكان كبير بقصر "طوب كابي" للمطبخ، وذلك لاهتمام العثمانيين بفن الطبخ. وكان القصر يضم مطبخاً كبيراً يضم حوالي 10,000 قطعة من الخزف وأواني للطهي بينها وعاء "لونقوان" والذي كان وجوده ضرورياً في قصور السلاطين والأمراء لما كان يشاع عنه في القرن الرابع عشر بتغيير لون الوعاء عند لمسه بالأغذية السامة.

10- الجناح المقدس الذي يحتوي على مقتنيات أثرية وتاريخية عديدة، منها آثار النبي محمد كالسيف والعباءة وبعض الشعر من لحية النبي وأحد أسنانه.

ويتمركز قصر "طوب كابي" في قلب المنطقة التاريخية بمنطقة "جان كورتاران - الفاتح" بالقرب من خليج القرن الذهبي وبحر مرمرة، ويتميز بإطلالته المباشرة على مضيق البوسفور الذي يفصل بين قارتي آسيا وأوروبا، ويجاوره جامع السلطان أحمد "الأزرق" وخلفه مسجد آيا صوفيا، وقربه سوق "بايزيد" المسقوف مركز انطلاق الرحلات البحرية بساحل "أمينونو" الشهير.

المساهمون