استمع إلى الملخص
- التجارب الشخصية للناجين: يروي الناجون تجاربهم المؤلمة، مثل أحمد فيصل الذي أنقذ طفلته قبل انهيار منزله، وسعاد الحمصي التي نجت مع أطفالها من الهزات الأرضية.
- النزوح الجماعي والتحديات المستقبلية: نزح نحو 190 ألف شخص إلى مراكز إيواء في إدلب وريف حلب، ويواجهون تحديات إعادة بناء حياتهم وسط مخاوف مستمرة من المستقبل.
خلف الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال غربي سورية في السادس من فبراير/ شباط 2023، آلاف الضحايا السوريين، وعشرات آلاف المُهجّرين والمصابين، كما ترك في نفوس الناجين ندوباً عميقة.
يعيش أسامة الديبو في بلدة جنديرس بمنطقة عفرين في ريف حلب، شمال غربي سورية، وتسبب الزلزال في مأساة أفقدته أفراد عائلته. يقول لـ"العربي الجديد": "تحول منزلنا إلى قبر لعائلتي. حين وقع الزلزال كنت في عملي بأحد أفران المدينة، وعدت سريعاً إلى المنزل، فوجدت أن المبنى تهدّم بالكامل. كنت أصرخ بأسماء أمي وأبي وإخوتي، لكن لم يكن هناك أي رد، كانوا جميعاً قد فارقوا الحياة تحت الأنقاض. خسرت روحي مع غياب أسرتي، فالبيت لم يكن مجرد حوائط، بل كان عالمي الصغير. الآن، كلما مررت بالمكان، أشعر بأنني أقف أمام قبر، ولا أملك سوى الدعاء لأهلي. الزلزال انتهى، لكنه ترك لي كابوساً لن ينتهي".
ومن سرمدا، تروي فريال المحمود لـ"العربي الجديد": "كنا جميعاً نائمين حين بدأت الجدران تنهار. لا أعرف كيف نجوت، لكني فقدت زوجي وطفلي الصغير، وقد ظلوا تحت الأنقاض لساعات قبل أن يتمكن الدفاع المدني من انتشال جثمانيهما".
تضيف: "رغم مضي سنتين على الكارثة، ما زلت أشعر بالهزات عندما أضع رأسي على الوسادة، وأي صوت أو اهتزاز يعيدني إلى تلك اللحظات. في لحظة واحدة، تحوَّل كل شيء إلى غبار، وفقدت أسرتي، ومنزلي، وذكرياتي، وفقدت حتى الجيران الذين كانوا بمثابة عائلة. أعيش الآن في خيمة، ولا أعلم متى سأتمكن من بناء حياتي من جديد".
من مدينة حارم، يروي الناجي عبد الرحمن الددو، لـ"العربي الجديد"، كيف كان الموت يحوم حوله. يقول: "كنا نائمين، ثم بدأ كل شيء يهتز، وتزايدت الاهتزازات سريعاً، وبعد لحظات، انهارت الجدران. لم يكن لدينا وقت للهرب، وأصبح كل شيء من حولي ركاماً، وكنت أسمع أنين أطفالي تحت الأنقاض وهم يصرخون طلباً للمساعدة. استمر الأمر لساعات، لكني لم أكن أملك فعل شيء. خسرت قدمي اليسرى، وتعرض طفلي الصغير لكسر في الجمجمة، وأصيب بقية أفراد أسرتي برضوض وجروح. أخرجوني من تحت الركام حياً، لكني لا أعرف إن كنت حياً حقاً أم لا".
يضيف: "في لحظات قليلة، تغيَّر كل شيء في حياتي، إذ فقدت قدمي وبيتي وعملي، وفقدت أفراداً من أقاربي الذين كانوا يعيشون في تركيا. لا أملك الآن سوى القليل، وأحاول أن أكون قوياً من أجل أطفالي الخمسة، لكن الألم لا يفارقني، والخوف من المستقبل يلاحقني. رغم مرور الوقت، يظل الجرح مفتوحاً، وذكريات الفقد والدمار لن تمحى بسهولة، ويبقى الأمل هو الشيء الوحيد الذي نتمسك به لاستعادة الحياة من جديد".
من مدينة حلب، يقول الناجي أحمد فيصل: "استيقظت على صوت اهتزاز الجدران، ولم يكن هناك وقت للتفكير، فقد بدأ السقف ينهار فوقنا. أمسكت بطفلتي الصغيرة وركضت نحو الباب، ولحسن الحظ، تمكنا من الخروج بمساعدة الجيران، لكن منزلنا أصبح ركاماً بعد دقائق قليلة، ودفنت فيه كل ذكرياتنا ومقتنياتنا تحت الأنقاض".
قبل الزلزال، نزحت سارة الحداد من ريف إدلب الجنوبي إلى مدينة سلقين، وتقول لـ"العربي الجديد": "رغم خروجنا جميعاً سالمين، إلا أنني فقدت الأمان بعد تلك الليلة. قبلها، كنت أخطط لدراستي ومستقبلي، لكن بعد الزلزال تغيّر كل شيء. أصبحت أخاف من النوم، وأخاف من الجدران، وأي اهتزاز بسيط يجعلني أرتجف رعباً، حتى عندما عدنا إلى المنزل بعد أسابيع، كنت أنام في الخارج خشية أن تنهار الجدران فوقي. الخوف يسكن داخلي رغم مرور سنتين".
من مدينة الدانا بريف إدلب، تتذكر سعاد الحمصي لحظات الرعب التي عاشتها خلال الزلزال، وتقول: "كنت حينها نائمة، وأطفالي الثلاثة نائمين في الغرفة الملاصقة. فجأة وجدت زوجي يصرخ عليّ أن أتحرك فوراً لأن هناك زلزالاً. لم أكن مدركة لما يحصل، وبالكاد وصلت إلى غرفة الأطفال، فقوة الهزة كانت مرعبة، ومضت ثواني الهزة الأولى كأنها سنة. أمسكت بابنتي الكبرى، وزوجي كان بجانبي يحمل ابنتي الصغرى، ويمسك بابني الأوسط. سارعنا إلى باب المنزل، وعندها توقفت الهزة الأولى".
تتابع: "غادرنا المنزل، وبقينا في الخارج رغم المطر، وعاد زوجي ليجلب أحذية الأطفال وجاكيتاً لكل منهم. كان المطر وقتها غزيراً، وكنت قلقة على زوجي كثيراً لأن الهزة الثانية بدأت بعد دخوله المنزل، وقد سقط الجوال من يده خلال محاولة عبور ممر المنزل، وبقي فيه حتى انتهت الهزة الثانية. أحمد الله أن المنزل لم ينهَر، وإلا وقعت فاجعة".
وتسبب الزلزال في نزوح نحو 190 ألف شخص من مناطق شمال غربي سورية، وفق فريق "منسقو استجابة سورية"، من بينهم 55.360 نزحوا إلى مراكز الإيواء، ما يعادل 11.072 عائلة توزعوا على 172 مركزاً منتشرة في إدلب وريف حلب.