فلسطينيو الردع... وقفة جبارة في سيلة الحارثية

فلسطينيو الردع... وقفة جبارة في سيلة الحارثية

جنين

جهاد بركات

جهاد بركات
20 فبراير 2022
+ الخط -

خلال أيام، أصبح شبان بلدة سيلة الحارثية غرب جنين، شمالي الضفة الغربية، وآخرون في بلدات مجاورة، نموذجاً لتحدي قرارات الاحتلال الإسرائيلي وعقوباته الجماعية، بعدما هدم بيت الأسير محمود جرادات في 14 فبراير/ شباط الجاري، إثر اتهامه بالمشاركة في تنفيذ عملية برقة في ديسمبر/ كانون الأول 2021، التي أسفرت عن مقتل مستوطن وجرح آخرين.
ورغم معرفة الجميع أن قرار الهدم سينفذ بقوة سلاح جيش الاحتلال الإسرائيلي، تكثف، منذ التاسع من فبراير/ شباط الجاري، وجود الشبان أمام منزل جرادات ومنزلي عائلتي المتهمين الآخرين بتنفيذ العملية، الأسرى محمد جرادات والشقيقان غيث وعمر جرادات، اللذين يتوقع أن يدخل قرار هدمهما حيز التنفيذ خلال أيام. وبلغت تضحيات هؤلاء الشبان حد تقديم الفتى محمد أبو صلاح (17 عاماً)، المتحدر من بلدة اليامون المجاورة، حياته خلال المواجهات مع قوات الاحتلال.
وخلال أيام قليلة، أصبحت الطفلة ميار، ابنة الأسير محمود جرادات البالغة 9 أعوام، الشخصية الأبرز على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، بعدما واجهت، بعبارات مؤثرة عكست فصاحة عالية ومعاني كبيرة، قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي، الذي هدم لاحقاً منزل أسرتها في بلدة سيلة الحارثية.

وتفاعل كثيرون مع كلمات ميار وصوتها خلال الاعتصامات الليلية اليومية، عندما تحدثت أمام الكاميرات ووسائل الإعلام، ووجهت رسائل متكررة لمساندة والدها، عبّرت فيها عن افتخارها به، ووعدته بإعادة بناء ما دمرّه الاحتلال.
وبعد عملية الهدم التي استمرت أكثر من سبع ساعات ليل 13-14 فبراير/ شباط الجاري، رافقت ميار والدتها "أم ساجد" إلى موقع ركام المنزل الذي ولدت وعاشت فيه، وعادت مرة أخرى، رغم صغر سنها، لتكون أبرز المتحدثين أمام كاميرات عشرات الإعلاميين، وتتصدر وسائل التواصل الاجتماعي.
تقول ميار لـ"العربي الجديد": "هدموا بيتنا، لكن ذلك لا يهمنا، لأن بيتنا كله فداء للوطن ولأبي والقدس. أقول للناس يجب أن نظل صامدين شامخين مثل الجبال، وألا نرضخ لهم. يجب أن نستعيد أرضنا منهم، لأنهم احتلوها".
وخاطبت والدها قائلة: "ما فعلته صحيح، ويجب أن يفعله الجميع على هذه الأرض"، بينما توجهت إلى الاحتلال الإسرائيلي بالقول: "لن نركع أبداً لمن هدم بيتنا. سنبني ونبني ونبني، حتى لو أعدتم الهدم طوال العمر، وسنظل صامدين".
أما والدتها "أم ساجد" فتقول لـ"العربي الجديد": "لدي أربعة من الأطفال، بينهم اثنان بعمر 4 سنوات، عبروا عن استغرابهم وحزنهم عندما سمعوا أن بيتهم سيهدم، لكن ميار وساجد (6 أعوام) يملكان عقلاً كبيراً لأنهما تتلمذا على يد أبيهما، وهو رجل بمعنى الكلمة على صعيد التقرب من الله، وحبه للوطن. وليس غريباً أن يكون أطفاله بهذه الفصاحة والذكاء".
وعن المنزل الذي فقدته العائلة، تقول: "هذا البيت لأسرة مكونة من أربعة أطفال وزوج يحب أطفاله وزوجته ويرعاهم، لكنه مع كل ما يملك من أولاد وأموال فداء لفلسطين والقدس. هذا المسكن والمأوى هو كل شيء جميل في حياتنا، لأن فيه ذكريات زوجي في كل مكان وركن، لكنه أيضاً فداء له".
وتؤكد أن الهدم عبر التفجير ألحق أضراراً بالطابق الأول من المبنى، وبالتالي، بشقة والدة زوجها التي تقطن فيها مع شقيقاته وأشقائه، ومنزل شقيق آخر له، كما أثرّ على البيوت المحيطة.

الصورة
شبان بلدة سيلة الحارثية تحدوا عقوبات الاحتلال الإسرائيلي (العربي الجديد)
شبان بلدة سيلة الحارثية تحدوا عقوبات الاحتلال الإسرائيلي (العربي الجديد)

روح التضامن
وفيما لا تنحصر قصة الاستنفار الشبابي لمواجهة الهدم بكلمات ميار، التي أوضحت في أحد أشرطة الفيديو المتداولة أنها أخذتها من الروح المعنوية للشبان والمتضامنين الذين مكثوا ليالي أمام المنزل من أجل التصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي، كان الشبان يتوقعون أن يحصل الاقتحام، كما جرت العادة في عمليات الهدم بعد منتصف الليل، لكن الاحتلال استبق، في يوم تنفيذ القرار، موعد وصولهم للتجمع قرب المنزل، واقتحم بلدة سيلة الحارثية عند الثامنة مساء، وبدأ عملية هدم الجدران الداخلية بعد التاسعة مساء، وأعقبها بالتفجير الذي أسفر عن سقوط سقف الطابق الثاني للمبنى.
ويقول الناشط محمد جرادات لـ"العربي الجديد": "منذ أن تبلغت عائلة الأسير محمود بأن موعد الهدم سيكون بعد 10 فبراير/ شباط الجاري، بدأ حضور الشبان الذين علموا أن الاحتلال الإسرائيلي سيستخدم القوة والسلاح والآليات للهدم، لكنهم امتلكوا عزيمة محاولة تعطيل العملية بقدر الإمكان".
يتابع: "قوات الاحتلال الإسرائيلي حاولت استغلال وجود عدد قليل من الشبان قبل منتصف الليل، وأنهم كانوا مرهقين بسبب تمسكهم بوجودهم أمام المنزل طوال أكثر من أسبوع، وتحديداً منذ 6 فبراير/ شباط الجاري. وقد اقتحمت قوات الاحتلال البلدة عند الثامنة مساء، في وقت اعتاد الشبان أن تحصل الاقتحامات بعد منتصف الليل. ورغم ذلك، شهدنا مواجهات شديدة بين الشبان وقوات الاحتلال، وكان الحدث كبيراً بالنسبة إلى البلدة وما حولها، حيث حضر شبان من كل البلدات المجاورة وحتى من مدينة جنين ومخيمها. ولا شك في أن كون محمود، الذي هدم بيته، أسيراً محرراً عرف بمقاومته قوات الاحتلال سابقاً، التي لاحقته مرات، والأسير محمود قيادي في حركة الجهاد الإسلامي عرف منذ عام 1985 بمقاومته الاحتلال، وبأنه مصلح اجتماعي كبير أيضاً، أعطى صدى كبيراً لعملية الهدم، وأدى إلى تفاعل كبير معها، نتوقعه أيضاً تفاعلاً في مواجهة باقي المنازل الموضوعة على قائمة الهدم في البلدة".
وكان شهود عيان أبلغوا "العربي الجديد" أن البلدة شهدت اشتباكات مسلحة عنيفة بين مقاومين فلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، التي اقتحمتها من عدة محاور باستخدام نحو خمسين آلية عسكرية. وأشاروا إلى أن الاقتحام جوبه بمقاومة عنيفة من مئات من الشبان، الذين وصلوا إلى البلدة من مدينة جنين والبلدات والقرى المحيطة بها، لدعم ومساندة أهلها في مواجهة الهجمة بحقهم، رغم ضرب الاحتلال طوقاً أمنياً مشدداً في محيطها.

الصورة
واجهت الطفلة ميار قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي (العربي الجديد)
واجهت الطفلة ميار قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي (العربي الجديد)

العائلات ليست وحدها
وبعدما صدرت قرارات الهدم، اضطرت عائلات الأسرى المتهمين بعملية برقة إلى إخلاء المنازل والسكن في منازل أقارب ببلدة سيلة الحارثية. لكن شخصيات من البلدة وأفراداً من عائلة جرادات يؤكدون أنهم لن يتركوا أبداً هذه العائلات لملاقاة مصيرها وحدها، كي لا يحقق الاحتلال هدفه في ردع المقاومة، ما يشكل مظهراً آخر للتحدي في قصة هدم المنازل المرتبطة بإجراءات عقابية.
يقول المرشح السابق لانتخابات المجلس التشريعي المؤجلة فخري جرادات لـ"العربي الجديد": "هناك حالة تضامن عامة مع الأسرى، ويحاول الجميع أن يعوض عائلاتهم عن اعتقالهم أو خضوعهم لسياسة العقاب الجماعي عبر هدم منازل أسرهم".
ويؤكد فخري أن "توفير سكن لهذه العائلات مسؤولية عامة للجهات الرسمية والفصائل، خصوصاً لعائلة جرادات"، مشدداً على أن "العائلات لم تترك يوماً، إذ احتضن الأقارب أفرادها فور اتخاذ قرارات الهدم كنوع من التضامن الاجتماعي، لكن من الضروري أن تتوفر رعاية رسمية من السلطة الحاكمة ومن الفصائل المكلفة مهمة توجيه الجمهور وقيادته لمنع تحقيق الاحتلال هدفه من تنفيذ العقاب. وبالنهاية في حال وجود أي تقصير، ستحصل حملات تضامن شعبي، وعائلة جرادات قوية في الدفاع عن المبادئ الوطنية، ودفع أبناؤها الكثير ولا يزالون".

محاولات احتلالية لـ"الردع"
عموماً، تطبق سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضمن سياستها للردع عقاباً جماعياً في حق عائلات الأسرى والشهداء المتهمين بتنفيذ عمليات فدائية. وهذا أمر غير حديث، لكنه أعيد إلى الواجهة عام 2015، استناداً إلى قانون طوارئ الانتداب البريطاني عام 1945.
ويشمل الهدم منازل أفراد في أسرة منفذي العمليات، مثل الوالدين والأشقاء، أو الزوجة والأبناء إذا كان متزوجاً، مع تعمّد التسبب في تصدعات في باقي شقق المبنى السكني التي يسكنها آخرون. وقد وصل إلى 94 عدد المنازل التي جرى هدمها منذ انتفاضة القدس عام 2015، بينها منزلان هذا العام.

ذات صلة

الصورة
فرحة الحصول على الخبز (محمد الحجار)

مجتمع

للمرة الأولى منذ أشهر، وفي ظل الحصار والإبادة والتجويع التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على شمال قطاع غزة، تناول أهالي الشمال الخبز وشعر الأطفال بالشبع.
الصورة

سياسة

رغم مرور عشرة أيام على استشهاد الأسير وليد دقة (62 عاماً) تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي احتجاز جثمانه، متجاهلة مناشدات عائلته.
الصورة

سياسة

مُنع وزير المال اليوناني الأسبق يانيس فاروفاكيس من دخول ألمانيا لحضور مؤتمر مؤيد للفلسطينيين في برلين
الصورة
اختاروا النزوح من مخيم النصيرات جراء القصف (فرانس برس)

مجتمع

الاستهداف الإسرائيلي الأخير لمخيم النصيرات جعل أهله والمهجرين إليه يخشون تدميره واحتلاله إمعاناً في تقسيم قطاع غزة إلى قسمين، في وقت لم يبق لهم مكان يذهبون إليه

المساهمون