قرى المهجرين في سورية تفتقر للبنية التحتية.. عودة محفوفة بالمخاطر
استمع إلى الملخص
- تعاني العائلات في قرية جبالا من مخاطر صحية بسبب تلوث المياه، حيث يضطر الأهالي للاعتماد على بئر قديمة، ويطالبون بتدخل عاجل لتأهيل البنى التحتية وتوفير مياه شرب آمنة.
- يحذر الأطباء والمهندسون من عواقب تلوث المياه، مشددين على ضرورة إعادة تأهيل البنى التحتية لمواجهة خطر صحي كبير، مع الإشارة إلى نقص التمويل والدعم اللوجستي.
يواجه الأهالي مع عودتهم تدريجياً إلى بلداتهم المهجورة في سورية بعد سنوات من النزوح والدمار، خطراً محدقاً يتمثل في غياب البنية التحتية الأساسية، ما ينذر بانتشار الأوبئة والأمراض في هذه المناطق، خاصة مع دخول فصل الصيف إذ تسهم درجات الحرارة المرتفعة في تسريع انتشار الجراثيم والفيروسات.
يروي أحمد البش، أحد العائدين إلى بلدة حاس بريف إدلب الجنوبي، شمال غرب البلاد، قائلاً: "عدنا إلى البلدة بقلوب مفعمة بالأمل لنفاجأ بأن كل شيء مدمر، شبكات المياه تالفة، والصرف الصحي رُدم أو تهدم، والأمطار تتجمع في الأزقة لتتحول إلى برك آسنة تنبعث منها الروائح الكريهة، ولا يوجد حتى حاويات قمامة، كل يوم نخشى من انتشار الأمراض، ولا نملك حتى صابوناً أو مطهرات". وأضاف أنهم حاولوا بجهودهم الفردية تنظيف الشوارع وإزالة الركام، لكنهم اصطدموا بصعوبة بالغة في إعادة تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي بسبب محدودية الإمكانات، وأشار إلى أن "غياب الدعم من الجهات المحلية أو المنظمات الإنسانية، يجعل المخاطر الصحية تهدد حياة الجميع، خاصة الأطفال وكبار السن، ما دفع بعض الجيران للنزوح مجدداً لأن الوضع لا يطاق".
وتقول صبحية الحمدي العائدة إلى قريتها جبالا جنوب إدلب، إن العائلات تواصل جهودها المحدودة لحماية أطفالها، لكن ذلك ليس كافياً وهم بحاجة ماسة لتدخل عاجل من السلطات والمنظمات الإنسانية لتأهيل البنى التحتية وتأمين مياه شرب آمنة، منعاً لوقوع كارثة صحية تهدد حياتهم. وبينما تقف على أطراف البلدة، حيث تتراكم أكوام من الركام والأنقاض التي كانت يوماً ما منازل ومدارس ومبان خدمية، وتختلط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي المخترقة من تحت الأرض، ما يحول الأزقة إلى مستنقعات موحلة، أضافت الحمدي لـ "العربي الجديد" أن الأطفال يلعبون وسط هذه المياه دون إدراك للمخاطر، بينما يعجز الأهالي عن تأمين بيئة صحية لذويهم.
وتتابع "في الليل، نسمع أصوات الضفادع والبعوض، والروائح لا تطاق، والناس بدأوا يحفرون حفراً بدائية لتصريف المياه، لكنها لا تكفي، لا توجد جهة تساعدنا، نحن نعيش على أمل أن تمر الأيام دون كارثة صحية". ولا تخفي الحمدي قلقها على صحة أطفالها من استخدام المياه الغير صالحة للشرب، حيث يصطف عشرات الرجال والنساء حول بئر قديمة لاستخراج المياه منها والتي بالكاد تكفي للشرب والطهي لكنها الخيار الوحيد، ومع ذلك لا يوجد حل، وحاولوا التواصل مع الجمعيات، لكن دون جدوى.
من جانبه يحذر طبيب الأطفال خالد السويد، من انتشار الأوبئة نتيجة تلوث المياه واختلاطها بمياه الصرف الصحي، قائلاً "غياب البنية التحتية يجعل الوضع كارثياً، فالمياه الملوثة ستؤدي حتماً إلى انتشار أمراض خطيرة مثل الكوليرا والتيفوئيد والأمراض الهضمية، وهذا ما بدأنا نلاحظه في العيادة". موضحاً لـ "العربي الجديد": "نستقبل في المركز الصحي يومياً عشرات الحالات المشتبه بإصابتها بأمراض معوية نتيجة تلوث المياه وسوء الصرف الصحي جنوبي إدلب، الوضع كارثي، ويحتاج إلى تدخل عاجل من منظمات المجتمع المدني والجهات المختصة".
ويعبر المهندس المدني مصطفى الحسن، الذي كان يعمل سابقاً مع إحدى منظمات المجتمع المدني، عن قلقه لـ "العربي الجديد" قائلاً : "إعادة تأهيل البنى التحتية في هذه المناطق ليست مهمة سهلة، شبكات المياه بحاجة إلى إصلاح شامل، وكذلك الصرف الصحي، لكن المشكلة تكمن في التمويل والدعم اللوجستي، لا يمكن ترك الأهالي وحدهم في مواجهة هذا الخطر". منوها إلى أن الأهالي لا يطلبون الكثير، فقط مياه صالحة للشرب، وصرف صحي يحفظ أطفالهم من الأمراض، إذ يبدو أن معاناة العائدين تتجاوز مسألة العودة إلى الديار، لتصبح معركة يومية مع الخطر الصحي المحدق، فهم يواجهون وحدهم تحديات جسيمة، في انتظار تحرك عاجل من الجهات المحلية والمنظمات الإنسانية، لتجنب كارثة صحية قد لا يمكن احتواؤها.