فرحة غزة... أملٌ في استرجاع حياة أبادتها إسرائيل

17 يناير 2025
فرحةٌ بعد انتظار طويل في دير البلح، 15 يناير 2025 (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فرحة الغزيين بوقف إطلاق النار: بعد خمسة عشر شهراً من العدوان الإسرائيلي الذي أودى بحياة الآلاف، استقبل الفلسطينيون في غزة إعلان وقف إطلاق النار بفرحة عارمة، معبرين عن سعادتهم بالعودة إلى مناطقهم ولقاء أحبائهم رغم الألم والحسرة.

- التحديات والآمال المستقبلية: يواجه الغزيون تحديات كبيرة في إعادة بناء حياتهم ومنازلهم المدمرة، معبرين عن أملهم في مستقبل أفضل رغم الخسائر الكبيرة واستيائهم من خذلان العالم.

- قصص الأمل والصمود: تتجلى قصص الأمل في حياة الغزيين مثل الطفلة رهف وأماني عفانة، معبرين عن قوة الإرادة والرغبة في الحياة رغم المآسي.

لا شيء يمكن أن يغلب فرحة الغزيين بإعلان وقف إطلاق النار. لحظة انتظروها طويلاً بعدما خسروا الكثير ودفعوا الأثمان الباهظة بالأرواح والدم والممتلكات. ورغم المأساة، يملأهم الأمل وينتظرون تفقد بيوتهم والبكاء على شهدائهم ولقاء أحبتهم

فور إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة رسمياً، مساء أول من أمس، صدحت أصوات الفلسطينيين فرحاً وتهليلاً وتكبيراً بعد أيام من القلق خشية فشل المفاوضات، على غرار ما حدث خلال جولات التفاوض السابقة. تجمهر الآلاف في مجموعات على المفترقات الرئيسية، وانطلقوا في مسيرات عفوية وغنوا "جنة جنة جنة... تسلم يا وطنا"، وراحوا يكبّرون ويطلقون صافرات جماعية. بدا أن الفرحة لن تغادر وجوههم، بعد إبادة جماعية ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي استمرت خمسة عشر شهراً، فلطالما انتظروا هذه اللحظة. 
قرع البعض على أواني الطعام التي كانوا يحملونها أمام التكايا الخيرية، بعدما تحولت إلى مصدر للفرح. عاش أهالي القطاع سعادة ممزوجة بألم وحسرة على من فقدوهم من الأهل والأحبة. مشوا في الشوارع محتفين بوقف الحرب الدموية بعد مجازر كبيرة ارتكبها الاحتلال بحقهم، استشهد خلالها أكثر من 46 ألف مواطن.
امتلأت الشوارع الرئيسية المدمّرة في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة بآلاف المواطنين الذي تشاركوا التبريكات والاحتفالات. حاولوا، ولو للحظات، نسيان ما عاشوا من مآس وآلام لم تفارقهم منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعدما أصبح لم شملهم بعائلاتهم وبيوتهم في شمال القطاع قابلاً للتحقق.  
لم تُفارق الابتسامة ملامح الخمسيني نضال أبو حرب، الذي غادر منطقة المواصي غرب مدينة خانيونس متوجهاً إلى شارع البحر الرئيسي في المدينة لمشاركة أبناء شعبه فرحتهم. يقول: "لا شيء في الأجواء غير الفرح. الجميع سعيد بالعودة إلى مناطقه. بعدها، سنفكر بالأيام المقبلة، لكن لن ننسى أن جراح الناس موجودة. هناك من سيتفقد بيته وسيحاول كثيرون انتشال آلاف الشهداء من تحت البيوت المدمرة". يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "نحمد الله أننا تخلصنا من كابوس الحرب، ونأمل أن تحمل الأيام المقبلة الخير بعد كل ما عشناه. اشتقت إلى حارتي في مدينة رفح. أرغب في التوجه إليها والاجتماع مع جيراني. وفي حال كان بيتي مهدماً، يمكن إعادة بنائه. المهم أننا نجونا من هذه الحرب".
ورغم هذه المشاعر الجديدة التي تغمر قلبه، لا ينسى خذلان العالم وتآمره على غزة، والصمت على الإبادة الجماعية التي سلبت أرواح أكثر من 46 ألف شهيد فضلاً عن إصابة أكثر من 100 ألف. يقول إن دماء الشهداء "ستبقى لعنة تطارد كل من خذل غزة وتركها تغرق في الظلام الدامس والإبادة".

بدوره، يعرب هشام بارود عن سعادته بإعلان وقف إطلاق النار قائلاً: "هذه لحظة تمنيناها منذ زمن. انتظرناها بفارغ الصبر عسى أن نرتاح ونعود إلى بيوتنا ونستعيد حياتنا وعافيتنا"، معتبراً أن "وقف الحرب هو خطوة للعودة إلى الحياة الطبيعية". كان بارود يملك أربعة محال تجارية دُمّرت ثلاثة منها. واليوم، سيعتمد على ما بقي ليكون مصدر دخله. ويوضح: "لا نعلم إن كنا سنجتمع مع العائلة في بيت واحد، أم سنبقى في الخيام لفترة معينة. كما لا نعلم ماذا حل بمنطقتنا لأن الصور القادمة من رفح تظهر دماراً كبيراً". بصوت ممتلئ بالرضا والصبر، يتابع: "الحمد لله على كل شيء. ما حدث كان قدراً لا نستطيع الإفلات منه. كشعب، يجب أن نكون راضين ومؤمنين بالقضاء والقدر لأننا أهل رباط هنا".
كانت الطفلة رهف (10 سنوات) تتجول بين حشود المحتفين وتبيع الحلوى. وهذه المرة الأولى التي ستعود إلى أهلها ومعها غلة نقدية أكبر من أي وقت مضى، بعدما أوشكت على بيع كامل الحلوى في الصحن الكبير. هي الأخرى تعيش فرحة مختلفة شاركتها مع "العربي الجديد". تقول: "فرحت كثيراً بإعلان وقف الحرب. كانت لدينا مدارس وكنا نتعلم وكان أبي يعمل فأحصل على مصروف يومي. الحرب حرمتني كل شيء". 

لا يستطيع إخفاء فرحته في غزة، 15 يناير 2025 (داود أبو الكاس/الأناضول)
لا يستطيع إخفاء فرحته في غزة، 15 يناير 2025 (داود أبو الكاس/الأناضول)

بالنسبة إلى الخمسينية أم جاسر أبو ناموس، فإن إعلان وقف إطلاق النار يمثل بالنسبة إليها راحة بال ولم شمل عائلتها في شمال القطاع، هي التي غمرتها مشاعر الشوق. تقول لـ "العربي الجديد": "سأجتمع بعد أيام بأهلي وإخوتي في شمال القطاع. أتشوق لهذه اللحظة التي انتظرتها على مدار عام بفارغ الصبر. ما يحزنني أن أمي توفيت في جنوب القطاع وكانت تتمنى أن تتكحل عيناها بالعودة إلى منزلنا".
خلال محادثتها زوجها الموجود في شمال القطاع، بكت حنان البنا لعدم قدرتها على احتمال فترة الفراق الطويلة. لكن بعد إعلان وقف إطلاق النار، بدأت ترتب للعودة متلهفة للقاء زوجها بعد عام من النزوح عاشت خلاله معاناة ومأساة. تقول: "استنفدت طاقتنا، وأرهقنا النزوح والتشرد بعيداً عن منزلنا وأقاربنا". تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد": "كنت أستبعد لقاء زوجي خلال الأسابيع السابقة بسبب الجرائم والإبادة، لكن بعد تقدم المفاوضات وإعلان وقف إطلاق النار، ارتاح قلبي وهدأ البال من الأفكار والبكاء والحسرة. أتمنى لقاء والدتي المريضة التي سافرت إلى العراق للعلاج بعد فتح معبر رفح، ولقاء زوجي". 

"خلص رتبت أغراضي"، تقول أماني عفانة بصوت مرتفع ممزوج بالفرح ومليء بالشوق إلى مدينة غزة، لصديقتها التي اكتسبتها خلال فترة النزوح في مدينة خانيونس. فترد الأخيرة: "والله راح نشتقلك (سنشتاق إليك) كتير (كثيراً)". تقول عفانة لـ "العربي الجديد": "وقف الحرب يمنحنا الفرصة لنحزن على من فقدناهم. أشتاق إلى حارتي في حي النصر بمدينة غزة، ومنزلي رغم أنه غير صالح للسكن". تضيف: "نريد نصب خيمة قربه. المنزل لا يعوض بشيء. لكني أيضاً فقدت شقيقين استشهدت عائلتاهما بالكامل"، مؤكدةً أن "وقف إطلاق النار يعني أننا استيقظنا لحزننا. أريد زيارة قبور الشهداء الذين لم أودعهم".
انتظرت مها نبهان خبر وقف إطلاق النار على أثير الراديو مع كافة أفراد العائلة ونازحين آخرين. كانت لحظات الانتظار صعبة. وبمجرد الإعلان عن وقف إطلاق النار، انطلقت صرخات الفرح من قلوب معبئة بالقهر والحزن بعد كل ما عاشته من مأساة ومعاناة ونزوح وتشرد.
لا تعلم شيئاً عن منزلها في مدينة رفح الذي تعرض إلى تدمير كبير. تعرب لـ "العربي الجديد" عن فرحتها بوقف الحرب قائلة: "هذه لحظة تختلط فيها المشاعر، بين فرح بأننا طوينا مرحلة قاسية من حياة شعبنا لن ننساها وستذكرها الأجيال المقبلة، وبين حزن على من فقدناهم من أحباب وجيران. كل بيوت غزة عاشت الفقد". وبعد مرحلة نزوح طويلة عاشت فيها بعيداً عن منزلها لأكثر من عام ونصف العام، تنتظر أن تتمكن من العودة إلى منزلها، وبدء حياتها من جديد، ولم شملها بأبنائها الذين فرقتهم الحرب وتشردوا في أماكن عديدة. 

المساهمون