فتح مدارس السودان... جدل حول سلامة التلاميذ وأجور المعلمين
استمع إلى الملخص
- أكدت لجنة المعلمين على أهمية التأكد من خلو المدارس من المخاطر مثل المتفجرات، وضمان صلاحية المنشآت وتوفير المياه والكهرباء والكتب، مشيرة إلى أن فتح المدارس دون معالجة هذه القضايا يعد قراراً سياسياً.
- في ظل استمرار العمليات العسكرية، تواجه المدارس تحديات كبيرة مثل استخدامها كمراكز إيواء وتعرضها للتدمير، مما يستدعي صيانة المرافق لضمان سلامة التلاميذ.
قرر عدد من ولايات السودان بدء العام الدراسي، رغم أن الكثير من المدارس غير مهيأة لاستقبال التلاميذ نتيجة الدمار الذي طاولها خلال أشهر الحرب، فضلاً عن عدم قدرة الأطفال والمعلمين على الانتظام.
انتقدت لجنة المعلمين السودانيين (كيان نقابي) قرار إعادة فتح المدارس في عدد من الولايات، من بينها العاصمة الخرطوم، في أغسطس/آب الحالي، معتبرة أن فتح المدارس بالولايات المتأثرة بالحرب يفتقر إلى الموضوعية، إذ إن هناك عشرات الملفات التي لم تتم تسويتها، وعلى رأسها السلامة المدرسية والمخلفات الحربية وأجور المعلمين.
في المقابل، أكدت وزارة التربية والتعليم الاتحادية في السودان عدم مسؤوليتها عن فتح المدارس بينما لم يحصل المعلمون بعد على أجورهم، إلى جانب عدم إجراء مسح شامل للمدارس للتأكد من عدم وجود مخلفات حربية داخلها. وقال مسؤول الإعلام بالوزارة، عبد الرحمن النجومي، لـ"العربي الجديد": "الوزارة الاتحادية وضعت عبء دفة تسيير أمور التعليم على عاتق سلطات الولايات، فكل ولاية لها ظروفها التي خرجت بها من الحرب، لذا أصبحت مسألة انطلاق العام الدراسي متروكة لتقديرات الوزراء الولائيين".
من جانبها، شددت لجنة المعلمين السودانيين على المطالبة بالتأكد أولاً من خلو المدارس من أي مخاطر، بما في ذلك المتفجرات ومخلفات الحرب، ومراجعة صلاحية المنشآت كفصول التلاميذ ومكاتب المعلمين ودورات المياه، مع ضمان توفر المياه الصالحة للشرب، والتيار الكهربائي، إضافة إلى الكتب المدرسية، وأجور المعلمين الذين لم يحصلوا على رواتبهم منذ شهور طويلة، فضلاً عن ملف تعليق مِنح الأعياد والبدل النقدي خلال العامين الماضيين.
ويرى المُتحدث باسم لجنة المعلمين، سامي الباقر، أن "إقرار فتح المدارس من دون معالجة الإشكاليات القائمة يجعله قراراً سياسياً لا علاقة له بالعملية التعليمية"، موضحاً لـ"العربي الجديد": "في ظل الوضع الحالي، لا يستطيع الأساتذة أو التلاميذ الذهاب إلى المدارس بسبب الفقر الذي يعانيه كثير من الأسر كنتيجة للحرب، وهو سبب يجعل آلاف التلاميذ يتركون المدارس، إضافة إلى اضطرارهم إلى العمل في مهن هامشية من أجل مساعدة عائلاتهم في الحصول على الغذاء".
يضيف الباقر: "أوضاع الأسر والمعلمين متدهورة، والكثيرون وصلوا إلى مرحلة كارثية من الفقر لأن لديهم متأخرات أجور لأكثر من 14 شهراً، ولو تم فتح المدارس في السودان ولم يحصل المعلمون على رواتبهم فلن يستطيعوا العودة إلى العملية التعليمية بأي حالة من الأحوال. إذا لم تجهز البيئة المدرسية بصورة سليمة أيضاً، فسوف تتسبب المخلفات الحربية في إصابة أو مقتل تلاميذ، مثلما حدث في مناطق من كردفان والخرطوم، حيث انفجرت ذخائر في أجساد التلاميذ داخل مدارسهم". ويتابع: "قرار فتح المدارس في المناطق التي يسيطر عليها الجيش من دون الإشارة إلى المناطق التي تخضع لسيطرة الدعم السريع يمثل حرماناً متعمداً من الحق في التعليم، فالأهالي الذين يعيشون في مناطق سيطرة الدعم السريع لم يختاروا هذا الوضع القائم بإرادتهم، وحرمان أطفالهم من التعليم فيه تمييز مُضر بالمجتمع، وبمستقبل الأطفال".
في ولاية شمال كردفان، قررت وزارة التعليم بدء العام الدراسي في 18 أغسطس، رغم استمرار العمليات العسكرية، ما أثار حفيظة المعلمين وأولياء أمور التلاميذ. تقول فاطمة الجيلي، من مدينة الأبيض، وهي أم لثلاثة تلاميذ، لـ"العربي الجديد": "قرار فتح المدارس بينما تشهد المدينة قصفاً شبه يومي من قبل قوات الدعم السريع، والتي تستخدم المسيرات أيضاً، يعتبر نوعاً من العبث بأرواح الأطفال، وتجاهلاً للواقع، ولا يتوافق مع ما يحدث على الأرض من معارك مستمرة".
ويقول مبارك عبد الله، وهو معلم بالمرحلة المتوسطة في شمال كردفان لـ"العربي الجديد": "هناك مدارس تم تدميرها بالكامل أثناء الحرب، وأخرى سرق أثاثها وأبوابها ونوافذها، ولم تبق سوى المباني، كما خُربت المرافق الخدمية كدورات المياه وخزانات مياه الشرب، وعلى هذه الحال لا يمكن أن تكون بيئة مدرسية صالحة لاستقبال التلاميذ والأساتذة، وينبغي إعادة تأهيلها أولاً".
وتحاصر قوات الدعم السريع مدينة الأبيض، عاصمة الولاية، من ثلاثة جهات، كما تقوم بمهاجمتها بين الحين والأخر بالمسيرات والصواريخ والمدافع، وتستقبل المدينة بصورة شبه يومية فارين من قرى ومناطق يهاجمها الدعم السريع، وتستخدم المدارس كمراكز إيواء للنازحين.
ويقول أحد العاملين في مكتب التعليم بالولاية لـ"العربي الجديد": "قرار فتح المدارس لا علاقة لوزارة التربية والتعليم به، فهو قرار سياسي بالأساس". ويضيف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه: "نفذ القرار في مناطق محدودة بالولاية توجد بها مدارس لم تتأثر بشدة، بيد أن عشرات المدارس لم تبدأ استقبال التلاميذ لأنها تعرضت للتدمير، ما يجعل انتظام جميع تلاميذ الولاية في التعليم مسألة غير واردة في الوقت الحالي".
وفي 28 مايو/ آيار الماضي، قتل أربعة تلاميذ وأصيب تسعة من زملائهم داخل مدرسة قرية الفضوة الابتدائية الواقعة في ريف مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان، نتيجة انفجار مخلفات حربية عثر عليها التلاميذ. وقال معلم من أم روابة لـ"العربي الجديد": "تأثرت الولاية كثيراً بالحرب، وكان هناك ألغام وأجسام حربية غير منفجرة في بعض المدارس والمرافق، وبعضها لم تتم إزالتها بعد، وعودة التلاميذ إلى المدارس التي تحول بعضها سابقاً إلى ثكنات عسكرية يمثل تهديداً حقيقياً على حياتهم، ويفترض أن يسبق قرار فتح المدارس وعودة التلاميذ إجراء مسح شامل للمقار التعليمية للتأكد من عدم وجود مخلفات حربية داخلها".
بدورها، قررت ولاية الخرطوم بدء العام الدراسي في 24 أغسطس، رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بمدارس العاصمة التي شهدت قتالاً عسكريا استمر لنحو عامين، استخدمت فيه المدارس مراكز عسكرية وثكنات للجنود، وبعضها استُخدمت مقابر دفنت في ساحاتها جثث المدنيين والعسكريين الذين سقطوا خلال القتال. بينما أعلنت ولاية النيل الأبيض (وسط) استئناف العام الدراسي في 25 أغسطس، وسبقتها ولاية سنار (جنوب) بعشرة أيام، حيث انطلق العام الدراسي في العاشر من نفس الشهر.
وأقر مدير المركز القومي لمكافحة الألغام، اللواء خالد حمدان، بعدم التمكن من إجراء مسح شامل لولاية الخرطوم وغيرها من الولايات، وقال لـ"العربي الجديد": "في 28 يوليو/تموز الماضي، تم العثور على ثلاثة حقول ألغام بالقرب من حي المقرن السكني في وسط الخرطوم، تحوي أنواعاً من الألغام المُضادّة للأفراد المُحرَّمة دولياً، وفي الثلاثين من يوليو، انفجر لغم في مدرسة أطفال بحي العيلفون الواقعة شرقي العاصمة، وتسبب في مقتل تلميذ وإصابة عدد من زملائه".
وتحولت غالبية مدارس ولاية النيل الأبيض إلى مراكز إيواء للنازحين الذين فروا من مناطق مختلفة. يقول معلم من الولاية طلب عدم كشف هويته لـ"العربي الجديد": "لا توجد مدارس تصلح لاستقبال التلاميذ في الوقت الراهن، لأن معظمها ظلت تستخدم كمراكز إيواء منذ بدء الحرب، وقد تضررت مرافقها بصورة كبيرة، خاصة دورات المياه والفصول والمكاتب الإدارية، وإذا لم تتم صيانتها لا يمكن استخدامها".
وتزامن قرار فتح المدارس مع هطول الأمطار بعد بدء فصل الخريف في السودان في التاسع من يوليو الماضي، وتأثرت أعداد كبيرة من المدارس بالأمطار التي ألحقت بها أضراراً بليغة، وأحدثت فيها تصدعات بالجدران والأسقف، ودمرت بعض فصولها. من ولاية سنار، يقول مسؤول بوزارة التربية والتعليم لـ"العربي الجديد": "ظلت الولاية خاضعة لسيطرة الدعم السريع لما يزيد عن العام، وخلال هذه الفترة تم تدمير كافة المدارس، وقبل صيانتها صدر قرار بدء العام الدراسي من دون الالتفات إلى البيئة المدرسية المدمرة، وأوضاع التلاميذ والمعلمين المتردية. ومع هطول الأمطار وتفشي الكوليرا وتدهور أوضاع المواطنين، ليس من السهل انتظام التلاميذ في المدارس".
بدوره، يقول الموجه التربوي السابق عبد الجليل الطاهر، لـ"العربي الجديد": "المدارس لم تتم صيانتها طوال أكثر من ثلاثة أعوام، وبعضها تعرض للقصف من قبل طرفي الحرب، وبعضها زرعت حوله الألغام، أو تُركت داخلها مخلفات حربية، وبعضها الأخر دفنت في ساحاتها جثث القتلى الذين لم يتم نقل رفاتهم حتى الآن، ومع هطول الأمطار يمكن أن تواجه التلاميذ إشكاليات كبيرة، من بينها انهيار الفصول المُتضررة بالقصف، كما لا يستبعد أن تجرف الأمطار الألغام والذخائر، وقد يصبح التلاميذ ضحايا لها. كثير من المدارس بها جثث تم دفنها على عمق بسيط في الأرض، ويمكن أن تكشفها الأمطار، وتنبغي صيانة المرافق وإعادة تأهيل المدارس قبل بدء الدراسة، وكلها أمور ضرورية لسلامة التلاميذ".