فائدة أشجار السنديان للطيور

فائدة أشجار السنديان للطيور

18 مايو 2021
سنجاب على شجرة سنديان (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

إن غابات السنديان هي من أهم غابات البحر المتوسط التي تستضيف طيوراً ذات تنوع مميز وأعداد كبيرة من الأفراد. هذه الغابات التي لا يهتم لها الإنسان ويقطعها من أجل توسيع أراضيه الزراعية لها أدوار بيئية واقتصادية لا تحصى. تحتوي غابات السنديان على أغنى أنواع الحياة البرية أكثر من أي موئل تحت مناخ البحر المتوسط، وهي تضم أكثر من 330 نوعاً من الطيور والثدييات والزواحف والبرمائيات التي تعتمد عليها في مرحلة ما من دورة حياتها. كما توفر هذه الأشجار مأوى مهماً على شكل تجاويف لتعشيش الطيور. علاوة على ذلك، تعد غابات السنديان من بين أكثر المناظر الطبيعية قيمة، لأسباب جمالية واحتياجات نفعية، مثل جمع الحطب والرعي. 
ترتبط الطيور في غابات السنديان والبلوط بشكل رئيسي مع ثمار البلوط التي تأكلها وتخزنها عشرات الأنواع منها. هذه العلاقة البيئية متبادلة، إذ لا تقوم الأنواع مثل أبو زريق وكسار البندق ونقار الخشب باسترداد كل البلوط المخبأ لتناوله في فصل الشتاء، وبالتالي تعمل هذه الطيور على نشر البذور وبالتالي الشتول من السنديان عبر المناظر الطبيعية، لتزيد من مساحة الغابات وتستبدل قديم الأشجار بجديدها، ذلك لأن الطيور تقوم بزراعة ثمار السنديان التي تسمى البلوط في الأماكن الفارغة في الأحراج وعلى أطرافها. 
في هذه العلاقة المتبادلة يوفر البلوط الغذاء الرئيسي للعديد من الطيور، وتوفر بعض الطيور نثر البلوط لأشجار السنديان. كذلك توفر أشجار السنديان الكبيرة الأماكن لطيور التعشيش التي تعتمد على التجاويف، بالإضافة إلى مواقع تخزين ثمار البلوط المؤقتة لنقار الخشب الذي يحدث ثقوباً صغيرة في الجذوع والأغصان تكاد تتسع كل منها لثمرة البلوط ثم يضع فيها الثمار بعد أن يضربها بمنقاره قليلاً لكي يحشرها في الثقوب حشراً. بالإضافة إلى ذلك، تستضيف أشجار البلوط عادة نبات الهدال الطفيلي، وهو غذاء مهم للعديد من أنواع الطيور التي تؤم الأحراج لتتناول ثمارها ومن ثم تأكل حشراتها في أحراج السنديان هذه. 
العلاقة بين البلوط والطيور أعمق وأكثر تنوعاً مما نتصور، ولكن هذه العلاقة في خطر بسبب استمرار فقدان موائل غابات السنديان حيث يحول النمو السكاني المتزايد مناطق الرعي إلى ضواحٍ، وسفوح التلال إلى مزارع للكروم، والغابات إلى عقارات سكنية وزراعية رئيسية. علاوة على ذلك، فإن قتل الطيور الجائر من خلال الصيد اللامسؤول يؤدي إلى انكفاء الأنواع عن تخبئة ثمار البلوط التي تؤدي إلى شتول جديدة، الأمر الذي لا يؤدي في كثير من الأحيان إلى تجديد ما يكفي من أشجار السنديان لتحل محل القديم منها. 

بيئة
التحديثات الحية

إن أهمية أحراج السنديان تجلت في دراسة قمنا بإعدادها في لبنان، حيث تبيّن أن هذه الأحراج تضم 65 نوعاً مفرخاً (نصف طيور لبنان المفرخة)، منها 31 نوعاً مقيماً وعدة أنواع محصورة التوزيع في المنطقة وجوارها، بالإضافة إلى نوع مفرخ ولكنه مهدد بخطر الانقراض عالمياً ألا وهو الترغل. علاوة على الأنواع المفرخة تستضيف أشجار السنديان 90 نوعاً مهاجراً (ثلث طيور لبنان المهاجرة). 
أما الطيور الحوامة، كاللقالق والرهو والعقبان والنسور التي تتخذ من السنديان مراكز للمبيت أثناء عبورها، فعددها يساوي نصف عدد الأنواع المسجلة في لبنان. في الواقع، إن ثمرة البلوط تحتوي على مادة التنين المرة والسامة التي تحمي بها الشجرة نفسها من حيوانات الرعي. أما الطيور فلا تتأثر بهذه المادة، بينما يتأثر بها الإنسان لأنها سامة له وطعمها مر. ومع ذلك نجد أنه في أوروبا وأميركا يستخدم البلوط في الطبخ أو كالكستناء مشوياً أو مسلوقاً، وله طعم لذيذ عندما يقدم مشوياً. ولكي يتم ذلك تسحب منه مادة التنين بالنقع بالمياه الباردة أو الحارة كما ينقع الترمس المر. وإذا ما أريد تناوله كالكستناء فإنه يشوى بعد النقع على الفحم أو السخان الكهربائي. هذا مع العلم أن الإنسان في لبنان وسورية والأردن لا يستفيد من هذه الثمار حتى اليوم، بل جل ما يأخذه منها هو أغصان التشحيل التي تستعمل كحطب أو فحم.  
(اختصاصي في علم الطيور البرية)

المساهمون