استمع إلى الملخص
- يواجه المسيحيون قيوداً تمنعهم من الوصول إلى كنيسة القيامة، مما يعقد الاحتفال بالعيد، وتستمر المعاناة في الضفة الغربية حيث يُحرم المصلون من الأماكن المقدسة، مع تأكيد أن الإيمان هو السلاح في مواجهة الظلام.
- في القدس وبيت لحم، اقتصرت الاحتفالات على الطقوس الدينية، وألغيت مظاهر الفرح مثل الكشافة والموسيقى، مع استمرار معاناة غزة والضفة الغربية.
يمتنع المسيحيون الفلسطينيون عن الاحتفال تضامناً مع أبناء شعبهم
عودان: ندعو أصحاب العقل والسلام إلى إنهاء العدوان وإعادة بناء غزة
تفتقد بلدة الزبابدة أجواء الاحتفال بعيد الفصح بسبب حرب الإبادة
يفرض العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة وامتداده إلى الضفة الغربية نفسهيما على أجواء عيد الفصح إذ يمتنع المسيحيون الفلسطينيون عن الاحتفال تضامناً مع أبناء شعبهم مكتفين بالصلاة.
ما يعيشه قطاع غزة والضفة الغربية من عدوان إسرائيلي فرض على مسيحيي الضفة والقدس المحتلة إلغاء الاحتفال بعيد الفصح والاكتفاء بالصلوات. ويؤكد راعي طائفة الروم الأرثوذوكس في رام الله، الأب إلياس عواد، لـ"العربي الجديد"، اختصار الاحتفالات ومظاهر الفرح في الشوارع والبيوت والأماكن العامة خلال عيد الفصح هذا العام، والتركيز فقط على الصلوات والعبادة والتراتيل الدينية داخل الكنائس، في ظل العدوان الذي يشهده قطاع غزة، وامتداده إلى مخيمات شمال الضفة الغربية.
ويقول عواد إن "فلسطين تنزف دماء الشهداء والأبرياء، الأطفال والنساء، ما يجعل العيد محصوراً في الصلاة والعبادة، ضارعين إلى الله أن يعم السلام، ويتحرر الأسرى، وينال الشعب الفلسطيني الاستقلال في دولته المستقلة ويعيش بأمن وسلام". ويعرب عن أمله أن تتوقف الحرب، داعياً أصحاب العقل والسلام إلى إنهاء العدوان، وإعادة بناء غزة، ومنح أبناء الشعب الفلسطيني الحرية والعيش الكريم.
للعام الثاني على التوالي، يحيي مسيحيو فلسطين عيد الفصح في ظل ألم الاحتلال وحرب غزة، كما تقول الصحافية هند شريدة من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية. تضيف لـ"العربي الجديد": "نعيش أسبوع آلام ممتداً منذ 18 شهراً، صلباً يومياً بلا توقف". وتشير إلى أن المعاناة تمتد إلى الضفة الغربية، حيث يحرم الاحتلال المصلين من الوصول إلى كنيسة القيامة.
وتصف الوصول بـ"الامتياز المستحيل" بسبب الحواجز والتصاريح الأمنية. وتتطرق إلى معاناة تسعة أسرى مسيحيين جراء الإهمال الطبي، أبرزهم رامي فضايل الذي حُرم من الكتاب المقدس ويعاني من مرض جلدي "سكايبوس" (يسبب طفحاً جلدياً شديداً وحكة). بالإضافة إلى فضايل، يقبع في الأسر كل من سامر العربيد وإبراهيم مسعد ومروان معدي ورامز عوّاد وجون قاقيش وربيع عوّاد وجفري قواس وجوفان قطمة.
وفي غزة المحاصرة، تؤكد شريدة أن "القصف لا يفرق بين مسيحي ومسلم". ورغم القصف، احتفل المسيحيون بأحد الشعانين الأسبوع الماضي، في رسالة صمود أمام العالم. تضيف: "قيامتنا هنا ليست ذكرى، بل تحدٍ يومي للاحتلال. إيماننا سلاحنا في مواجهة الظلام".
رمز الانتصار
يستقبل سليم عنفوص من بلدة عابود، غرب رام الله، عيد الفصح للعام الثاني على التوالي بقلب حزين. ويسأل في حديثه لـ"العربي الجديد": "كيف نحتفل وأهلنا في غزة يُبادون؟ هذا ليس من قيمنا". يؤكد أن المجتمع الفلسطيني اضطر إلى فصل الطقوس الدينية عن مظاهر الفرح، معتبراً أن "العيد يبقى رمزاً للأمل والانتصار على الظلام". ويحرص الأهالي على إحياء الشعائر الأساسية، خصوصاً للأطفال، كي يغرسوا فيهم الصمود والإصرار على الهوية. ويقول: "الأوضاع الاقتصادية أثرت على كل شيء، لكن العيد يظل شاهداً على تمسكنا بأرضنا، مسيحيين ومسلمين، ولا بد من إحياء شعائره من دون احتفالات، فمن يبادون هم أهلنا".
من قلب بيت لحم، تقول الفنانة التشكيلية مسعدة حميد، لـ"العربي الجديد"، إنها "تحمل شعلة الأمل رغم معاناة الشعب الفلسطيني. فالعيد هذا العام يأتي بنور وإيمان، لكن من دون احتفالات مبهجة بسبب حرب الإبادة والعدوان على غزة". في مدينة بيت لحم، تشارك مسعدة في استقبال النور المقدس في مسيرة شعبية تنطلق إلى كنيسة المهد تعبيراً عن التمسك بالتقاليد رغم الظروف القاسية، لكن بلا أجواء احتفالية.
كعادتها كل عام، تحضّر مسعدة الكعك والمعمول في منزلها متمسكةً بالرمزية الدينية لهذه الأطباق، إلى جانب البيض المصبوغ، وتستقبل الأصدقاء والأحبة، لكن غصة القلب الممتدة هذا العام تسكن قلبها مع استمرار معاناة غزة، داعية العالم للاستيقاظ لإنقاذ غزة، متمنيةً أن تنتهي الحرب ويعم الأمان.
الألم نفسه
بقلوب مثقلة بالحزن، يستقبل مسيحيو بلدة الزبابدة، جنوب جنين، شمالي الضفة الغربية، عيد الفصح هذا العام، واقتصرت الأجواء، وللعام الثاني، على الشعائر الدينية فقط. ويقول جوزيف لامبروس لـ"العربي الجديد": "نعيش ألم إخوتنا المسلمين نفسه في عيد الفطر، في ظل إبادة مستمرة بين شهيد وجريح وأسير". وبحسب لامبروس، أعلن كهنة البلدة إلغاء كافة مظاهر الفرح، واقتصار الاحتفال على الشعائر الدينية فقط، تقديراً لدماء الشهداء ومعاناة الأسرى والمهجرين. ويقول: "حتى في بيوتنا، لا مكان للفرح. نصنع كعك العيد بصمت، بينما قلوبنا مع أهالي غزة ومخيمات جنين وطولكرم"، مؤكداً: "نرفع الصلاة لله وحده، فهو ملاذنا الوحيد في هذه الهجمة الشرسة على شعبنا".
تفتقد بلدة الزبابدة أجواء الاحتفال بعيد الفصح بسبب استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، والعدوان على الضفة الغربية، كما يؤكد رئيس بلدية الزبابدة غسان دعيبس لـ"العربي الجديد". يضيف أن بلدة الزبابدة تشهد للسنة الثانية على التوالي غياب مظاهر الاحتفال بعيد الفصح المجيد، الذي يُعدّ عيد الأعياد لدى المسيحيين، نظراً لأهميته الجوهرية في الإيمان المسيحي.
خلال الأعوام السابقة، يوضح دعيبس أن الزبابدة كانت تتزين بالاحتفالات بمشاركة فرق كشفية، وتنظم فعاليات من قبيل استقبال النور يوم "سبت النور" والاحتفال يوم الأحد. لكن هذا العام والعام الماضي، اقتصرت المناسبة على الشعائر الدينية فقط، وتُشارك الفرق الكشفية في تنظيم حركة الناس بدلاً من الاحتفال. ويقول: "لا توجد أجواء احتفالية، وهذه أقل رسالة نعبّر من خلالها عن واقعنا في ظل حرب الإبادة والدمار. بهجة الناس في العيد منقوصة، لأن العيد يكتمل بالفرح، وهو غائب عن عيون وقلوب الناس في ظل هذا العدوان".
ويعرب دعيبس عن أمله أن تنتهي هذه الحرب، وأن يحقق الشعب الفلسطيني طموحه في الحرية والاستقلال وبناء دولته المستقلة بعيداً عن المجازر، ليعيش حياة طبيعية كباقي شعوب العالم. ويأتي عيد الفصح هذا العام، وفقاً لدعيبس، في ظل استقبال الزبابدة نحو ألف نازح من مخيم جنين، بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر، مؤكداً أن البلدة تفتح أبوابها للنازحين كأبناء شعب واحد رغم الظروف الصعبة.
من جهته، يقول الناشط المقدسي جورج سحّار، لـ"العربي الجديد"، إن "كل مباهج عيد الفصح اختفت من مدينة القدس، حيث كنيسة القيامة هي مركز هذا العيد والاحتفال به". يضيف: "هناك بيان أصدرته الكنائس يؤكد اقتصار الاحتفال بالعيد على الطقوس الدينية، وإلغاء أي مظاهر احتفالية مثل الكشافة والموسيقى والزينة وغيرها، والتركيز فقط على الصلوات". ويقول: "حرب الإبادة ألقت بظلالها على كل شيء، وكل مظاهر الاحتفال أصبحت مختصرة جداً، وحتى تلك المتعلقة بالأطفال تقتصر على البيت وليس على الأماكن العامة".
وترى إيليا يعقوب من القدس، وهي أم لثلاثة أطفال، أن الفرح يغيب عن عيد الفصح للعام الثاني على التوالي، وأصبح كل شيء مختصراً جداً. وتقول: "اضطررت هذا العام إلى صنع بعض الكعك بالتمر للأطفال فقط، وهذا لا يعني أننا سنضعه على طاولة الضيافة في العيد، بل فقط للأطفال وبكميات قليلة". تتابع: "كانت طاولة العيد عامرة بالفاكهة والأنواع الفاخرة من الشوكولاتة والكعك والمعمول والمكسرات والبيض الملون، لكننا، للعام الثاني على التوالي، نختصرها بالبيض الملون فقط رمزاً لقيامة المسيح، على أمل أن يخرج الله الحياة من هذا الموت الذي نعيشه بصفتنا فلسطينيين". وتوضح: "هذا الطقس الذي بقي حاضراً ومستمراً، وهو تلوين البيض رمز قيامة المسيح، يُشعر الأطفال بالبهجة حيث لا يوجد مظاهر عامة للفرح".
وتقول يعقوب إن "الفيديوهات والصور القادمة من قطاع غزة مرعبة جداً. يعيش الفلسطينيون منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 آلاماً يعجز أي شعب في العالم على احتمالها. لذلك، عندما نلغي أي طقس من طقوس العيد ونقول للأطفال إننا نفعل ذلك بسبب آلام غزة، فالأطفال لا يناقشون ولا يغضبون بل يكتفون بالموافقة والصمت". وتختم حديثها قائلة: "سألتني طفلتي ساندرا (5 سنوات) إن كنا سنخرح مثل كل عام لاستقبال الكشافة وماذا سترتدي. أخبرتها أنه لا يوجد كشافة هذا العام مثل العام الماضي، فحزنت جداً، وأخبرتها أننا لا نستطيع أن نرتدي ملابس جديدة ونخرج لاستقبال الكشافة ثم نذهب لتناول الطعام في مطعم مثل كل عام وأهل غزة يقتلون ويجوعون، فهزت برأسها موافقة، وذهبت لتكمل تلوين البيض مع أخوتها بصمت".
أما يارا داوود من القدس، فتقول إن "المسيحيين في القدس يعتبرون أن عيد الفصح هو عيد مميز ومقدس جداً، ربما بسبب كنيسة القيامة. أقول إن بداية العام في القدس هي عيد الفصح وليس بداية العام". تضيف أن "جميع الطوائف في القدس ستحتفل اليوم. المرة الأخيرة التي احتفلت فيها جميع الطوائف معاً كانت عام 2017، ولهذا رمزية كبيرة". تتابع: "المواطن المسيحي الذي يعيش في الضفة الغربية لا يستطيع الحضور بسبب عدم منح الاحتلال تصاريح له، بالإضافة إلى الحواجز الإسرائيلية المشددة. كما لم يسمح للمسيحي من خارج الأراضي الفلسطينية بالدخول إليها".
أما يارا التي تسكن البلدة القديمة في القدس، فتقول إن "عائلتنا مثل الكثير من العائلات، فإما أنها لم تعد الكعك والمعمول، أو أعدته للأطفال بكميات قليلة. السؤال الذي نسأله نحن النساء هو كيف نصنع الكعك وغزة تتضور جوعاً، والضفة مغلقة ولا أحد يستطيع الوصول من أقاربنا إلى القدس". تضيف: "المؤسسات التي كانت تنظم فعاليات تلوين البيض للأطفال لم تعد تقوم بأي برامج. هناك خجل من ممارسة هذا الطقس. كما أن الجميع يشعر بالحزن وكأن الحرب على قطاع غزة أطفأتنا".
تختم حديثها قائلة: "الاحتلال كان دائماً يحارب المسيحيين والاحتفال بعيد الفصح لأنه يرى فيه شيئاً فلسطينياً حقيقياً من دون مظاهر وتقاليد غربية. إسرائيل تحارب المسيحيين لأنهم أهل البلد، وعندما أفكر بآخر عشر سنوات، كانت الأعياد تقام وسط الحواجز والتضييقات الإسرائيلية. أهل القدس يعيشون معاناة غزة والضفة الغربية مع الاحتلال. مع ذلك، يبقى الفصح عنواناً فلسيطينياً فيه طابع عربي يستفز الاحتلال أكثر".