فاجعة ترسين… مخاوف من تكرار الكارثة في القرى المجاورة
استمع إلى الملخص
- تواجه جهود الإنقاذ صعوبات بسبب التضاريس الوعرة ونقص الإمكانيات، مع اعتماد السكان المحليين على أدوات تقليدية، وسط مخاوف من تكرار الكارثة.
- منطقة جبل مرة تستضيف نازحين من النزاعات المسلحة، مما يزيد من الكثافة السكانية ويستدعي نقل السكان وإجراء دراسات جيولوجية لتقييم المخاطر.
فوجئ سكان قرى دائرة أمو في إقليم دارفور، يوم الأحد الماضي، بانزلاق أرضي دمر قرية ترسين بالكامل، في واحدة من أبشع الكوارث الإنسانية التي يعرفها السودان في تاريخه الحديث، إذ تأكد مقتل جميع سكان القرية، ولم ينجُ سوى فرد واحد فقط أصيب بفقدان الذاكرة.
وأمس الأربعاء، انتشلت فرق الإنقاذ مائة جثة من الوحول، بحسب ما أعلنت حركة جيش تحرير السودان التي تسيطر على المنطقة. ووصف رئيس السلطة المدنية التابعة للحركة، مجيب الرحمن الزبير، الواقعة بأنها مأساوية، وقال لـ"العربي الجديد": "سبق أن وقعت مأساة مشابهة في عام 2021، في قرية ترباء القريبة من موقع الحادثة، ولقي عشرات المدنيين حتفهم، ومنذ تلك اللحظة كنا نتخوف من تكرار الحادثة بتلك الطريقة البشعة إلى أن تفاجأنا بحادثة ترسين، والتي كانت أسوأ من حادثة ترباء. نعتقد أن المأساة تضاعفت لعدم مقدرتنا على الوصول إلى مكان الحادثة في الوقت المناسب، وما زال بعض الضحايا تحت أنقاض القرية التي جعل الانزلاق الأرضي عاليها أسفلها".
ومن إحدى القرى المجاورة لموقع الكارثة، يقول إبراهيم عبد الواحد لـ"العربي الجديد": "سكان ما يزيد عن سبعة قرى مجاورة أسرعوا للبحث عن أحياء تحت الأنقاض، لكنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى أحياء لضعف أدوات البحث، وغالبيتها أدوات تقليدية بسيطة".
بدوره، يقول المتحدث باسم منسقية اللاجئين والنازحين في دارفور، آدم رجال لـ"العربي الجديد"، إن "القرية تقع وسط غابات كثيفة وأدغال ومنحدرات خطرة، ومع اشتداد الأمطار التي استمر هطلها ثلاثة أيام متتالية، تضاعفت صعوبة الوصول إلى القرية. مهمة الوصول تحتاج إلى إمكانيات لا تتوفر إلا لدى المنظمات الدولية. عدد القرى كبير، وكلها مهددة بحدوث انزلاقات أرضية مميتة مع استمرار هطل الأمطار بصورة تفوق المعدلات المعتادة".
ويتابع: "الكارثة التي حلت بالسكان البسطاء كشفت للعالم ما يحدث على الأرض. يموت ألف شخص ولا يجدون من ينتشل جثثهم من تحت الأنقاض، وتقتصر محاولات البحث عنهم على جيرانهم من سكان القرى التي يتوقع أن تحل بها كارثة مشابهة في أي لحظة نظراً إلى استمرار هطل الأمطار، والذي حول المناطق السكنية داخل الجبل إلى برك ممتلئة بالمياه، وعرضها للسيول التي تنحدر من قمم الجبل من كل اتجاه".
ويستطرد رجال: "حال حدوث كارثة أخرى في هذه الأيام، وهو أمر متوقع مع عدم حصول ضحايا ترسين والقرى التي حولها على أي مساعدة، قد يموت المزيد من المدنيين تحت الأنقاض، ولا يجدون أيضاً من ينتشل جثامينهم، فهل ستحرك الكارثة الثانية العالم بينما لم تحركه هذه الكارثة؟".
وأصبح عمق جبل مرة هو الخيار الأمثل للحياة منذ بدء المعارك العسكرية في 2003 بين الجيش السوداني وحركة عبد الواحد محمد نور المتمردة، ولجأ سكان القرى المحيطة بالجبل إلى الغابات فراراً من التعرض للانتهاكات التي تصاحب العمليات العسكرية، وانخرطوا في تربية الحيوانات وزراعة الموالح والخضراوات التي أصبحوا يعتمدون عليها في غذائهم بصورة أساسية بعد حرمانهم من الوصول إلى الأسواق خارج منطقة جبل مرة.
وتوقع الجيولوجي يعقوب الأمين تكرار كارثة ترسين نظراً إلى أن المنطقة تتكون من صخور بركانية، قائلاً لـ"العربي الجديد": "الانزلاقات التي حدثت مؤشر على انزلاقات قادمة قد تكون أعنف، ولذا من الضروري نقل السكان من تلك الأماكن الخطرة، وعمل رصد دقيق في جبل مرة لقياس التربة والهواء والمياه".
ونزح آلاف المدنيين من الفاشر ونيالا والجنينة وزالنجي ومناطق أخرى إلى أدغال جبل مرة بعد اندلاع الحرب في إقليم دارفور بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. ويقول آدم إدريس، والذي قضى عدة سنوات في قرية ترسين المنكوبة، إن "عدد القرى داخل مناطق الجبل كان يتجاوز 100 قرية، لكن بعد الحرب زاد العدد بصورة كبيرة، وتوسعت القرى القديمة بسبب زيادة عدد سكانها مع وصول النازحين".
يضيف: "مناطق الجبل هي الوحيدة التي لم تمتد إليها الحرب، ولذا أصبحت وجهة مفضلة للسكان من بقية أجزاء الإقليم المُضطرب. بعض النازحين تمت استضافتهم في القرى، وبعضهم أنشأ قرى جديدة، ولهذا السبب زادت أعداد السكان في قرية ترسين خلال آخر 3 سنوات، ما فاقم الكارثة التي حلت بسكانها، وأدت إلى وفاتهم جميعاً".
ويشير إدريس إلى صعوبة الوصول إلى مكان القرية التي تتوسط الغابات والمنحدرات الضيقة، والتي لا يمكن أن تسير عبرها الآليات الثقيلة أو حتى المركبات العادية، ملمحاً إلى أن "انعدام الطُّرق نحو القرية جعل سكان القرى المجاورة يبحثون بأيديهم وبأدوات تقليدية لأكثر من 48 ساعة عن ناجين تحت الأنقاض".