فرحة المصريين بعيد الفطر حاضرة رغم صعوبة المعيشة

02 ابريل 2025
مظاهر عيد الفطر في الإسكندرية، 2 إبريل 2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه المصريون تحديات اقتصادية، لكنهم يتكيفون مع الظروف بالاحتفال بعيد الفطر بطرق أقل تكلفة، مثل زيارة المتنزهات الشعبية والحدائق العامة، مما يعكس قدرتهم على التأقلم مع الحفاظ على أجواء الفرح.
- تتنوع طرق الاحتفال بين الأسر، حيث يختار البعض الحدائق العامة أو الشواطئ الشعبية، بينما يفضل آخرون البقاء في المنزل أو زيارة الملاهي المتنقلة، مما يعكس تغير أنماط الإنفاق بسبب ارتفاع الأسعار.
- تلعب المبادرات الخيرية دوراً مهماً في دعم الأسر الفقيرة خلال العيد، من خلال توزيع كعك العيد وملابس الأطفال وتنظيم احتفالات جماعية، مما يعزز التكافل الاجتماعي ويوفر أجواء احتفالية للجميع.

على الرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجه المصريين، فإنّ مظاهر الاحتفال بعيد الفطر لا تزال قائمة لليوم الثالث على التوالي في مختلف أنحاء البلاد، حيث يواصل المواطنون التأقلم مع الأوضاع الصعبة وإيجاد طرق بديلة للاستمتاع بالمناسبة بأقل التكاليف. وبينما تراجع الإنفاق على بعض مظاهر العيد التقليدية، والطقوس المعتادة داخل أماكن التنزه والترفيه الفاخرة ازداد الإقبال على المتنزهات الشعبية والحدائق العامة، ليبقى عيد الفطر حاضراً وسط أجواء من الفرح البسيط والتكافل الاجتماعي.

وتباينت طرق الاحتفال بعد محاولة العديد من الأسر المصرية خلق أجواء البهجة بأقل الإمكانيات، فبينما اختارت بعض العائلات الحدائق العامة المفتوحة بدلاً من الأماكن الترفيهية المكلفة، شهدت حديقة الحيوان إقبالاً كبيراً من الأسر التي حرصت على اصطحاب المأكولات والمشروبات المنزلية، إلى مناطق التنزه والتفاعل مع الألعاب والعروض الترفيهية الموجودة. وتعاني مصر خلال الأشهر الماضية من أزمة غلاء بسبب تضخم قياسي لأسعار السلع والخدمات، ونقص العملة الأجنبية مما ضاعف معاناة أكثر من 30 مليون مواطن مصري تحت خط الفقر، وفق آخر إصدار للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لبحث الدخل والإنفاق السنوي في 2019-2020.

الصورة
مظاهر عيد الفطر في الإسكندرية، 2 أبريل 2025 (العربي الجديد)

 

في حديقة الحيوان بمدينة الإسكندرية، جلس أبو ياسين، الرجل الخمسيني، وسط أسرته الصغيرة للاستمتاع بأجواء عيد الفطر بالحديقة التي تتيح للمواطنين تناول الطعام بداخلها، بينما يمرح الصغار حولهم ببالونات ملونة اشتراها لهم من بائع متجول. يقول أبو ياسين وهو يعمل محاسباً في شركة خاصة: "لا أستطيع أن أحرم أولادي من فرحة وفسحة عيد الفطر كل عام، وأحضرنا كل احتياجاتنا، وهذا يكفي لبهجة الأولاد"، مؤكداً خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تكلفة التنزه تختلف من عام لآخر حسب إمكانيات كل أسرة، بعد أن أصاب الغلاء كل شيء وهو ما تسبب في تراجع الكثيرين عن خططهم المعتادة والاتجاه إلى بدائل أخرى أقل في التكلفة.

الصورة
مظاهر عيد الفطر في الإسكندرية، 2 أبريل 2025 (العربي الجديد)

 

بدورها تقول زوجته: "كنا نريد الذهاب إلى الملاهي، لكن أسعار التذاكر مرتفعة جداً، وأعتقد أن الحدائق مثل حديقة أنطونيادس، وحدائق المنتزه، تُعدّ من الأماكن المُفضّلة لغالبية الأسر التي لا تقدر على تكلفة التنزه داخل الملاهي والمطاعم الخاصة". ويؤيد الحاج ياسر عبد الوهاب، وهو موظف حكومي، الاحتفال بعيد الفطر في الحدائق والمتنزهات العامة التي تجذب الكثير من المواطنين في الفترة الأخيرة، لافتاً إلى أنه اضطر إلى تغيير طقوسه المعتادة سنوياً هو وأسرته خلال المناسبات بدلاً من الملاهي الترفيهية أو "الكافيهات" الخاصة، بعد أن ارتفعت أسعار التذاكر بها بصورة مبالغة لا تناسب مرتبه وإمكانياته، بحسب قوله.

الصورة
مظاهر عيد الفطر في الإسكندرية، 2 أبريل 2025 (العربي الجديد)

 

وأوضح: "هذا العام قررنا قضاء العيد في المنزل مع العائلة والاكتفاء بفرحة أولادنا باللعب وهم يرتدون الملابس الجديدة في الملاهي المتنقلة بالشوارع التي تسمى ملاهي الغلابة، بعد أن انعكست الظروف الصعبة على الجميع، وكثير من الأسر لم تسلم من آثار الأزمة الاقتصادية". وعلى كورنيش المدينة الساحلية، تفترش بعض العائلات الأرصفة، ويتناولون الطعام، وعلى الرغم من قلة الإمكانيات، تتجلى مظاهر الفرح في عيون الأطفال الذين يركضون على طول الممشى، أو الاستمتاع بركوب الخيل التي يحرص بعض أصحابها على تأجيرها بأسعار زهيدة في أيام الأعياد والمناسبات والتقاط الصور التذكارية.

وحيث البحر هو المتنفس الأكبر، تزاحمت العائلات التي جاءت من مختلف الأحياء على الشواطئ الشعبية، للاستمتاع بالموج والنسيم، تجلس سعاد محمود التي جاءت من حي كرموز بجوار أبنائها الذين يمرحون برش المياه على بعضهم البعض. تقول وعلامات الرضا على وجهها: "الشواطئ المجانية رغم قلتها فهي أرخص فسحة وأجملها.. لا نحتاج سوى زجاجات مياه وبعض السندويتشات، والباقي متروك للهواء الطلق ونشعر بفرحة العيد في أطفالنا فهي لا تشترى بالمال ونحن نصنعها بأنفسنا".

الصورة
مظاهر عيد الفطر في الإسكندرية، 2 أبريل 2025 (العربي الجديد)

 

وتكتظ المقاهي برجال يتبادلون الحديث، بينما يجلس البعض الآخر في حلقات يلعبون "الطاولة" و"الدومينو"، في مشهد متكرر كل عيد. في منطقة محطة الرمل وسط المدينة، تزدحم الشوارع بالبائعين الجائلين الذين يعرضون العرائس القطنية والبالونات وألعاب الأطفال البسيطة، في حين يتزاحم الأطفال حول بائع الفشار، وكأن لذة العيد في رائحة الذرة المحمصة التي تفوح في المكان.

مساحات للخير وصنع البهجة في عيد الفطر

وفي ظل ارتفاع الأسعار، لعبت المبادرات الخيرية دوراً كبيراً في دعم الأسر الفقيرة خلال العيد، حيث نظمت الجمعيات الخيرية حملات لتوزيع كعك العيد، وملابس الأطفال، في آخر 48 ساعة قبل العيد، بينما أقامت بعض المساجد والمراكز المجتمعية احتفالات جماعية للأطفال الأيتام والمحتاجين، لتوفير مساحة من الفرح لهم رغم الصعوبات.

ويرى السيد الصيفي، الخبير وأستاذ الاستثمار بجامعة الإسكندرية، أن الأزمة الاقتصادية انعكست على أنماط إنفاق المواطن في العيد، وقدرة شرائح كبيرة بالمجتمع على الاحتفال وممارسة طقوسها، لكنه يؤكد أن المصريين أثبتوا قدرتهم على التكيف مع الظروف وتحمل ارتفاع الأسعار والتركيز على الأولويات حسب الميزانية. وأضاف لـ"العربي الجديد": "احتفالات الأعياد ستظل قائمة رغم الغلاء، ولكنها ستختلف حسب الإمكانيات وهو ما بدا واضحاً في زيادة الاعتماد على البدائل الأقل تكلفة، مثل التنزه في الأماكن المفتوحة وصنع الحلويات منزلياً، وغيرها من المظاهر التي تعكس قدرة المجتمع على التأقلم".

أما أحمد والي، الباحث في الشؤون الاجتماعية، فيرى أنّ عيد الفطر "ليس فقط مظاهر مادية، بل هو مناسبة اجتماعية ترتبط بالتواصل الأسري والفرح الجماعي"، موضحاً أنّ "الضغوط الاقتصادية دفعت الأسر إلى تغيير نمط الاحتفال، لكنها لم تمنعها من إيجاد بدائل للحفاظ على تقاليد العيد، سواء عبر اللقاءات العائلية أو الخروج إلى الحدائق المجانية". وأشار إلى أن مظاهر التكافل الاجتماعي زادت هذا العام لتعويض الأسر الفقيرة عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، حيث انتشرت المبادرات المجتمعية لدعم الأسر المحتاجة وتوفير أجواء احتفالية للأطفال في المناطق الأقل حظاً.