استمع إلى الملخص
- تجد القيادة السورية نفسها مضطرة للتوجه نحو تركيا، رغم أهمية العلاقات العربية، كما يظهر من اختيار الرئيس أحمد الشرع للسعودية كأول وجهة له بعد توليه السلطة.
- يجب أن تستمر الدول العربية في دعم سوريا عملياً، مع اعتبار الدعم التركي والعربي تكاملياً وليس تنافسياً، لمواجهة العقوبات الاقتصادية وإرث البؤس.
أول القول إن العنوان أعلاه يحتاج تصحيحاً، فالسوريون وحدهم أصحاب المسؤولية عن بلدهم. ولكن الذي يُراد قوله هنا إن على العرب، دول الجوار والخليج ومصر خصوصاً، مسؤولية كبرى، في إسعاف سورية والذهاب بها إلى عتبات النهوض. أما التأشير إلى هذه البديهية، النافلة في ظنّ صاحب هذه الكلمات، فإنما لأن زعماً يتفشّى، ويساهم في إشاعته رئيس الولايات المتحدة الأصفر، أن سورية في لحظتها الراهنة حصّة لتركيا. ولئن يجدُر دائماً التذكير بأن دولة الجوار، ذات الحدود الطويلة في الشمال السوري (أزيد من 900 كيلومتر) لا بد أن يجري الحرص على أوثق العلاقات معها، على الأصعدة السياسية والاقتصادية وغيرهما، فإن هذا الأمر لا يجوز حسبانه قصْر مثل هذه العلاقات، بصفتها المدعوّ إليها هنا، على بلاد الأناضول، فلا ينطوي القول على شيءٍ من هذا. غير أن التملّي في أحوال الإقليم يُرينا أن تركيا تُحرز مكانةً قويةً في الإقليم، وصاحبة أدوار وطموحات، وذات نهوض اقتصادي وصناعي ظاهر، ولديها رؤية سياسية تتطلّع في إطارها إلى حضور فاعل، بأوجهٍ اقتصاديةٍ وأمنيةٍ واستراتيجية، في أفريقيا وآسيا، وتصوغ علاقاتها مع دولٍ كبرى بندّيةٍ ملحوظة، فيما الحال العربي في عجزٍ وتأخّر معلوميْن، وفي انكشاف لا يُرى لنهايته مدى، وفي متن هذا الراهن المعاش، لا حاجة إلى وصف الوضع السوري.
ومن طبائع الأمور، في هذا المجرى، وبحكم مفاعيل وعوامل لا حاجة إلى التذكير بها، أن يجد أهل الحكم والقرار في دمشق أنفسهم منشدّين إلى تركيا، سيما أنها كانت عوناً قوياً للثورة السورية ضد نظام بشّار الأسد، ولها سهم كبير في تأمين أسباب الانتصار الذي تأخّر 14 سنة وصار ناجزاً صباح 8 ديسمبر (2024)، غير أن هذا، مع التسليم ببداهته، لن يعني تناسي العمق العربي لسورية راهناً ومستقبلاً، ولا ينبغي أن يُحسَب الإتيان على هذا المفهوم رطانة ذائعة. والبادي أن لدى القيادة السورية إدراكاً لهذا الأمر، دلّت عليه شواهد منظورة، سيما أن الرئيس أحمد الشرع اختار السعودية أول وجهة له بعد تسلمه سلطاته.
ليس من مصلحة الأردن والسعودية وعموم دول الخليج ومصر، مثلاً، أن يتراجع زخَم إسناد التجربة السورية الراهنة، في لحظتها شديدة الحساسية، أمنياً وسياسياً واقتصادياً. والملحوظ أن مجهراً عربياً كبيراً عوين على سورية، غداة تحريرها من الأسد، وتقاطرت وفودٌ رفيعة المستوى إلى دمشق، لتأكيد اندفاعةٍ عربيةٍ باتجاه مساعدة هذا البلد في انعطافته الصعبة هذه، سيما أنه مثقلٌ بعقوباتٍ اقتصادية، وبإرث من البؤس العام. وبالتوازي، كانت الاندفاعة التركية في الاتجاه نفسه واضحة أيضاً، سيما أن بعداً أمنياً (وعسكرياً والله أعلم) ظاهرٌ فيها، ومعلنٌ إلى حدّ ما. ولا يحسُن، في أي حال، أن يُقرأ هذا التوازي تنافساً بين حضورين، عربي وتركي، في سورية ما بعد الأسد، بل يجدُر أن نراه تكاملاً لازماً، وربما ضرورةً تنجز نتائج أفضل. ولكن ما تواتر من أخبار، أخيراً، وما يتحسّسه المراقب المتابع لمسار العلاقات السورية العربية، ومع عموم الخارج، أن الاندفاعة التركية أكثر وضوحاً، وأنها متعدّدة المستويات. ومع حاجة دمشق إلى إسنادها في إعادة بناء قدراتها الأمنية والعسكرية والتسليحية يتسرّب أن ثمّة مجهوداً تركياً ماضٍ في هذا الخصوص، وإنْ يصعب الوقوف على تفاصيل مؤكدة. ولمّا بتنا نسمع تحذيراتٍ إسرائيليةً معلنة، وشديدة الوقاحة طبعاً، من أي عون عسكري وأمني تركي لسورية، فذلك يسوق إلى افتراض أن هذا البلد العربي صار ساحة مكاسرة بين أنقرة ودولة الاحتلال. والمتمنّى من أهل القرار في دمشق أن يغادروا هذا الاعتصام بالصمت الذي يقيمون عليه، ويكونوا أكثر شفافية في تنوير الرأي العام في بلدهم أولاً، وفي العموم العربي تالياً، برفض هذا الحال، وبتأكيد العمل الدائم على استقلال سورية وقرارها وسيادتها.
الخشية أن الزخم العربي باتجاه سورية الجديدة، الذي لوحظ في الأسابيع الأولى بعد فرار الأسد، تراجع نوعاً ما، ولم يعُد على الإيقاع الذي سرّنا، والمطلوب أن تزداد وتيرته، وتنشط مستوياته، فلا يبقى في إطار لفظي وكلام بياناتٍ دوريةٍ ومواقف للإعلام. ومع مواظبة الدوحة وعمّان والرياض، تعييناً وتخصيصاً، على تظهير إجراءاتٍ عمليةٍ تُعين سورية في تحديث بعض المرافق والبنى التحتية، إلا أن الحاجة شديدة الإلحاح لأن نرى العين العربية على هذا البلد المتعب أكثر وضوحاً، وأزيد حرصاً، أقله كما العين التركية التي نراها وترانا.